في حملة رئيس الولايات المتحدة الحالي، دونالد ترمب، سادت شائعة عن وجود شريط فيديو عرف بـ"شريط البول" Pee Tape، قيل بأنه بين يدي الاستخبارات الروسية وبأنه سبب من أسباب انصياع ترمب لسياسات الكرملين. فكان البول في محور حملة انتخابية سياسية شغلت العالم بأكمله! ولكن البول له تواريخ مثيرة أبعد من ذلك، من الطهارة إلى الفنّ والعباد، هنا نطل عليها.
البَوْل... إكسير البارود الخفي
لقد رأت العرب في بيت الأخطل: "قومٌ إذا استنبحَ الأضيافُ كلبهُمُ/ قالوا لأمّهِمِ بُولي على النّارِ"، من أهجى ما قيل، لكن الأمر لا يتوقّف عند هذا، إذ جاء في كتاب "الغيث المسجم في شرح لامية العرب"، شرحاً أقرب إلى التحليل الجنائي، يعدد عيوب من هجاهم الأخطل: إذ إنهم قليلو العدد، نارهم قليلة لفقرهم وتطفأ ببول امرأة. أمّهم من تخدمهم، وقد تركوها تبيت عند النار، لأنّهم قالوا لها "بولي"، ولم يقولوا لها "قومي إلى النار"، وغير ذلك الكثير من العيوب تضمّنها البيت.
إذن البول معطى اجتماعي ثقافي، استطاع الشاعر عن طريقه أن يحلّل البنية الاجتماعية للقوم الذين هجاهم، ولا يختلف العلماء الذين يبحثون في أصل الإنسان وتطوره، في استخدامهم للبول لمعرفة متى قام الإنسان بتدجين الحيوانات. ذكر موقع RT الروسي، بأنّ دراسة جديدة أجريت على بول يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، تم من خلالها تحديد الفترة التي انتقل بها الإنسان من الصيد إلى تربية المواشي، وذلك قبل 10 آلاف عام، بعد دراسة عينات من الصوديوم والكلور في موقع شتال حيوك في تركيا يعود إلى 8000 عام قبل الميلاد.
لورنزو لوريتو - فينوس وكيوبيد - 1520
عجلات البول
يعتبر تحليل البول طريقة ناجعة لمعرفة صحّة الإنسان من مرضه، وتعتبر كثرة التبوّل دليلاً حاسماً على الإصابة بمرض السكري/ Diabetes، الذي وضع مصطلحه الطبيب الإغريقي أبولونيوس، ويعني: "الذي يمرر"، أي الحاجة إلى طرح البول بشكل مستمر. ويرى أبقراط أنّ البول بألوانه قادر على كشف الحالة الصحية للشخص، وفي القرن السابع ميلادي، وضع الطبيب البيزنطي ثيوفيلوس كتاباً، حدّد من خلاله عدداً من الأمراض التي يمكن كشفها عن طريق النظر إلى البول، وجاء بعده الطبيب إسحاق بن سليمان، الذي وضع مخططاً انسيابيّاً للبول، أظهر به أكثر من عشرين لوناً تساعد الطبيب على كشف الإعتلال الصحي الذي يعاني منه المريض، لقي هذا المخطط الكثير من النجاح في القرون الوسطى وسمّي: عجلات البول.
إنّ مفهوم الطهارة، الذي نصّت عليه الأديان، يتشاكل مع البول وكيفية تصريفه، ويحكي التراث العربي عن رجل اختفى لأنّه بال واقفاً في العراء، حيث اختطفته الجان، فلقد كسر بفعلته الحدود بين عالم البشر وعالم الجان
لم يتوقّف الأمر عند النظر، فتذوّق البول طريقة ناجعة للكشف عن السكري، وقد فعلها الأطباء الهنود والإغريق، فنعرف أن أبقراط شجع ذلك، والفراعنة والعرب.
النافورة - دوشامب
الحدود ومبولة الفنان مارسيل دوشاب
تتميّز الكثير من الحيوانات اللاحمة بطريقة تحديد منطقة صيدها، وذلك يكون بالتبوّل على الأرض وجذوع الأشجار، ومن يخترق الحظر يلقى عقاباً شديداً، والبول بوصفه أول علامة حدودية وجدت، فلا ريب أنّ الإنسان قد تعلم أن خرق هذه الحدود له عواقب وخيمة، ففي الميثولوجيا الإغريقية هناك إله للحدود يُسمّى terme، هذا الإله في عامية الساحل السوري مواز لكلمة (ترم) أي حدّ الشيء ونهايته، وفي بلاد ما بين النهرين وضعت أحجار الطابو مع نقش لعنات عليها تحذر من يغيّر في الحدود.
إنّ مفهوم الطهارة، الذي نصّت عليه الأديان، يتشاكل مع البول وكيفية تصريفه، ويحكي التراث العربي عن رجل اختفى لأنّه بال واقفاً في العراء، حيث اختطفته الجان، فلقد كسر بفعلته الحدود بين عالم البشر وعالم الجان، ويعرض كتاب الفتاوي الهندية الإسلامية الكثير من القواعد الفقهية عن كيفية البول والطهارة منه.
ولقد ذكر هيردوت بأنّ المصريين كانوا يستدلّون على جنس الجنين من خلال بول الحامل، بعد أن تتبول على حبات من قمح وشعير، فإن نبت القمح، فالجنين ذكر، وإن نبت الشعير، فالجنين أنثى.
ذكر هيردوت بأنّ المصريين كانوا يستدلّون على جنس الجنين من خلال بول الحامل، بعد أن تتبول على حبات من قمح وشعير، فإن نبت القمح، فالجنين ذكر، وإن نبت الشعير، فالجنين أنثى، ولكن هيردوت كتب ما رآه واعتقده، فهل حقا اتبع المصريون ذلك؟
ابتدأنا الحديث عن البول ببيت للأخطل وقد اتبعه ببيت آخر، يؤكد فظاعة البخل لدى القوم الذين ذكرهم، فيقول: "فتُمْسِكُ البَوْلَ بُخْلاً أنْ تجودَ بهِ/ وما تبولُ لهم إلّا بمقدارِ"، إنّه البخل بأقصى صوره، ولدينا في العامية مثل يقول: "لا يشخ/ يبول على الإصبع المجروحة"، ومعنى المثل البخل الشديد. وللبول معان عديدة أخرى قد تؤدي إلى تغيير العقائد الدينية، فلقد ذكر ابن حجر في الإصابة، أنّ راشد السلمي أعلن إسلامه بعد أن بال الثعلب على صنم كان يتعبده، فقال: "أربّ يبول الثعلبان برأسه/ لقد ذل من بالت عليه الثعالب"، يأخذنا بيت السلمي إلى الحدود بين العوالم، فربّ لا يستطيع أن يحمي مكانه المقدس، ليس جديراً بالعبادة. إنّ البول الذي يهدم عقيدة، لهو قادر على هدم الأنماط الفنية، وهذا ما فعله مارسيل دوشامب، الذي ارتبط اسمه بالحركة الدادائية والسوريالية المعارضة للنزعة العقلية الكلاسيكية في أوروبا، فقد صمم مبولة واعتبرها عملاً فنيّاً، وقد نالت الكثير من الشهرة والنقاش عن الحدود التي يجوز أو لا يجوز للفن أن يتجاوزها.
تمتلئ الساحات الإيطالية بالنافورات، التي تتزيّن بأطفال صغار تتدفّق المياه من أعضائهم الصغيرة، دون خجل، دلالة على البراءة والطهارة، ولربما جاءت الفكرة من تصرفات الأمهات عندما يرغب طفلهن الذكر بالتبول، فيقلن له: طيّر حمامة، والحمامة كناية عن العضو الذكري.
تعود علاقة الحمامة بالماء إلى طوفان نوح، فبعد أن توقف المطر، أرسل حمامة، فأعلمته بانتهاء الطوفان. هكذا يصبح تطيير الحمامة دلالة على قضاء الحاجة للتبول. عندما كنّا صغاراً كنّا نتسابق من يقذف بوله إلى أبعد مسافة، فقد كان قضاء الحاجة يصنع صداقة، ولكن في الوقت نفسه يكون منع قضاء الحاجة، من أساليب التعذيب بحقّ المسجونين، فقد كان المستجوَب يُدفع لشرب كميات كبيرة من الماء أو البيرة، ومن ثمّ يربط رأس عضوه، ممّا يؤدي إلى آلام مبرحة بعد أن تمتلئ المثانة.
للبول معان عديدة أخرى قد تؤدي إلى تغيير العقائد الدينية، فلقد ذكر ابن حجر في الإصابة، أنّ راشد السلمي أعلن إسلامه بعد أن بال الثعلب على صنم كان يتعبده، فقال: "أربّ يبول الثعلبان برأسه/ لقد ذل من بالت عليه الثعالب"، يأخذنا بيت السلمي إلى الحدود بين العوالم، فربّ لا يستطيع أن يحمي مكانه المقدس، ليس جديراً بالعبادة
لم يفت سيغموند فرويد تحليل وضعية التبول بين الرجال والنساء وما يترتب عليه من تراتبية اجتماعية، كذلك فعل الغركوشي في كتابه المنسوب لابن سيرين عندما فسّر معاني عديدة لأحلام البول: "أنّه إذا رأى الشخص في منامه، أنّه يقوم بالتبول بالملابس الخاصة به، وقد انتشر البول في كل مكان، دلّ هذا على أنّ الشخص الرائي يمتلك ثروة طائلة، ولكنه يقوم بصرفها في أشياء كثيرة غير مجدية"، ويضع النابلسي العديد من التفاسير للبول في المنام أيضاً.
يتميّز الرجال بأريحية في قضاء حاجة التبول عن النساء، وكثيراً ما نرى ذكوراً يقضون حاجتهم على الطرقات وفي الزوايا، حتى انتشرت عبارة "ممنوع التبول هنا"، تتبعها شتيمة مقذعة بحق من يتبول في إحدى زوايا المدن. النساء لا يملكن هذه الميزة، إلّا أن الحضارة الآن قد زودتهن بآلة تمكنهن من التبول وقوفاً، وبذلك كسرت إحدى الحدود الخاصة بين الرجال والنساء، ولكي نختم هذه الفقرة بطريقة محببة، لا بدّ من الحبّ.
حين انتشرت عبارة "ممنوع التبول هنا" كانت موجهة للرجال...
في الوقت نفسه، الذي يفصل البول بين عالمين طاهر ومقدّس، بشري وجني، ذكر وأنثى، يقوم بالوصل أيضاً، فالحيوانات تنجذب لبعضها عن طريق رائحة البول، والإنسان كذلك، فالعرق الذي يفرزه جسد الإنسان، هو بول مخفف، يسهم في الانجذاب الجنسي إلى شريك معين.
فرانسوا باوتشر - امرأة تبول - 1760
البول والصناعة
خصيصة الكائن البشري أنّه كائن صانع، يحوّر موجودات الطبيعة لصالحه، وفي كتاب "أسوأ المهن في التاريخ" يذكر مؤلفه توني روبنسون، العديد من الصناعات التي كانت تستخدم بول البشر، منها سكّ العملة، فقد كان العامل يقوم بتبريد قضيب الفضة بسكب البول البشري عليه، فالمعادن الموجودة في البول تبرّد الفضة بطريقة تجعلها مناسبة لطبع نقش العملة عليها.
أمّا المهنة الثانية، فكانت تحويل الأنسجة المصنوعة من صوف الغنم، إلى ناعمة ومتماسكة، وذلك في القرون الوسطى، وكان لا بدّ أن توضع في محلول قلوي، وأرخص محلول في ذلك الزمن كان البول، فكان الصانع يدور على البيوت والمزارع جامعاً البول القديم، حتى أنّ أحدهم قام بإنشاء مراحيض عامة من أجل الحصول على البول.
في الوقت نفسه، الذي يفصل البول بين عالمين طاهر ومقدّس، بشري وجني، ذكر وأنثى، يقوم بالوصل أيضاً، فالحيوانات تنجذب لبعضها عن طريق رائحة البول، والإنسان كذلك، فالعرق الذي يفرزه جسد الإنسان، هو بول مخفف، يسهم في الانجذاب الجنسي إلى شريك معين
لن نخترع البارود من جديد، إلّا أنّ البول البشري كان ضرورياً لإنتاج كميات كبيرة من البارود، فهو غني بنترات البوتاسيوم والصوديوم، وكان يسمح للمكلّفين بإنتاج البارود الدخول إلى البيوت، ونبش المراحيض بحثاً عن التربة المشبعة بالبول، ويعود اختراع البارود بالشكل الصناعي والاستخدام الحربي إلى العربي حسن الرماح، ففي كتابه، الذي يعود إلى القرن الثالث عشر، يذكر العديد من الطرق للحصول على البارود الجيد.
يذكر تيرنس ماكينا في كتابه "طعام الآلهة"، أنّ الهنود كانوا يستخدمون بول وروث البقر من أجل الحصول على نوع من الفطور، إذا تناولها الإنسان أصابته هلوسات غريبة، ومن هذه الهلوسات، أنّ بول البقر يستخدم وقوداً لمراكب الآلهة. وبعد ذلك لماذا نعجب ممن يرون أنّ في بول البعير والبقر، خصائص عجيبة، فالفايكنغ، كما يذكر توني روبنسون، استخدموا البول البشري من أجل تقديد لحم سمك القرش. ونختم حديث البول مع قول الأحنف بن قيس: "عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبّر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع