شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
“لا أتحمل رؤية ابنتي تصاحب شبابا“... عن الآباء والتربية في “بلاد الكفر”

“لا أتحمل رؤية ابنتي تصاحب شبابا“... عن الآباء والتربية في “بلاد الكفر”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 18 يونيو 202005:27 م

يترك العرب أوطانهم نحو الغربة بحثاً عن حياة أفضل، ينشدون حرية لا يجدونها في بلدهم الأم، وما إن تطأ أقدامهم أرض الغربة حتى تبدأ الصدمة الاجتماعية، فكثير من شرائح الطبقة المتوسطة في العالم العربي نشأ أفرادها في مجتمع محافظ، يصعب عليه قبول الانفتاح، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، وبالأخص إذا كانت الابنة.

"ابنتي متمرّدة"

قصص كثيرة يرويها أشخاص لرصيف22 في هذا التقرير، فضّلوا مغادرة الغربة والعودة إلى أحضان مجتمعهم، الذي أضحى مجتمعاً أفضل في عيونهم، مقارنة بالمجتمع الغربي، خاصة بعد أن تزوجوا، وأنجبوا.

تحمل منى، 15 عاماً، ملامحاً عربية، شعرها مصبوغ، منسدل على كتفيها المتعبين، كأنه يسرد حكاية يفسرها بنطالها الجينز المصنوع في كندا، هي لا تتحدث العربية رغم أن أبويها من مدينة غزة، لكنها ولدت في ولاية تورنتو بكندا، وعاشت تفاصيل هذا المجتمع الذي تدافع عنه منى بقوة.

"حين بلغت منى الخامسة عشر، وبدأت تقضي وقتاً أكبر مع صديقاتها الكنديات الجنسية، وأصبحت تقلدهن في تصرفاتهن، ودائمة النكاف مع أمها، فهي تريد الخروج والسهر خارج البيت، الأمر الذي بات يقلقنا كوالدين عرب"

لكن والد منى قرّر هذا الصيف اصطحابها إلى غزة، هي لا تعي أنّ والدها قد قرر أن تكمل منى حياتها لدى جدتها في غزة، هرباً بها من انفتاح المجتمع الكندي، خاصة وأن منى في مرحلة المراهقة، فالخوف هنا أضعاف مضاعفة.

منى تعيش حالة من الحزن، فقد اشتاقت لصديقاتها في كندا، لذلك تراها منشغلة باللعب، والتحديق في جهازها المحمول، المليء بصورها مع صديقاتها، اللواتي تركتهن مؤخرا في ولاية تورنتو بكندا، لتعود إلى غزة بصحبة أبيها.

يقول عاهد سعيد (45 عاماً)، والد منى، صاحب مطعم في كندا وتاجر عقارات، إن سبب قدومه إلى غزة هو الخوف على منى من تفاصيل وحرية وانفتاح المجتمع الكندي، الذي هو "جزء من المجتمع الغربي غير المحافظ"، مضيفاً: "بدأت المشكلة تظهر مؤخراً حين بلغت منى الخامسة عشر، وبدأت تقضي وقتاً أكبر مع صديقاتها الكنديات الجنسية، وأصبحت تقلدهن في تصرفاتهن، وأصبحت دائمة النكاف مع أمها، فهي تريد الخروج والسهر وقضاء وقت أكبر خارج البيت، الأمر الذي بات يقلقنا كوالدين عرب".

يضيف سعيد لرصيف22: "قرّرت اصطحابها إلى غزة لتعيش مع جدتها هنا، لأنها أصبحت شديدة التمرد على سيطرة أمها، فلم يكن أمامي سوى أن أختار مصلحة ابنتي بأن تعود إلى بلدي الأصلي، وأن تتأقلم على الحياة في غزة، حيث المجتمع المحافظ الذي تقوده العادات والتقاليد المستمدة من (الشرع) حيث (الانضباط والأخلاق الكريمة)".

"تعيش سنّ الجنون"

ويسمي سعيد المرحلة التي تعيشها الفتاة في عمر منى بـ"سن الجنون"، خاصة في كندا، حيث تبدأ بمصاحبة ومعاشرة الأولاد في مثل سنها، ومن هنا كان خوفه على ابنته من تقليد فتيات جيلها، ويكمل: "أنا رجل شرقي ولا أستطيع تحمل رؤية ابنتي تصاحب شباناً، فلا ديننا ولا عاداتنا ولا تقاليدنا تسمح لي بذلك".

يذكر أن الفتاة الغربية حين تبلغ السابعة عشر، فإنه، ووفقاً للقوانين في عدة دول غربية، لا يحق للعائلة التحكم في تصرفاتها بالمطلق، وإلا تتوجه للشرطة والقانون، اللذين يمنعان الأهل من التدخل في حياة أبنائهم بالقوة.

أما منى، فكل ما تعرفه هو أنها في زيارة مؤقتة إلى غزة، ويحاول والدها "جس نبض" قبولها لفكرة العيش في غزة، وترد عليه بالقول: "أريد العودة إلى كندا حيث صديقاتي"، الأمر الذي يجعل من مهمة إقناعها "ضرباً من الخيال".

"حين تزوجت وأنجبت ابنتي، قررت مغادرة ألمانيا إلى الإمارات".

أما السوري رامي غريب (43 عاماً)، مهندس في شركة سيمنز الألمانية؛ فقد جاء بحل آخر، وهو المغادرة نحو مجتمع عربي، والسبب أن ابنته التي كانت تبلغ السابعة أصبحت تفهم كل شيء حولها.

يقول غريب لرصيف22: "درست في ألمانيا وتخرجت من جامعاتها، وحين تزوجت وأنجبت ابنتي "ربيع"، قررت مغادرة ألمانيا إلى الإمارات".

ويختصر السبب قائلاً: "حفاظاً على شرقيتي في تربية ابنتي، وخوفي عليها من المجتمع الغربي المنفتح المخالف لمجتمعنا العربي (المحافظ)، فهناك الحرية الجنسية المفرطة، حيث انتشار "الانفلات الجنسي"، ناهيك عن المسكرات والمخدرات".

"هرّبت بناتي من موسكو"

يعتبر كثير من الآباء العرب "التربية المحافظة" خاصة للفتيات، وحرمانها من حقوقها الأساسية في اختيار نمط حياتها وأصدقائها، جزءاً أصيلاً من "أخلاقيات وتقاليد شرقية".

وهذا ما فعله الأردني رائد محمد (47 عاماً)، فقد اضطر هو الآخر إلى "تفضيل شرقيته"، وقام بتهريب بناته بصورة غير قانونية والعودة بهم إلى الأردن، خوفاً عليهم، بعد خلاف مع أمهم روسية الجنسية.

يحكي رائد عن تجربته التي يصفها بـ"المريرة" لرصيف22: "تزوجت من سيدة روسية، وأنجبت منها طفلتين، ولدتا في عمان، وحين بلغتا سن الخامسة والسابعة، طلبت منى زوجتي السماح لها بزيارة أهلها في روسيا، فوافقت، وكان من المقرر أن تستمر الزيارة شهراً واحداً، وبعد انقضاء الشهر اتصلت بها كي أطمأن على أحوالهم، ومعرفة سبب تأخرهم في العودة إلى عمان، وإذ بزوجتي تخبرني أنها لا تريد العودة".

ويضيف بحسرة: "في البداية، اعتقدت أن الأمر مجرد مزحة، ولكني اكتشفت أنها قررت وبلا رجعة البقاء في روسيا بصحبة بناتي".

"لم يكن أمامي من خيار سوى ترك عملي في الأردن، اضطررت لبيع كل شيء لألتحق بعائلتي، خاصة أن لدي بنتين، وأنا رجل عربي لا يمكنني ترك بناتي يعشن وحدهن في بلد أجنبي"، على حد قوله.

"حينها بدأت أخطط للعودة إلى الأردن بصحبة بناتي حتى وإن كان بطريقة غير قانونية (تهريب)، عانيت الأمرين في طريق خروجي من روسيا، وكاد الأمر أن ينكشف في المطار، ولكن لحسن الحظ تمكنت من الخروج ببناتي من روسيا إلى الأردن"، يقول رائد.

"أعيش في خوف من الناس"

هناك من فضّل التمسك بشرقيته ومغادرة المجتمع الغربي، بينما هناك من فضل العمل بمبدأ "مسك العصا من الوسط"، إذ كان الحل البقاء في المجتمع الغربي مع المحافظة على ما يرونه "شرقياً وأخلاقياً".

يقول محمود نشوان (33 عاماً)، غزي، يتواجد حالياً في بلجيكا، ولديه طفلة تبلغ 8 سنوات: "نهتم بشرح كل شيء لها، والإجابة على أي تساؤل لديها، وبعد كل إجابة نوضح لها بأننا نختلف عن هذا المجتمع، فنحن من بيئة عربية محافظة".

ويقول نشوان عن نفسه إنه اختار أن يكون صديقاً لطفلته، حتى "لا تتصرف بتطرف"، على حسب تعبيره.

ويرى نشوان نفسه محظوظاً، فالمجتمع البلجيكي بحسبه هو مجتمع "منغلق ومحافظ نوعاً ما"، مقارنة بالمجتمعات الغربية الأخرى، كما أن هناك "سلطة من الأهل على الأولاد".

"ابنتي تعيش في "سن الجنون"، وأنا رجل شرقي، ولا أستطيع تحمل رؤيتها تصاحب شباناً، فلا ديننا ولا عاداتنا ولا تقاليدنا تسمح لي بذلك"

على عكس نشوان، يعيش الأربعيني خالد مراد، حالة شديدة من القلق في النرويج، حيث يجرد القانون الأب من "سلطته المألوفة" التي يتمتع بها على ابنته في موطنه الأم، الضفة الغربية في فلسطين، ويراقب تصرفات ابنته "المتحررة" بترقّب، يقول لرصيف22: "أموت خوفاً على بناتي من هذا المجتمع النرويجي، ولا أستطيع تماماً السيطرة على أبنائي، فقد يتوجهون للشرطة في حال احتدم الخلاف بيننا، لأن في المدرسة والروضة بل والحضانة يعلمون الأطفال أن الرقم 100 هو لمجرد أن أحداً قد أزعجهم".

في البداية يهاجر شباب عرب إلى الدول الغربية، لتحسين مستواهم الاقتصادي، واختبار الحرية الغائبة في بلادهم، إلا أنه ليس بالقليل منهم، عندما يتزوج، ويكون أسرة، يتملكه خوف من تلك الحرية، خاصة إذا كان أبا لابنة، تدخل في ربيع شبابها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image