يؤمن القوميون الأتراك بخرافة الأعراق البشرية، ويعتبرون أن عرقهم هو الأسمى بين كل الأعراق. لا يترددون عن إبراز عقيدتهم هذه في كل موقف، معبّرين عن معاداتهم لباقي القوميات الموجودة في تركيا، كالأكراد والأرمن. وطموحهم الكبير هو توحيد كل المنتمين إلى العرق التركي في دول واحدة.
من رحم هذه الأفكار، تأسست في أواخر ستينيات القرن الماضي منظمة "الذئاب الرمادية" (Ülkü Ocakları)، كذراع مسلّح تابع لحزب الحركة القومية. أنشأوا أكثر من 100 معسكر في كافة أنحاء تركيا لتدريب عناصرهم على القتال في سبيل توحيد الأتراك.
كانت المنظمة عبارة عن فرقة موت حقيقية قتلت الآلاف من الأقلية الكردية، كذلك نقابيين وصحافيين وعمالاً وسياسيين، من اليساريين المخالفين لهم في توجهاتهم، منها مذبحة ميدان تقسيم التي استهدفت مشاركين في تظاهرة عمالية محسوبة على أحزاب اشتراكية وشيوعية، عام 1977.
وفقاً للسلطات التركية، نفّذت "الذئاب الرمادية" 694 جريمة، أسفرت عن مقتل ستة آلاف شخص بين عامي 1974 و1980، وهي الفترة التي شهدت عنفاً كبيراً ضد اليسار، واعتبر محللون أن المنظمة التي تأسست بدعم حكومي للوقوف في وجه المد اليساري ثم قويت إلى درجة الخروج عن السيطرة.
مشاركات "الذئاب الرمادية" في أعمال العنف والقتال لم تقتصر على الداخل التركي. تقريباً، نجدها حيثما وُجدت أقليات ذات أصول تركية تواجه أزمات حول العالم.
شاركت المنظمة في الصراع بين القبارصة الأتراك واليونانيين في قبرص، وفي الحرب بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ (1988-1994) إلى جانب أبناء الإقليم الأذريين، ودعمت الأويغور في إقليم شينجيانغ الصيني، وقاتلت في حربي الشيشان الأولى والثانية ضد الروس، وفي السنوات الأخيرة ظهرت تقارير تتحدث عن تنسيقها مع تتار شبه جزيرة القرم وتركمان سوريا.
اسم من أسطورة
استلهم مؤسسو المنظمة اسمها من أسطورة قديمة تحكي أن قبائل الأتراك حينما كانوا يعيشون في وسط آسيا تعرّضوا لهجوم عنيف أدى إلى إبادتهم جميعاً، إلا طفلاً هرب إلى الغابة، وتمكّن من العيش فيها بفضل ذئبة وجدته جريحاً، فاعتنت به حتى كبر واستطاع أن يحافظ على العرق التركي.
بحسب الأسطورة، أنجبت هذه الذئبة من هذا الولد 12 طفلاً، أنصاف بشر وأنصاف ذئاب، فساهمت في الحفاظ على العرق التركي.
وكونهم قوميين متشددين، يعتبرون أن عليهم أن يكونوا ذئاباً مثل ذئبة الأسطورة، للحفاظ على عرقهم، ومن هنا اختاروا تسمية منظمتهم بـ"الذئاب الرمادية".
أسس المنظمة ألب أرسلان توركيش، وهو عقيد سابق في الجيش التركي، كان أحد مدبّري انقلاب عام 1960، كجناح مسلح لحزب الحركة القومية اليميني المتطرف الذي يهدف إلى توحيد جميع الشعوب التركية في دولة واحدة.
في كتابه "جيوش الناتو السرية"، يكشف المؤرخ السويسري دانييل غانسر أن توركيش كان مقتنعاً بنظريات التفوق العرقي بشكل عام وتفوق الأتراك بشكل خاص، وهذه الأفكار ليست غريبة على شخص كان مسؤول الاتصال مع النازيين في تركيا، وكان دائماً يستشهد في خطابه القومي بجمل من كتاب "كفاحي" للزعيم النازي أدولف هتلر.
"من نحن؟ نحن أعضاء الذئاب الرمادية. ما هي أيديولوجيتنا؟ توحيد الذئاب الرمادية. ما هي عقيدتنا؟ أن تؤمن الذئاب الرمادية بأن العرق والأمة التركية متفوقة. ما هو مصدر هذا التفوق؟ الدم التركي. هل سيوحّد الذئاب الرمادية الأتراك؟ نعم! إنه الهدف المقدس"
برز نجم توركيش عام 1944، عندما اعتُقل، هو و30 آخرين، لمشاركتهم في تظاهرة مناهضة للشيوعية.
وبحسب غانسر، أجرى اتصالات مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1948، ويقول إنها كانت في ذلك الوقت قد بدأت في بناء جيش سري مناهض للشيوعية في تركيا.
راح توركيش يتنقل بين وطنه والولايات المتحدة، وأقام روابط مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووكالة المخابرات المركزية. وبين عامي 1955 و1958، خدم في واشنطن ضمن قوات حلف الناتو، قبل أن يعود إلى تركيا ويبدأ نفوذه في الجيش بالاشتداد، حتى شارك في الانقلاب على رئيس الوزراء عدنان مندريس وإعدامه.
وبحسب غانسر، حاول توركيش، مع مجموعة قليلة من الضباط، استثمار الانقلاب في تعزيز رؤيته التركية القومية، دافعاً باتجاه إقامة نظام استبدادي، لكن أغلبية العسكريين كانوا مقتنعين بوجوب تمرير دستور جديد وإجراء انتخابات لاستعادة القانون والنظام في البلاد.
ويروي غانسر أن العسكريين اتفقوا على إبعاد توركيش من المشهد بسبب معتقداته الراديكالية ليتم إرساله كملحق عسكري إلى السفارة التركية في نيودلهي في الهند.
على الرغم من سفره إلى الهند، لم يتخلَّ توركيش عن أفكاره القومية، لذا خطط عند عودته من نيودلهي في أيار/ مايو 1963 مع ضابط يدعى طلعت أديمير للإطاحة بالحكومة، لكن محاولته الانقلابية فشلت واعتُقلوا ثم أطلق سراحه "لعدم كفاية الأدلة".
عاد توركيش إلى السياسة عام 1965 عبر تأسيس حزب الحركة القومية التي يرأسها حالياً دولت باهتشلي، وأسس لها جناحاً عسكرياً باسم "منظمة الشباب"، وأطلق عليهم لقب "الذئاب الرمادية".
في تقرير نشره مركز "غلوبال سكيورتي" العسكري، عام 2016، أكد أن هذه الحركة كانت مخترقة من المخابرات الأمريكية، قائلاً: "ليس سراً أن وكالة المخابرات المركزية استخدمت المتعاونين والنازيين السابقين كأداة للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي".
أيديولوجية الذئاب الرمادية
يذكر غانسر مقالاً نشرته المجلة الرسمية لهذه المنظمة بعنوان "عقيدة الذئاب الرمادية"، يوضح أيديولوجيتهم واستراتيجيتهم.
جاء في المقال: "مَن نحن؟ نحن أعضاء الذئاب الرمادية (الأتراك). ما هي أيديولوجيتنا؟ توحيد الذئاب الرمادية. ما هي عقيدتنا؟ أن يؤمن الذئاب الرمادية بأن العرق والأمة التركية متفوقة. ما هو مصدر هذا التفوق؟ الدم التركي. هل سيوحّد الذئاب الرمادية الأتراك؟ نعم! إنه الهدف المقدس: أن تنمو الدولة التركية لتضم 65 مليون مواطن؟"، وكان عدد الأتراك في تركيا حينذاك نحو 35 مليوناً.
تحكي أسطورة أن الأتراك تعرّضوا لهجوم عنيف أدى إلى إبادتهم جميعاً إلا طفلاً هرب إلى الغابة، وتمكن من العيش فيها بفضل ذئبة وجدته جريحاً، فأعتنت به وأنجبت منه 12 طفلاً، أنصاف بشر وأنصاف ذئاب، محافظةً على بقائهم
وأشار المقال إلى أن الذئاب الرمادية عليها أن تحصل على حقها بنفسها، ولكي تحقق أهدافها على عناصرها أن يكونوا مدرَّبين خصيصاً على استخدام العنف.
وأضاف: "الحرب؟ نعم، الحرب إذا لزم الأمر، الحرب هي مبدأ عظيم ومقدس للطبيعة، نحن أبناء المحاربين".
ودعا المقال إلى ضرورة دعم عودة الإمبراطورية العثمانية كي يتوحد الأتراك الذين توزعوا في العديد من البلدان.
التحالف مع أردوغان
في تقرير "غلوبال سكيورتي" المذكور، لفت المركز إلى أن الذئاب الرمادية عملت خلال التسعينيات في تجارة المخدرات، مثلما فعلت باقي الحركات السياسية، كحزب العمال الكردستاني، ففي ذلك الوقت كانت يد المافيات طليقة في تجارة المواد المخدرة في تركيا.
وأشار التقرير إلى أن شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة كانت تقوم بحمايتها، مقابل القضاء على أعدائها السياسيين، ليس في تركيا فحسب ولكن في الخارج أيضاً.
في بدايات حكم حزب العدالة والتنمية، لم تكن علاقة الحزب الحاكم جيدة مع حزب الحركة القومية، فقد أراد أن يسوّي المسألة الكردية وخاض جولات تفاوضية مع الأحزاب الممثلة لهم، حققت في بعض الأحيان تقدّماً، وهو مسار كان القوميون المتشددون يعارضونه بطبيعة الحال. نقطة خلافية أخرى بين الطرفين تمثلت في سعي أردوغان للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما تعارضه الحركة القومية أيضاً.
ولكن مع تعثّر المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، ومع انسداد أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه الحكومة التركية، واتجاه السياسة الخارجية التركية أكثر نحو نسج صلات مع الأقليات ذات الأصول التركية، بدأت الظروف تتغيّر. وعندما وقعت محاولة انقلاب عام 2016، تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية ضد حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولن.
وأشار تقرير نشرته مجلة إيكونوميست البريطانية عام 2018، بعنوان "الرقص مع الذئاب... تحالف الرئيس مع أقصى اليمين يأتي ثماره"، إلى أن "القوميين خرجوا أقوى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في وقت واحد يوم 24 حزيران/ يونيو 2018. فازت مجموعتهم السياسية الرئيسية، بقيادة حزب الحركة القومية، بأكثر من 11% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، وهو ضعف ما توقعته معظم استطلاعات الرأي، وساعدوا أردوغان على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى".
في ذلك العام رفع أردوغان أيضاً شعار منظمة "الذئاب الرمادية" خلال مسيرة لأنصاره في مدينة مرسين.
نشاط المنظمة حديثاً
عام 2015، قامت الذئاب الرمادية بهجوم بالقنابل في بانكوك، ما أسفر عن مقتل 19 شخصاً وإصابة 123، احتجاجاً على قرار الحكومة التايلاندية بترحيل مجموعة من الأويغور إلى الصين، بدلاً من السماح لهم بالسفر إلى تركيا، حيث كانوا سيحصلون على اللجوء.
عن هذه الحادثة، لفت المحلل السياسي المقيم في بانكوك توني كارتالوتشي الانتباه إلى حقيقة أن الذئاب الرمادية عززت نشاطها في آسيا الوسطى، بما في ذلك الدول السوفياتية السابقة، وخاصة في منطقة شينجيانغ الأويغورية في الصين.
وافترض المحلل أن عناصرها قد يكونون وراء العديد من الهجمات التي نفّذها انفصاليو الأويغور في الصين.
وعلّق الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في روسيا، فيكتور نادين رايفسكي على هذه الحادثة بأن الذئاب الرمادية "لديها خطط كبيرة... وتكرّس نفسها لإنشاء دولة تركية تمتد إلى وسط آسيا في منطقة توران العظيمة، كما علّمهم الزعيم الإيديولوجي، ألب أرسلان توركيش".
ويذكر الباحث أنه "من الصعب تقدير عدد الذئاب الموجودة حالياً بالضبط، لكن قبل انقلاب عام 1980، كان هناك ما بين 200 إلى 400 ألف، وبعد ذلك، لم تعد هناك معلومات متاحة، لكن لديهم معسكرات تدريب خاصة بهم. إنها منظمة حديثة للغاية".
وتظهر المنظمة في مناطق تدخّل القوات التركية في المنطقة العربية. فعام 2016، رصد صحافيون أتراك انضمام الذائب الرمادية للقتال في شمال سوريا بحجة حماية الأقلية التركمانية من الأكراد السوريين والروس. وفي شباط/ فبراير الماضي، رفع جندي تركي علامة "الذئاب الرمادية" في مدينة الأتارب غرب مدينة حلب شمال غرب سوريا.
أما في ليبيا، فتدعم المنظمة التدخل التركي إلى جانب حكومة فايز السراج، بحجة أن لبعض أبناء مدينة مصراتة أصول تركية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع