لماذا نتزوج؟ لماذا نقرر الإتيان بشخص جديد إلى حياتنا؟ لماذا ننجب؟ هل هو الجنس فقط؟ إجابة غير منطقية، فالجنس لا يشترط كل تلك الوعود الأبدية بالبقاء، وفقط عندما تبادرت إلى ذهني تلك الأسئلة، تذكرت صديقاً مسيحياً كان يجيبني عن سؤال آخر، لكنه يصلح لإجابة أسئلتي هذه، السؤال الآخر كان: "لم خلقنا الله من وجهة نظر المسيحيين؟"، حينها قال لي: "أحَب أن نرافقه في المتع التي يستطيع أن يقدمها لنا".
قد يرفض البعض تلك الإجابة بسبب اختلاف العقيدة، ولكن إذا أردت أنا استخدامها للرد على أسئلة الزواج والإنجاب فربما تكون الإجابة المثلى.
والآن.. يبدو الأمر جميلاً إلى حد ما، أتزوج رفيقة تتلمس معي ما استطعنا من مُتع في حياة ليست بالسهلة، نحاول أن نعيش بسلام وأن نموت سعداء، يحاول كلانا إسعاد الآخر، وإن لم يستطع، فعلى الأقل لا يسرق منه لحظاته السعيدة التي يبحث عنها في أماكن أخرى.
والآن لنتحدث عن الفيلم الذي أردت لكل الرجال أن يشاهدوه، على الرغم من كونه يخاطب النساء أكثر، إرادتهن وحماسهن ورغباتهن، لكني ما زلت أرى فيه ما قد يهم الرجال ويعنيهم بلا شك.
الفيلم يحكي قصة حقيقية لسيدتين من الهند، اكتشفتا بالصدفة أنهما ماهرتان في لعبة الرماية، الإمساك بالمسدس ثم التصويب ناحية هدف محدد لم يكن بالشيء الصعب بالنسبة لهما، وهما اللتان تفعلان أكثر من هذا طوال اليوم: الزراعة، الطهي، التنظيف، تربية الأطفال والاهتمام بدراستهم، كل تلك الأهداف اليومية جعلت من "عين الثور"، كما يطلقون على النقطة الأهم في دائرة الهدف، شيئاً آخر اعتيادياً تستطيعان فعله بلا تعقيد.
هذا المقال عن فيلم أردت لكل الرجال أن يشاهدوه، على الرغم من كونه يخاطب النساء أكثر، إرادتهن وحماسهن ورغباتهن، لكني ما زلت أرى فيه ما قد يهم الرجال ويعنيهم بلا شك
التعقيد لم يكن في ميدان الرماية، لكنه صدر عن مجلس الرجال الذين يحكمون القرية، فلن يوافقوا أبداً على السماح للنساء بممارسة تلك اللعبة، أولاً لأنها لعبة وهذا يعني أن زوجاتهم سيجدن مكاناً آخر لتمضية الوقت غير المنزل، ثانياً لأنها لعبة رماية، والتحكم بالأسلحة هي موهبة الرجال الذين لن يرضوا منافسة النساء فيها، كيلا يشعروا بالخزي في حال الخسارة.
تتفق السيدتان على عدة حيل تمكنهما من ممارسة اللعبة التي جذبت انتباههما، وكذلك تدريب بناتهما لضمان الحصول على وظيفة مستقبلية لهن تعفيهن من عيش حياة مملة، مثل تلك الحياة التي وصفتها إحداهما بالأقرب للبهائم، العمل في الحقل وتوفير الطعام والنوم مبكراً، بلا أي متعة أو إرادة حرة في أي وقت.
تحصد الاثنتان النجاح تلو الآخر، وفي الطريق تقهران ضحكات الرجال عليهما والسخرية من تنورتيهما التي تمسكتا باللعب بها، ونعرف فيما بعد أن ملابسهما كانت جزءاً من دافعهما لصيد الأهداف، عندما تقول الأخت الكبرى أن أكثر ما يجعلها ماهرة في اللعبة هي الإهانة التي تعرضت لها طوال حياتها، ربما كانت تقصد إجبارها على تغطية كامل وجهها طوال اليوم، حتى أثناء مشاهدة الأفلام في سهرة جماعية لأهل القرية، إذ تقول سيدة منهما: "هنا كل سيدة تشاهد الفيلم بلون مختلف، لون وشاحها"، وعلى النقيض، يُسمح لهن بالكشف عن وجوههن أثناء العمل في الحقل، لأن إفساد المحصول سوف يؤثر على حياة الرجال، أما إفساد متعتهن فيجب عدم الالتفات إليها.
أثناء خوض المنافسات، تتعرف السيدتان على لاعبة ومسؤولة كبيرة في اتحاد الرماية، وتتعجبان من زوجها، فعندما شاهدتاه يسير خلفها حاملاً بعض معداتها مساعدة لها، تتهامسان بأنه لا يبدو كرجل حقيقي، وحينما وقف هذا الزوج يُلقي خطاباً عن مدى فخره بما حققته زوجته في اللعبة والإدارة على حد سواء، تهامست السيدتان مجدداً، بأنه على ما يبدو أن هناك رجالاً آخرين غير الذين عرفتاهما طوال حياتهما، نوع جديد يستطيع الفخر بحرية ويقدم زوجته دون الخوف من تقدمها عليه شخصياً، "هل تعتقدين بأن هناك في العالم رجالاً آخرين مثل هذا الرجل؟"، هكذا قالت إحداهما.
الموت... التحرر... البعث
ينقسم الفيلم لثلاث مراحل، الأولى هي الوضع الاعتيادي للقرية: نساء يفعلن بالضبط ما يطلبه الرجال منهن، ويستنفذن كل طاقتهن في رعاية المنزل إلى جانب أعمال الحقل، ورجال يعملون صباحاً، ثم يقضون بقية يومهم في الاستمتاع بالتسامر واللعب والتدخين والسهرات الطويلة، حياة متعبة مملة رتيبة للنساء، وكل المتعة كانت من نصيب الرجال فقط.
المرحلة الثانية تلخصت في محاولات السيدتين إشباع بعض رغباتهما باللعب في الخفاء، وهنا تجد ميزان المتعة تساوت كفّتاه تقريباً، الجميع سعيد، لكن سعادة النساء ينقصها البوح بإنجازاتهن، التي تتكرر بحصد العديد من ميداليات الفوز على مستوى الدولة.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة المواجهة، حينما تقرر جميع سيدات القرية ارتداء ميدالية أثناء خروجهن لتوزيع أكواب الشاي على رجالهن، وبالطبع لم يجدن في انتظارهن مثل فخر زوج مديرة اللعبة، بل تطور الأمر لإلقاء الميداليات أرضاً وحرق مركز تدريب الرماية داخل القرية، لأن صاحبه سمح للسيدات بالتدرب هناك، وتشتعل المواجهة حتى تستطيع السيدتان عقد صفقة مع زوجيهما: سوف تكفّان عن اللعب، ولكن سيُسمح لبناتهن بإكمال التدريب والمنافسة وتغيير حياتهن.. وهذا ما حدث.
أن تتزوج لكي تقدم ما تستطيع لزوجتك حتى تطعن في السن، متمتعة بما قضته من فترة معك، ليس فقط نجاحاً لها، بل ولك أيضاً، وأن تنجب لنفس السبب فهذا يجعل منك أباً جيداً، نجح في إسعاد بناته لا امتلاكهن
لماذا يجب أن يشاهد الرجال الفيلم؟
بالعودة إلى إجابة صديقي المسيحي، فقد وجد احترامه لإلهه عندما آمن بأن الرب رغب في مرافقتنا لا استعبادنا، أراد أن يجعلنا نستمتع بما يستطيع خلقه من أجلنا في الملكوت لا أن تقتصر المتعة عليه، وإن كنت ترى بأنه يجب ألا يهتم الرب بالبشر لهذه الدرجة، فعلى الأقل سوف تجد المنطق في اهتمام البشر بعضهم ببعض بتلك الصورة... أليس كذلك؟
أن تتزوج لكي تقدم ما تستطيع لزوجتك حتى تطعن في السن، متمتعة بما قضته من فترة معك، ليس فقط نجاحاً لها، بل ولك أيضاً، وأن تنجب لنفس السبب فهذا يجعل منك أباً جيداً، نجح في إسعاد بناته لا امتلاكهن.
أتعلم؟ إذا فعلت ذلك فسوف تصبح في مرتبة إله صديقي المسيحي حتى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين