هل يمكن أن يكون المواطن العادي طرفاً فاعلاً في معادلة تغيير واقعه، بحيث يساهم في مواجهة الفقر وتضخم الأسعار، وفي الوقت نفسه يساهم في خفض معدلات التلوث وتقليل درجات الحرارة المرتفعة؟
كثيراً ما يُطرح مشروع "زراعة اﻷسطح المنزلية" كإجابة عن هذا السؤال. فهل "الزراعة المنزلية" حل واقعي لهذه المشكلات فعلاً أم أن هناك مبالغات؟
نماذج ناجحة
قد يتردد الكثيرون في بدء زراعتهم المنزلية ﻷنهم يعتقدون أن الموضوع معقد ويحتاج إلى جهد كبير. نستعرض هنا تجربتين للوقوف على اﻷمر بشكل عملي بعيداً عن التنظير. يقول المهندس زكريا راتب أنه بدأ زراعة سطح منزله منذ عامين تقريباً، بعد أن قرأ عن الفكرة على اﻹنترنت. ثم حصل على دورة في زراعة اﻷسطح المنزلية، اكتشف خلالها أهمية الزراعة المنزلية البيئية واﻻقتصادية والصحية، ثم قرر البدء في زراعة سطح منزله. ويضيف راتب أنه بدأ زراعته بشكل بسيط فاستخدم اﻷطباق والدلاء القديمة غير المستعملة، إذ كان يضع فيها التربة ويزرع خضروات كالجرجير والنعناع، ثم بعد ذلك حصل على دورة في الزراعة الهيدرونيك (الزراعة باستخدام المحاليل المغذية) وبدأ في التوسع وشراء أنابيب مياه وتطبيق ما تعلمه. وعن تكلفة المشروع يقول راتب أن المشروع مكلف في البداية لمن يريد أن يزرع مائياً مثله، بسبب الحاجة لشراء أنابيب المياه والتعلم، لكن على المدى المتوسط والطويل فإن هذه التكلفة تعد بسيطة مقارنة بالفوائد التي يحصل عليها. ويروي راتب بسرور كيف استطاع تحقيق اكتفاء ذاتي من الخضروات وبعض أنواع الفاكهة لمنزله، إذ يوفر كافة احتياجاته من الطماطم والخيار والنعناع والباذنجان والملوخية والريحان والخس والفلفل والفراولة وغيرها. وفي نفس الوقت استطاع تنظيف سطح منزله وجعله مكاناً قابل للجلوس فيه واﻻستمتاع بخضرته، خاصة في ظل كونه يعيش في منطقه حلوان التي تعاني من نسب تلوث مرتفعة بسبب كثرة المصانع بها.يتردد الكثيرون في بدء زراعتهم المنزلية ﻷنهم يعتقدون أن الموضوع معقد ويحتاج إلى جهد كبير، ولكن على العكس...نموذج آخر تحدثنا معه هو اﻷستاذ أحمد المليجي، الذي روى لنا أنه بدأ زراعة سطح منزله منذ فبراير الماضي، بعد أن سمع عن الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر في مصر، فقرر اﻻنضمام إليها. ويضيف المليجي أنه بدأ يستخدم اﻷطباق ودﻻء الطلاء القديمة المركونة فوق سطح منزله، ووفر السماد العضوي من بقايا الطعام وفضلات الطيور الموجوده في منزله، وكذلك البذور عن طريق استخراجها من النباتات المختلفة كالخيار والفلفل والطماطم. ويؤكد أن المشروع سهل وغير معقد وتكلفته تكاد تكون منعدمة ﻷنه اعتمد على أدوات موجودة في منزله سواء أكانت التربة أم السماد. ويقول المليجي إن سبب زراعته لسطح منزله هو توفير طعام طبيعي صحي بسعر زهيد ومواجهة جشع التجار، باﻹضافة إلى تحسين شكل سطح منزله. وبحسب المليجي، فإنه استطاع أن يوفر احتياجاته بشكل كبير من الجرجير والفلفل والطماطم والباذنجان والخيار، كما بدأ بزراعة عدة أشجار مثمرة مثل المانجة والرمان والجوافة والبرتقال، على أمل أن تطرح ثمارها في المستقبل. وأكّد الباحث في وزارة الزراعة محمد سعد على أن الموضوع ليس معقداً كما قد يبدو من خلال الحديث عنه.
كيف تبدأ زراعتك المنزلية؟
لكي تبدأ زراعتك المنزلية فأنت بحاجة إلى معلومات عن هذه الزراعة وأنواعها وتكلفتها، فمن يمكن أن يساعدك؟ تنظم وزارة الزراعة المصرية، ممثلة بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي، دورات تدريبية بشكل دوري عن زراعة اﻷسطح بكافة أنواعها، وتتميز هذه الدورة بالتطبيق العملي على سطح المعمل إلى جانب كون أسعارها رمزية، بحسب الباحث محمد سعد علي. ويضيف علي أن المعمل يرحب بأي مواطن يرغب في السؤال أو اﻻستفسار عن أي شيء يخص الزراعة المنزلية، وأن المعمل يصدر نشرات خاصة باﻹرشاد الزراعي، يحصل عليها مَن يرغب من المواطنين، باﻹضافة إلى أن موقع المعمل على شبكة اﻹنترنت يخصص مساحة كبيرة للحديث عن الزراعة المنزلية وأنواعها. وتوفر الوزارة شتلات النباتات بأسعار زهيدة للمواطنين، وكذلك المحلول الذي يغذي النباتات (في نظام الزراعة المائي)، فأسعار الشتلات تترواح بين 25 قرشاً و125 قرشاً للشتلة الواحدة، ولتر المحلول يباع بست جنيهات، ويذاب في 100 لتر مياه. كما يوفر معمل المناخ "دودة اﻷرض"، التي يمكن استخدامها في تحليل المخلفات العضوية من أجل استخدامها كسماد يفيد المزروعات. وباﻹضافة إلى وزارة الزراعة، يوجد العديد من الجمعيات اﻷهلية التي تساعد الراغبين في بدء زراعتهم المنزلية مجاناً، مثل الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر في مصر، الذي يقول منسقها العام أحمد حنفي، أنهم يعملون على توفير المعلومات عن الزراعة المنزلية للمواطنين عبر تقديم مواد مكتوبة ومرئية عبر اﻹنترنت. كما تساعد أيضاً جمعية عين البيئة التعاونية من يرغب في زراعة سطح منزله عبر تنظيم دورات تدريبية مخصصة لذلك. وهناك أيضاً مؤسسة شادوف التي تقوم بمساعدة اﻷسر الفقيرة على بدء زراعتها المنزلية، عبر تقديم قروض ميسرة لبناء مزارع أسطح صغيرة، حيث يذهب جزء من مبيعات المحصول الشهري لتسديد القرض الذي يمكن للمزارعين دفعه خلال عام واحد.الجدوى اﻻقتصادية بين المبالغة والحقيقة
يشكك أستاذ اﻻقتصاد الزراعي محمود منصور في الجدوى اﻻقتصادية للزراعة المنزلية، ويرى أنها لن تكون ذات جدوى اقتصادية كبيرة في مصر، ويطرح منصور هذا التساؤل: إذا كان أكثر من 90% من مساحة مصر عبارة عن صحراء، فلماذا ﻻ يتم توجيه الطاقات ﻻستصلاح هذه المناطق بدلاً من زراعة أسطح وشرفات المنازل؟ ويرد أستاذ الزراعات العضوية والبيئة في جامعة اﻷزهر خالد غنيم، على كلام الدكتور منصور بالقول أنه من الناحية الاقتصادية يمكن لزراعة الأسطح تحقيق الأمن الغذائي للأسرة، ويمكن لكثير من الأسر تأمين احتياجاتها من الخضروات الطازجة وبعض الأعشاب الطبية والعطرية والفاكهة من خلال زراعة بعض الأمتار على اﻷسطح أو الشرفات. ويضيف غنيم أن الزراعة المنزلية بإمكانها أن توفر مصدراً للدخل وخاصة للأسر الفقيرة؛ إذ يمكن إنشاء مزارع للأسطح تعتمد على تقنيات الزراعة بدون تربة، ويمكن إنشاء صوبات صغيرة فوق الأسطح تزرع بالخضروات مثل الطماطم والخيار والفلفل والفراولة وغيرها وفق هذه الطريقة. ويستدل الدكتور غنيم على كلامه بنجاح بعض الدول في استخدام تقنيات زراعة الأسطح والزراعة المنزلية في حل مشكلات اقتصادية واجتماعية للفقراء والمشردين، كما حدث في العديد من دول أميركا اللاتينية. فدولة كوبا، مثلاً، كانت تواجه في بداية التسعينات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي مشاكل في استيراد غذائها، بسبب اعتمادها السابق بشكل كبير علي الاتحاد السوفيتي، مما دفعها إلى التفكير في زراعة الأماكن الفارغة بالمدن والأسطح وغيرها، وفي خلال 3 سنوات نجحت في تأمين ما يقرب من 40% من احتياجاتها من الخضروات الطازجة، وحالياً تخطت النسبة 70%. ويرى الباحث محمد سعد علي أن اﻷسرة التي تقوم بالزراعة المنزلية يمكنها أن تحقق اكتفاءاً من الخضروات والفاكهة واﻷعشاب اﻷساسية. وأنه كلما زاد عدد اﻷسر التي تمارس هذا النوع من الزراعة، فإن الجدوى اﻻقتصادية ستكون أكبر، وسيمكن مواجهة ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة في اﻷسواق وإجبار التجار على تخفيضها. وبحسب علي فإن الجدوى اﻻقتصادية تتجاوز المفهوم المباشر من تقليل النفقات وتحقيق اﻻكتفاء الذاتي وعدم الخضوع ﻻستغلال التجار، إذ هناك جانب اقتصادي آخر غير مباشر؛ فأكل طعام تم زراعته منزلياً دون استخدام كيماويات هو توفير لنفقات كان من الممكن إنفاقها في المستشفيات أو شراء اﻷدوية. واستغلال المخلفات العضوية الموجودة في المنزل، هو توفير لنفقات نقلها. واستخدام المياه المستعملة هو إعادة تدوير لها. وتقليل نسبة التلوث في الهواء هو تقليل لخطر اﻹصابة باﻷمراض وبالتالي توفير لنفقات كان من الممكن إنفاقها في المستشفيات. أما عن جدوى اتخاذ الزراعة المنزلية كمشروع تجاري يهدف إلى الربح، فيقول المهندس شريف حسني، مدير مؤسسة شادوف، التي تقوم بمنح قروض ميسرة للأسر الفقيرة لمساعدتها على زراعة أسطح وشرفات منازلها، أن الزراعة المنزلية يمكن أن توفر دخلاً إضافياً من 200 إلى 300 جنيه مصري للأسرة الفقيرة وليس دخلاً أساسياً، ﻷن المساحات المزروعة تكون صغيرة جداً.فوائد بيئية متنوعة
يقول الأستاذ خالد غنيم أن زراعة اﻷسطح تعمل على تحسين نوعية الهواء داخل المدن، عبر قيام النباتات بامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو للقيام بعملية التمثيل الضوئي وإطلاقها الأكسجين، وأن زراعة 1.5 متر مربع من المسطح الأخضر تمد الفرد باحتياجاته من الأكسجين لمدة عام كامل. كما تشير الدراسات الحديثة أن كل متر مربع واحد مزروع يمكنه إزالة نحو 100 غرام من الغازات الملوثة للهواء في العام. ويضيف غنيم أنه يمكن لزراعة الأسطح أن تستهلك كميات كبيرة من المخلفات العضوية الناتجة من المنازل مثل مخلفات المطابخ، وذلك عبر تحويلها إلى سماد عضوي يُستخدم في تغذية النباتات المزروعة، وبالتالي يمكن ان تحد من انتشار تلك المخلفات بالبيئة وما ينتج عنها من آثار ضارة علي البيئة وصحة الناس. ويمكن، أيضاً، عبر تقنيات بسيطة للغاية تدوير مياه المطابخ- المياه الرمادية- وإعادة استخدامها في ري زراعات الأسطح، حيث كشفت دراسات لمنظمة الصحة العالمية أن هذه المياه سليمة من الناحية الصحية ويمكن أن تُتخدم لري الخضروات بأمان. ومن جهة أخرى فالأسطح المزروعة بالنباتات تعمل كحاجز طبيعي لأشعة الشمس التي تسقط على المنازل مما يخفض درجات الحرارة داخل المنازل وبالتالي تقل الحاجة إلى استعمال التكييفات، مما يوفر كميات كبيرة من الطاقة. ويؤكد على هذه الفوائد الباحث محمد سعد علي، ويضيف أنه في حال انتشار زراعات اﻷسطح فستقل درجة حرارة المدن بشكل عام خلال فترة زمنية قصيرة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين