شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"تشعرني بالسلام والروحانية"... سوريات يحلمن بارتداء التنورة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 13 يونيو 202004:34 م

تصل صرخات الموضة النسائية بأشكالها المختلفة إلى الأسواق في سوريا، بداية من سراويل الجينز الواسعة، إلى الضيقة والممزقة، إلا أنه نادراً ما تلامس أجساد النساء التنّورة، سواء الضيقة جداً، الفضفاضة، الواسعة، الكلوش وغيرها.

"وين رايحة"

ترى سارة برغوث (20 عاماً)، أن لجسدها كامرأة، علاقة أشبه بالروحانية مع التنورة، تقول لرصيف22: "التنورة تصدر هالة من الطاقة الإيجابية، تتحرك في مسار الفتاة الطاقي، وتمنحها شعوراً بالنشاط، طاقة الدوائر دائماً إيجابية، لكن رغم ذلك لا أرتدي التنورة، أعتمد على الجينز دائماً".

تغمض سارة عينيها، وتبتسم قائلة: "الشبان عندما يرون ساقي فتاة مكشوفتين، تتحرك بداخلهم مشاعر من نوع آخر، لذلك لا أرتدي التنورة، رغم الرغبة التي تراودني دائماً أن أسير بتنورة قصيرة دون أن تلاحقني نظرات المجتمع، إنني أتوق لممارسة حريتي الشخصية".

"أحس عندما أرتدي التنورة أنني امتلك طاقة حب للكون بأسره، عندما تتصالح المرأة مع جسدها تصبح قادرة على العطاء والاستمرار، جميعنا جئنا من أنثى، إنها الحقيقة التي لا يمكن تغييرها"

وبخلاف سارة التي تسكن في حيّ يصنّف ضمن الأحياء الراقية في مدينة اللاذقية، تتحدى رنيم صقور، مدرّسة لغة إنجليزية، نظرات أهالي الحي الشعبي الذي تقطنه، وتخرج بتنورة قصيرة كما تحب، رغم أن أذنها تسمع همسات شباب الحي: "أبصر وين رايحة؟".

تشرح رنيم، التي بلغت الـ33 عاماً من عمرها، مشاعرها وهي مرتدية التنورة في الشارع، لرصيف22: "أشعر خلال الدقائق الثلاث التي أمشي فيها من منزلي إلى باص العمل و أنا ألبس التنورة، بنظرات الجميع تلاحقني".

لا تهتم رنيم لكل هذه النظرات، بل تزيدها إصراراً على القيام بما يرضيها ويرضي جسدها، ومع كثرة المضايقات، باتت تصنفها إلى قسمين، الأول: "النظرة الغرائزية المترافقة مع كلمات مسيئة، فيقولون: لماذا الحلو كاشف عن ساقيه".

والقسم الثاني: "من يلقون بنظرات غرائزية متخفية تحت غطاء الدين والعيب والحرام، نظرة رافضة لكل امرأة تكشف ساقيها".

استمعت رنيم للعديد من النصائح، أصدقاء كثر بينهم نساء حاولوا ردعها عن ارتداء التنورة، تضع رنيم راحة يدها على وجهها، وتقول: "نصائح مثل: لماذا تكشفين جسدك للغرباء؟ سمعة المرأة أهم شيء في حياتها، جسدك ملك لزوجك فقط!".

لكن رنيم لم تصغ لكل هذه النصائح، تقول: "أرفض وصف المرأة بالحرمة أو العورة، بل أرى جسدي عندما أرتدي ما يعجبني، سواء تنورة أو فستان أو سروال جينز، ممدوداً إلى ما لا نهاية، ممتلئاً ومسكوناً بالطبيعة بأكملها".

"التنورة خطر"

في إحدى المقاهي الثقافية في مدينة اللاذقية، اعتادت هبة ملوك أن تجلس، تظهر علامات التاتو على يديها وأكتافها، تعمل في مجال الترجمة، ورسم التاتو، وتصف نمط حياتها بالعصري، ولكنها تخضع في زيها مثل أخريات لـ"قوانين المجتمع الصارمة"، على حد وصفها.

وعن علاقة هبة بالتنورة، تحكي لرصيف22: "أرتدي التنورة فقط إذا كنت سأستقل سيارة، وفي الحفلات والمناسبات، وفي المقاهي، أما أن أسير بها في الشارع، فأجده أمراً خطيراً جداً".

تقول هبة: "تعرضت للتحرش، والكلمات المسيئة، والنظرات التي تشعرني كأنني سارقة أو مجرمة عندما أرتدي تنورة، يصلني إحساس كأنهم يقولون: أي فتاة ترتدي تنورة هي مُتاحة لأي شاب، رخيصة تسلّم جسدها لمن يريد".

"تشعرني التنورة أنني أنثى، نعم أستطيع أن أحس بجسدي حراً، ومنساباً، وممتلئاً، أتحرك بحريتي، لا يلتصق الجينز بساقيّ، أحس عندما أرتديها أنني امتلك طاقة حب للكون بأسره، عندما تتصالح المرأة مع جسدها تصبح قادرة على العطاء والاستمرار، جميعنا جئنا من أنثى، إنها الحقيقة التي لا يمكن تغييرها"، تضيف رنيم.

تنّورة طويلة وداكنة

أما في دمشق فالوضع مختلف، فالعاصمة غالباً لا تتقبل فتاة ترتدي تنورة تسير فيها وسط الشارع، عدا بعض المناطق، بحسب آية العلي.

تقول آية: "في دمشق يصعب على الفتاة ارتداء تنورة أو فستان، فكرة أن تكشف المرأة عن ساقيها صعبة المنال، باستثناء بعض المناطق، كـباب شرقي في دمشق القديمة، وربما مشروع دمر، حيث نمط الحياة مختلف قليلاً".

آية التي تعمل كمضيفة طيران، تحب ارتداء التنورة بتشجيع من عائلتها، تقول: "والداي لم يكن لديهما أي مشكلة، تركوا لنا الحرية الكاملة فيما يخص حياتنا، إنها مساحتي الشخصية التي لا أسمح لاحد أن يخترقها، أرى أن الفصل بين جسد المرأة وشرفها مهمة شاقة، لا يمكن تحقيقها إلا عندما ننشئ جيلاً من النساء الأمهات اللواتي يدركن حريتهن، ليستطعن تعليم أولادهن احترام حرية الآخرين".

"الفصل بين جسد المرأة وشرفها مهمة شاقة".

وتختلف طبيعة المجتمع في حلب عن دمشق واللاذقية، المجتمع الحلبي لا يقبل التنورة القصيرة، لكن يترك مساحة للفتاة لارتداء التنورة الطويلة، مع المحافظة على اختيار الألوان الداكنة "التي لا تثير غرائز الذكور في الشارع"، بحسب ديانا عثمان.

تقول ديانا عثمان لرصيف22: "خلال الحرب، تغير الناس بشكل كبير في حلب، أصبحنا نرى طبقة غنية جداً، وفي المقابل طبقة فقيرة جداً، وأيضاً فئة منفتحة على الحياة وتتقبل الآخر مقابل فئة متزمتة ومتعصبة، بينما اختفت تماماً الفئة التي تقف على الخط الوسط".

ورغم ذلك، يظل ارتداء التنورة القصيرة غير مقبول، خاصة في وسائل النقل العامة، تشرح ديانا التي تعمل في قسم الموارد البشرية في منظمة التعاون الدولي الإيطالية الناشطة في حلب: "أتعرّض في حلب للتحرش يومياً في وسائط النقل العامة دون أن أرتدي تنورة، كيف إن خرجت بها؟".

تستذكر ديانا صورة لوالدتها مع صديقاتها في ثمانينيات القرن الماضي، مجموعة من الفتيات جمعتهم صورة بالأبيض والأسود، وجميعهن يرتدين التنورة القصيرة، "كانت موضة في زمن كان متسامحاً مع التنورة، إنها ثقافة مجتمع اختلفت مع مرور الزمن".

"الشبان عندما يرون ساقي فتاة مكشوفتين، تتحرك بداخلهم مشاعر من نوع آخر، لذلك لا أرتدي التنورة، رغم الرغبة التي تراودني دائماً أن أسير بتنورة قصيرة دون أن تلاحقني نظراتهم"

الناشطة الاجتماعية والصحافية نوارة رحمون، تحكي لرصيف22 قصة تحرش تعرضت لها في شارع السبيل في حلب: "أذكر مرة لبست تنورة وخرجت بها، تعرّضت للتحرش من شاب قال لي كلمات مسيئة، فذهبت إليه وسألته هل من الممكن أن تدلني على الطريق إنني تائهة؟ ما زلت أذكر ملامح الخوف التي ظهرت على وجهه".

وترى رحمون أن "الحل" لا يكون إلا بيد المرأة، تقول: "لابد للمرأة أن تثور على نفسها في البداية قبل ثورتها على المجتمع، أن تكسر حاجز الخوف وتقبل جسدها، هذا هو الحل من وجهة نظري".

وتضيف رحمون: "التنورة القصيرة مرفوضة في حلب، حتى من النساء بشكل عام، يجدن أن إظهار أجزاء من جسد النساء ينشر الفتنة في المجتمع، لكن هناك مناطق أصبحت أكثر تقبلاً بعض الشيء، كالشهباء، الموكامبو، الفرقان وشارع النيل".

"جسد المرأة فن متقن"

أما لمياء الزين، طالبة في كلية الفنون الجميلة في جامعة تشرين في مدينة اللاذقية، مشكلتها ليست فقط في رفض المجتمع للتنورة وإظهار ساقيها، إنما أيضاً بوزنها الزائد الذي ترى أنه يمنعها من اتخاذ خطوة كهذه.

تقول لمياء لرصيف22: "لدي كيلو غرامات زائدة ستظهر إن ارتديت تنورة لذلك أفضل الجينز عليها، وأيضاً لطبيعة عملي في المرسم الذي أقضي فيه أوقاتاً طويلة، أتحرك كثيراً وأقوم بنقل اللوحات، لذا الجينز يناسبني".

ورغم أنها لا تلبس تنورة، تتساءل لمياء: "لماذا عندما يخرج الشبان بالشورت ويكشفون عن أجزاء من جسدهم لا يحاسبهم المجتمع؟ يقولون إن صورة فتاة بتنورة قصيرة تشعل غرائزهم الجنسية، أليس لدى الفتاة أيضاً ذات الغرائز والشهوات؟".

ترى لمياء أن المرأة "ليست مجرد جسد، إنها مستضعفة في ظل مجتمع ذكوري يلاحق جسدها بسيف الشرف والعيب والحرام، وينتظر منها أي خطأ ليرمي بسيفه المسلط عليها".

وتنهي لمياء حديثها قائلة: "جسد المرأة فن متقن بكل تفاصيله، سواء لبست تنورة أو سروال جينز أو فستان، يجب علينا احترام جسدها وإعطاءه حريته التي من خلالها نستطيع أن نطور نظرة المجتمع، ليس فقط تجاه ارتداء التنورة، بل تجاه المرأة بكل تجلياتها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image