شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مستقبلنا الديستوبي كما تخيلناه

مستقبلنا الديستوبي كما تخيلناه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 7 يونيو 202003:31 م

بعد أن نشأ أدب الخيال العلمي على تقدير العلم واعتباره وسيلة البشرية للتطور وتحسين شروط الحضارة الإنسانية، ما لبث أن تنبه المفكرون والأدباء إلى الاحتمالات الكارثية التي قد يقود إليها العلم إن لم يلتزم بالأسئلة الأخلاقية، وهكذا، بدأت الأعمال الفنية التي تستشرف المستقبل بطريقة تحذيرية، أطلق عليها لقب "أدب الاستشراف الكوابيسي أو الديستوبيات"، وتحت هذا العنوان يقدم كتاب "أدب الخيال العلمي، محمد وكوثر عياد"، و"الخيال العلمي في الأدب، محمد ياسين"، لعدد من الأعمال الأدبية الديستوبية.

كلمة dystopie متكونة من السابقة dys التي تعني في اللغة الإغريقية الجحيم، ومن topos، التي تعنى المكان، فهي تعني المكان الجحيمي السيء، وهو عكس الطوباوية، مكان السعادة والنعيم.

كلمة dystopie متكونة من السابقة dys التي تعني في اللغة الإغريقية الجحيم، ومن topos، التي تعنى المكان، فهي تعني المكان الجحيمي السيء، وهو عكس الطوباوية، مكان السعادة والنعيم المستحيل التحقق

الديستوبيات العلمية

في رواية "جول فيرن" الأولى باريس في القرن 20، 1863"

 يتخيل الكاتب باريس وقد حولها التقدم التقني والعلمي إلى مكان مرعب ولا إنساني، فقد تسبب التطور في تجريد الإنسان من قيم الجمال والفن في مجتمع طغت عليه المادة وحب الثروات، مجتمع لا مكان فيه للشعر أو الإبداع، يتعرض فيه الأدباء والمبدعون للتشرد والجوع. بطل الرواية شاعر يعيش أزمة اغتراب في ظل سيطرة الفكر الوضعي والرأسمالي على كل شيء، وجد نفسه، في سعيه المحموم للدفاع عن مبادئه، مطروداً من أكثر من عمل. يريد البطل "ميشال" أن يكون فناناً، ولكن ذلك أصبح مستحيلاً، يقول الكاتب: "أتريد أن تكون فناناً في عصر مات فيه الفن؟".

كذلك رواية "العالم كما سيكون، إيميل سوفيستر، 1849"، تنقلنا إلى المستقبل في القرن الثلاثين، حيث نلحظ كيف أدى التقدم العلمي لارتفاع أعداد المصانع التي اكتسحت الكوكب، لتتحول إلى أفواه مفتوحة لالتهام العمال. تتم برمجة العمال بيولوجياً لتحديد قدراتهم الجسدية حسب العمل الذي وقعت برمجتهم له مسبقاً، وهم مقسمون إلى عدة فصائل، كل فصيل تمّ اعطاؤه خصائص جسدية تتماشى مع طبيعة عمله، فالحدادون مثلاً تمت تنمية أذرعهم بشكل كبير، يشبه كاتب الرواية هذا التعامل مع البشر كما تدجين الحيوانات الأليفة لتحديد سلوكياتهم، وهذا ما يطبق على العنصر البشري.

في أشهر رواياته مثل: "آلة الزمن، 1895"، و"حرب العوالم، 1897"، يبين الكاتب "ه.ج. ويلز" التأثير السلبي للعلم على مسيرة الإنسان، فوجه إشارات تحذيرية باستشراف الوضع الذي سيؤول إليه الإنسان، لذلك وسع ويلز من اهتمامات أدب الخيال العلمي إلى الأسئلة السياسية والفلسفية، في رواية "الحرب في الهواء" استطاع استشراف الحرب العالمية الأولى، كما حدد في "صورة الأشياء المقبلة، 1933" تاريخ الحرب العالمية الثانية، بنسبة خطأ لا تتجاوز أشهراً قليلة.

تدور أحداث رواية "النيورومانسيه"، للروائي الجديد، ويليام غيبسون، 1984" في سنة 2050، حيث سيفقد فيها الإنسان إنسانيته تدريجياً، إذ من الممكن أن يزرع في جسده أعضاء آلية أو أجزاء من الكومبيوتر، فيصبح نصف آلة ونصف إنسان، وتموت فيه العواطف ويقضى على الإحساس بالحب، وهنا يستعمل العلم للتحكم بمصير الإنسان وتغيير خواصه.

في الأدب العربي تطالعنا رواية "السمندل"، سليمان الخليل، 2004" في هذا المجال، فهي تتمحور حول مسألة الاستنساخ والتلاعب بالهندسة الجينية لإنتاج صورة مشوهة لإنسان بطريقة صناعية، بالتعاون مع إبليس. في الرواية يحضر إبليس ليقترح على بروفيسور من الجن اسمه جبير، مشاركته لإنتاج كائن بشري، واضعاً كل خبرته التي دامت 400 عاماً بين يديه. في هذه الرواية يرفض الكاتب الاستنساخ، ويرفض أن تصنع الأعضاء البشرية حسب الطلب، ويقدم لنا صورة مقرفة لكائن حي هو الإنسان المصنع حسب الطلب، فيعلق في واجهات المحلات ليتنزع منه كل مريض العضو الذي يحتاجه. ويطرح الكاتب مسألة التفاوت الطبقي الذي يكرسه الاستنساخ، فالغني بإمكانه أن يغير أعضاءه التالفة، وبالتالي يمكنه بواسطة المال أن يطيل عمره، والفقير يصبح إنساناً من الدرجة الثانية، ويكون قصير العمر.

تطرح رواية "السمندل" مسألة التفاوت الطبقي في الاستنساخ، فالغني يغير أعضاءه التالفة ليطيل عمره، والفقير يصبح إنساناً من الدرجة الثانية ويكون قصير العمر.

الديستوبيات السياسية

وتعد رواية "1984لجورج أورويل، 1948" من أشهر الديستوبيات السياسية التي ظهرت في القرن العشرين، وفيها تخيل الكاتب مجتمعاً آلياً يقبع تحت رحمة الأخ الأكبر الذي يسيطر على الحزب الواحد، الذي يسيطر بدوره على مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالشرطة الفكرية للحزب تراقب وتعاقب على أية زلة فكرية تصدر عن الناس. يعمل بطل الرواية ونستون سميث في دائرة تابعة للحزب، مهمتها تزوير التاريخ وحرف الحقائق لمصلحة الأخ الأكبر، فتتحول خطاباته وكلماته إلى نصوص مقدسة، ويقص كل ما يخالف رؤية الحزب من أعمدة الصحف الوافدة من خارج البلاد، وتقلب هزائم الأخ الأكبر إلى انتصارات، وحين يحاول ونستون استعادة فكره ووعيه، تنتهي الرواية بإعادة تأهيل ونستون بطريقة وحشية، يخضع خلالها لغسيل أفكار، تكون نتيجته التخلص من حب صديقته والتعلق بحب الأخ الأكبر حتى النهاية.

رواية أخرى هامة تتحدث عن الأنظمة الشمولية وهي "فهرنهايت451، راد برادبوري، 1953". تصور هذه الرواية إحدى المدن بعد أن غيرت الحرب العالمية الثالثة ملامح البشرية. ففي هذه المدينة قوانين تحظر كل ما هو مكتوب، وتمنع تداول الكتب أو الأوراق أو أي شيء يؤدي إلى ثقافة حقيقية، لأن الكتب والقراءة مفسدة لعقول الناس وأخلاقهم، أما التلفاز فلا يبث إلا برامج التسلية الترفيهية والأغاني والمسابقات. تطارد السلطات رجال الفكر والقراء، وتسعى لتصفيتهم والنيل منهم بطرق متنوعة، ويقوم رجال المطافئ بدور السلطة التنفيذية في المطاردة والتعقب وإحراق الكتب. وقد تم اقتباس فيلم يحمل نفس العنوان عن الرواية.

انتقدت روايات الديستوبيا السياسية الأنظمة الشمولية التي تسيطر على مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والافتصادية وتمارس الرقابة والقمع على الحريات الفكرية.

في الأدب العربي، تدور أحداث رواية "عودة إلى غرناطة عبر ساحيتوروس، خالد اليعبودي، 2010"، عام 2406م في مدينة فاس المغربية، حيث تسوء الأوضاع ويتضجر البطل من الأحوال السائدة، ويتعجب البطل من عدم وعي الناس بما يجري حولهم من هيمنة الإمبريالية الاقتصادية الأمريكية، من سيطرة الآلة على الإنسان، التلوث البيئي المتزايد، الارتفاع المتزايد لدرجة حرارة الأرض والاتساع المتواصل في ثقب الأوزون. لقد همش الكتاب وأصبح أداة للزينة وسلعة للتباهي بها بين الأثرياء، فأغلب التجار "يقبلون على اقتناء الصحائف باعتبارها من لوزام البذخ والرخاء لتزيين حيطانهم، وتسود الشعوذة بينما يعزل العلماء. عبر تصوير هذا العالم الديستوبي، ينتقد الكاتب واقع الأنظمة السياسية والثقافية في العالم العربي.

الديستوبيا الدولية

رواية "قلوباليا"، جون كريستوف روفان، 2004 "، تصور لنا الغرب معزولاً كعالم مستقل مبني على أسس الديمقراطية والحرية، ينعم سكانه بالرخاء المادي والحرية، في حين أن العالم الخارجي يرزح تحت أنظمة استبدادية تعيش شعوبه فقراً مدقعاً وتخلفاً تقنياً. عالم قلوباليا هو عالم بلا إيديولوجيا، يسميها الكاتب الإيديولوجيا النقية أو السمحة. تقوم على أساس إلغاء ثقافة المجتمع، فلا يسمح للفرد إلا بالنذر اليسير من الثقافة البسيطة السطحية، ويتم إلغاء المكتبات وتحريم الاطلاع على التاريخ الذي وقع اختصاره وتقزيمه إلى وقائع فلكلورية بسيطة، كل شيء تم محوه من ذاكرة الشعب.

صورت الديستوبيا الدولية عالماً مقسماً إلى الدول الحاكمة والدول المحكومة، الدول المستَغِلة والدول المستَغَلة، وشعوباً متحللة بلا تاريخ ولا ثقافة ولا إيديولوجيا.

وفي هذه الرواية، يرسم قادة الشمال سكان الجنوب كجماعات إرهابية هدفها الوحيد تدمير الحلم الغربي، ولضرورة خلق العدو يصور قادة الشمال شعوب الدول الجنوبية على أنهم خطر إرهابي وعدو شيطاني تنصب عليه كراهية سكان "قلوباليا"، كراهية تؤجهها وسائل الإعلام التي تسعى بكل ما لها من نفوذ إلى تأكيد صفة الإرهاب على سكان الجنوب. ويكتشف القارئ من خلال الرواية أن من يسيمهم الشمال بالمجموعات الإرهابية، يحملون في الحقيقة اسم "المنبوذين" إذ لفظهم نظام سياسي واقتصادي عنصري، وهم يتعرضون باستمرار لقصف قوات جيش قلوباليا. فإن كان هؤلاء في نظر سكان قلوباليا إرهابيين، فهم على العكس من ذلك، يعتبرون أنفسهم ضحايا الغرب الذي يمارس عليهم أبشع أنواع الإرهاب، إذ هو يبيد شعوباً بأكملها.

تقارب الرؤية السياسية الدولية في رواية "قلوباليا"، ما يقدمه المؤلف "طالب عمران" في رواية "الأزمان المظلمة" حيث تشترك الروايتان بتقسيم دول العالم إلى الدول الحاكمة والدول المحكومة، الدول المستَغِلة والدول المستَغَلة. أما في رواية "ملاك الجحيم، 2004"، يتخيل المؤلف "ببير بورداج" أن أوروبا سيسودها التفكك والتحلل السياسي والاجتماعي، وللخروج من هذه الأزمات يتحالف الأعداء ذوي الإيديولوجيات السياسية المتناقضة، ويتحالف الجهاد واليمين المتطرف.

الإنسان المحكوم من الآلة

يجسد هذا النوع من الديستوبيات عدداً من الأعمال الأدبية، منها قصة "الوليد المرعب، لآرثر كلاك" والتي تجري أحداثها في عام 1977، ففي لحظة معينة من الإسبوع الأول في شهر ديسمبر من هذا العام، تنطلق أجراس الهواتف في وقت واحد، وفي جميع أنحاء العالم لتعلن بداية عصر جديد تسيطر فيه العقول الإلكترونية على مصير البشرية، لأن أعداد الخطوط الهاتفية الإلكترونية في العالم أضحى يساوي عدد الخطوط الشبكية العصبية في الدماغ البشري. ومع الكاتب الأميركي "إسحق أزيموف" بدأت قصص الروبوتات، تظهر بجلاء. لقد طرح ابتكار الروبوتات العديد من الأسئلة الأخلاقية، الفلسفية، والعاطفية على الكتاب.

وضع كاتب الخيال العملي إسحق أزيموف بيانات من ثلاث قواعد للتعامل مع الروبوتات: أ‌- لا ينبغي للإنسان الآلي أن يهدد بالخطر حياة الإنسان أو أن يعرضها للخطر جراء نشاطه. ب‌- على الإنسان الآلي أن يطيع أوامر الإنسان على ألا تتعارض هذه مع الشرط أ. ت‌- على الإنسان الآلي أن يدافع عن ذاته على ألا يتعارض ذلك مع الشرطين أ و ب.

حتى أن إسحق أزيموف وضع بيانات من ثلاث قواعد للتعامل مع الروبوتات:

أ‌- لا ينبغي للإنسان الآلي أن يهدد بالخطر حياة الإنسان أو أن يعرضها للخطر جراء نشاطه.

ب‌- على الإنسان الآلي أن يطيع أوامر الإنسان على ألا تتعارض هذه مع الشرط أ.

ت‌- على الإنسان الآلي أن يدافع عن ذاته على ألا يتعارض ذلك مع الشرطين أ و ب.

في قصته بعنوان "المنطق" يصنع رائدا فضاء روبروت يدعى "كيوتي". لايصدق كيوتي أن رائدي الفضاء صنعاه، لأن كيوتي يتعلق بالمنطق الذي برمج على أساسه، فهو لا يصدق بأنهما صانعاه لأنه أكثر إتقاناً منهما، فالناقص لا ينتج الكامل. وهنا وحسب منطقه، فإن من خلقه هو "السيد" فما من إله إلا السيد، ويتصرف كيوتي بوصفه نبياً مرسلاً إلى باقي الروبوتات التي تخضع لمنطقه الآلي، ويثور على إرادة رائدي الفضاء. وعن تمرد الآلة على الإنسان نجد في الأدب العربي رواية "الطوفان الأزرق، عبد السلام البقالي، 1967"، وفيها يتمرد العقل -الآلة "معاذ" على مبتكريه، ويؤدي أعمالاً عدائية تهدف إلى إفناء النوع البشري.

الديستوبيا الجنسية

أخيراً، نضيف في مجال الديستوبياتت، نوع الديستوبات الجنسية، ففي الإنتاج الدرامي الأخير لشركة (فتيات فتيات) قدمت سيناريو بعنوان "المرآة السوداء". يتخيل السيناريو أن الجنس سيكون مختلفاً في العوالم المستقبلية، ففي العام 2030، وبسبب رغبة الحكومات بزيادة الولادات، تفرض العقوبة على الممارسات الجنسية المثلية بالإعدام، أما في عام 2040 فسيخرج الجسد الإنساني من إطار تقديم الخدمات الجنسية لصالح الآلات من الذكاء الاصطناعي، وفي ظل هذا النظام سيصبح التواصل الجنسي بين جسدين إنسانيين في طور الانحراف عن القواعد والقوانين.

تتخيل الديستوبيات الجنسية قيوداً مفروضة على الرغبة والممارسة الجنسية في المستقبل من قبل الأنظمة السياسية أو سيطرة الآلات على الأجساد البشرية.

بعد التعرف على الأعمال الأدبية التي تحمل سمات أدب الإستشراف الكوابيسي، يمكننا أن نحصر محاور أساسية في مجال الرؤية المستقبلية الكارثية، وهي تنقسم بشكل أساسي إلى: الديستوبيات البيئية، ديستوبيات الشمولية السياسية وغياب حرية التعبير، الديستوبيات التي يُحكم فيها الإنسان من قبل كائنات أخرى أو من قبل الآلات، وأخيراً الديستوبيات الجنسية التي تتخيل القيود المفروضة على الرغبة والممارسة الجنسية في المستقبل من قبل الأنظمة السياسية أو سيطرة الآلات على الأجساد البشرية.

صورة المقال من المسلسل الروسي Better Than Us وموضوعه تواجد روبوتات تفوق البشر قوة وذكاء، ولكن أيضاً ولاء وعاطفة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image