"كنّا في بلجيكا، في رحلة سياحية أنا وأمي. بعد يومين، في 8 تشرين الأول/أكتوبر اتجهنا إلى باريس لأن رحلتنا تضمّ ثلاث دول. في ذلك اليوم، ذهبنا إلى ماكدونالدز في شارع الشانزلزيه. وبعدها فقدت أمي. أمي تعاني انفصاماً في الشخصية.
لم تكن توافق أن يمسك أحد بيدها. ولا أن ينظر أحد إليها. ولم تكن تقبل مساعدة أحد. حالتها النفسية كانت خاصة. تركتها تمشي في الشارع وحدها لئلا تشعر بما يُقيّدها. وكانت عيناي تراقبانها. تحدثت إليّ إحدى المشاركات في الرحلة، وعندما التفتُّ لأُراقب أمي مجدداً، لم أجدها.
أطلقتُ حملة جمع تبرعات للبحث عن أمي من خلال محقق متخصص في البحث عن المفقودين (تابع لجهة معنيّة بالاستشارات الجنائية)، طلب 10 آلاف يورو، 40 ألف شيكل (نحو 12 ألف دولار أمريكي). وكان هذا اقتراحاً من شاب يُدعى محمد الشمالي، قرر مساعدتي. أثق به كثيراً. لم أكن أعرفه قبل الحادثة. هو وآخرون نصحوني بالاستعانة بمحقق.
لم يُبلّغ أحد عن العثور على أمّي في باريس. هناك جاليات عربية تقيم في باريس من دون أوراق قانونية. قد تكون رفقة أحدهم ولكن هناك خشية من التبليغ، خوفاً من التواصل مع الشرطة.
تعرضت للوم من الكثير من الناس. تعرضت للوم من أخي وأهلي ومن كل الناس. حمّلوني لوماً صعُب عليّ! لا يمكن أن أتقصد فقدان أمي أو أفكر في أذيتها. هذا ما كتبه الله. شعبنا العربي لم يتقِ الله بيّ. نسي ما يعنيه 'القدر'.
أنا طفلة أحتاج لأمي في جميع مناسباتي وحالاتي.
لم أفقد الأمل. تركت باريس ليس بسبب فقداني الأمل. اضطررت إلى المغادرة لئلا أُرحّل ويمنعونني من زيارة البلد مجدداً. أردت العودة ثم طلب تأشيرة دخول (فيزا) من جديد للبحث عن أمي. 'تمرمطت' هناك. وقعدت في الشوارع ثلاثة أيام.
عقب العودة، رأيت حقيقة الكثير من الأشخاص حولي. رأيت أشياء لا أريد الإفصاح عنها.
لم أستطع التقدم للحصول على تأشيرة دخول ولا السفر بسبب حالتي المادية. رحلتنا كانت مقدمة من خالتي هدية لأمي. لم أكن أريد السفر.
أتمنى أن أُفهم. لا أود تلقي أي تجريح".
هذا ما قالته الشابة الفلسطينية ياسمين قعدان (29 عاماً) في شهادتها لرصيف22 راويةً فقدانها والدتها لطفية زباد (52 عاماً) وحاجتها لمن يُساعدها وسط ضغوط "من القريب والبعيد"، وفق قولها، واللوم المستمر بسبب عودتها من دون والدتها.
اختفت آثار الأمّ في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2019، مولدةً جرحاً في قلب ياسمين التي تحوّل حسابها على فيسبوك إلى نداءات متواصلة بحثاً عن والدتها ولو من بعيد، علماً أن الأم لا تملك مالاً كافياً ولا هاتفاً ولا تعرف سوى العربية، ولا يزال الغموض يلفّ الحادثة.
"لا يمكن أن أتقصد فقدان أمي أو أفكر في أذيتها"... شابة فلسطينية تتحدث عن حادثة اختفاء والدتها التي تعاني انفصاماً في الشخصية في باريس
لم تسمع ياسمين عن والدتها سوى أنها أُدخلت إلى مستشفى بعد تعرضها لنزف في رأسها، ثم غادرت. ظنّ الأطباء أنها سيدة مشرّدة (Homeless) ولم تكشف الأم لهم عن أي تفصيل يتعلق بها.
لدى ياسمين شقيقان، الأكبر عمره 28 عاماً، والأصغر يبلغ من العمر السادسة عشرة. الاثنان يساعدانها في البحث عن والدتها. أما والدها فهو مريض بالسرطان، وفق قول ياسمين التي تعيش في الباقة الغربية في الداخل الفلسطيني المحتلّ.
"هناك تقصير في البحث"
تقول ياسمين لرصيف22 إنه لم يساعدها أحد من وزارة الخارجية الإسرائيلية، ربما لأن والدتها عربية، لافتةً إلى أن القنصل الإسرائيلي في باريس على تواصل معها للبحث عن والدتها.
وكان قد التقى نواب عن القائمة المشتركة هم هبة يزبك، وأحمد طيبي، ويوسف جبارين، ووليد طه، وعفيف زباد شقيق المفقودة في وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس المدير العام لوزارة الخارجية وعدداً من المسؤولين في الوزارة في كانون الأول/ديسمبر الماضي للاتفاق على "استمرار التعاون بين عائلة المفقودة والمسؤولين في وزارة الخارجية ونواب القائمة المشتركة إلى أن تعود لطفية الزباد".
وأشارت ياسمين إلى أن القنصل الإسرائيلي في باريس يعلم برغبة العائلة في الاستعانة بمحقق.
"لم تكن توافق أن يمسك أحد بيدها. ولا أن ينظر أحد إليها. ولم تكن تقبل مساعدة أحد. حالتها النفسية كانت خاصة. تركتها تمشي في الشارع وحدها لئلا تشعر بما يُقيّدها"... شابة فلسطينية تروي حادثة اختفاء والدتها في باريس في ظل تقصير السلطتين الإسرائيلية والفرنسية
في سياق متصل، قال رئيس اللجنة الشعبية في الباقة الغربية الشيخ خيري إسكندر إن الصحف العبرية لم تتحدث عن فقدان زباد سوى بعد شهرين من الحادثة، لافتاً إلى أن هناك تقصيراً واضحاً، وأن المفقودة لو كانت يهودية لاختلف الأمر.
ورأى أفراد من عائلة المفقودة أن هناك إهمالاً من السلطتين الإسرائيلية والفرنسية.
وقالت النائبة عن القائمة المشتركة هبة يزبك، التي تتابع القضية عن كثب، لقناة مساواة: "يُفقد في باريس ما يُقارب أربعة آلاف شخص سنوياً، ولا تبحث السلطات الفرنسية عنهم من منطلق أن هناك سياسات متبعة في فرنسا، لأنها تحترم رغبة الأشخاص في أن يكونوا مفقودين".
وبسبب هذه السياسة، "على وزارة الخارجية الإسرائيلية أن تبذل جهداً أكبر، ولا تعتمد على السلطات الفرنسية التي تقبل وجود المفقودين والمشردين"، بحسب يزبك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...