شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أصالة… صوت يبحث عن فرح ملائم في زمن الغناء التكنولوجي

أصالة… صوت يبحث عن فرح ملائم في زمن الغناء التكنولوجي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 15 مايو 202003:44 م

لعلك لا تمسك شكلاً واحداً لغنائها إلا وتغلفه ترجيعات كترجيع الكروان، لكنها تظل صوتاً تائهاً يتأرجح بين تقليدية تربّت عليها، وبين بحث عن شكل جديد، أحياناً خانهاً ولم يكن أبداً يمس مضمون حنجرتها الكلاسيكية.

"أصالة" لها من اسمها نصيب، مطربة للزينة والحليات الاستعراضية التي تستطيع أن تصب كؤوساً من الزخارف على كل مقطع غنائي تؤديه، هي واحدة من أصوات مرحلة التسعينيات من القرن العشرين. ظهرت طفلةً وقد تربّع حميد الشاعري بأسلوب "التراكات" على عرش التلحين التكنولوجي، غناء الآلات وحناجر الإلكترونيات، لكنها نجحت كمطربة كلاسيكية، تعلمت أصول الغناء الشرقي والشرقي جداً، على يد والدها المطرب مصطفى نصري. ويوماً بعد يوم، يتأكد الجميع أنها "سرّ أبيها" الذي تعهّد برعاية موهبتها بعد أن وضع بذرته فيها، فتظهر الطفلة أصالة بصوتها فقط دون اسمها، وهي تغني شارة البدء لمسلسل كارتون "حكايات عالمية".

حين يرحل الراعي

لا تدوم الحياة هنيئة للصوت الطفل، إذ توفي عائل أسرتها، التي تكونت من أم وخمسة أبناء، في حادث سيارة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1984، ففقدت حصنها ومعلمها، لتتوقف الصغيرة عن الغناء لسنوات، قبل أن تعود من جديد في مرحلة مختلفة. فقد عرفت أنه لم يعد لها إلا صوتها، فقررت احتراف الغناء، ومن أجل هذا أتت إلى مصر في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، وتزوجت حينها من أيمن الذهبي، الذي أنتج لها في البداية، وظهر بطلاً لكليب "سامحتك"، وسعت إلى ختم الجودة في أسماء كانت متسيّدة للساحة في هذا الوقت بتاريخها الكبير، لنراها تتعاون مع كتاب الأغاني: محمد حمزة، عبد الوهاب محمد وعبد السلام أمين، والملحنين: محمد سلطان، سيد مكاوي، حلمي بكر ومحمد الموجي، والذين مثلوا لها امتداداً فنياً لأبيها، الذي ثبّت في ابنته مبدأ "سيادة الطرب" على كل شيء، حيث السلطنة هدف، لتشعر في أعمالها الأولى أنها تؤدي أدواراً كلاسيكية، وتتخيلها من زمن آخر غير الزمن الذي كانت سمته الرئيسية السرعة والأغاني ذات الإيقاع الزاعق.

نجحت كمطربة كلاسيكية، تعلمت أصول الغناء الشرقي والشرقي جداً، على يد والدها المطرب مصطفى نصري. ويوماً بعد يوم، يتأكد الجميع أنها "سرّ أبيها" الذي تعهّد برعاية موهبتها بعد أن وضع بذرته فيها، فتظهر الطفلة أصالة بصوتها فقط دون اسمها، وهي تغني شارة البدء لمسلسل كارتون "حكايات عالمية"

بين الشخصي والفني

17 مليوناً و800 ألف نتيجة ردَّ بها محرك البحث "جوجل" عندما سُئل عن "أصالة". امتلأت النتائج بأخبار كثيرة عن طلاقها وقتل ابنها لأحد المواطنين المصريين، والتصالح في القضية بعد دفعها مليون جنيه. نتائج أخرى عن فشلها في الحصول على الجنسية المصرية. مليون و80 ألف نتيجة عن "طلاق أصالة" ومن قبلها مليون و390 ألفاً عن "انفصالها" عن زوجها المخرج طارق العريان. ولا كثير في النتائج عن الغناء في حياتها، رغم كونه هويتها الأساسية، حياة شخصية تقود صاحبتها إلى حُفر تستهلكها كثيراً على حساب فنها وزمنها.


لم تكن أبداً صاحبة الألبوم الذي ينتظره الجمهور، فقد بقيت "ابنة مصطفى نصري التي تغني غناء أصيلاً لمجموعة محدودة من سمّيعة زمان"، لتظل تبحث عن نجاحات استثنائية تخلط فيها بين الطرب واللحن الذي يميل إلى التسارع لمواكبة الزمن، مع خلطة كلمات تبدو مهتمة بقضية الحب من جانب المرأة المقهورة أو الفتاة الحالمة، لكنها إذ ترتاح لأحد تسلمه موهبتها وأعمالها لتصحو بعد تجربة التسليم على كابوس. حدث هذا مع زوجها الأول، وأدى انفصالهما إلى اهتزاز مشروعها الفني وفقدانه بعض الوقت، ثم جاء الملحن حلمي بكر، فسلمته صوتها محققة معه نقلات كبيرة، منها قصيدة "اغضب" لابن موطنها، الشاعر السوري نزار قباني، لتنتهي مرحلة حلمي بكر كسابقتها، بخلافات شخصية أثرت على أغانيها، بدخولها معارك كلامية من النوع المُعطّل، لكنها مع التعثر كانت لا تزال تبحث عن ظل مصطفى نصري، الذي وجدته في الموسيقار الكبير كمال الطويل، حين زارته لتطلب منه لحناً، لكن "كمال"، الذي كان قد توقف عن النغم، اعتذر لها، لكنه كافأها بابنه الملحن زياد الطويل، كهدية قبول وترحيب بصوتها، فكانت مرحلة "قلبي بيرتاحلك"، خفيفة الإيقاع والتوزيع، ليتم تعديل مسار أصالة عن الكلاسيكية قليلاً، لتنافس كـ"مطربة سوق"، وهنا أصبحت مطلوبة.

لم تنضم أصالة إلى الملكوت الصاخب الذي يعوم على بحيرة من الكيبوردات وانفراد العازف بما لديه من نوتات مكتوبة ليسجلها وحده، معزولاً عن حلقة التناغم البشري التي كانت تجمع فرقاً موسيقية في بروفاتها وتدريباتها قبل خروج العمل الفني. لم تنضم إلى الفوضى التي سمّاها آخرون "ثورة وتطوراً تلحينياً وموسيقياً"، لذا كانت عمود خيمة قديمة نبتت في زمن ناطحات السحاب.

بدايتها تقول إنها مطربة أتت من زمن إلى زمن، وكان يُظن فيها ويُتنبأ لها بأن تستمر على نمط الأصيل مضموناً والحداثي شكلاً، ولكن منطق التجارة دائماً غلاب.

 الإعجاب بالذات

أصالة معجبة بصوتها، ورغم أن صوتها يستحق الإعجاب بالفعل بإمكانياته المذهلة، فإن هذا الإغراق في الإعجاب جعل صوتها يقود دفتها لا العكس، فراحت تنثر "العُرَب" والجوابات العالية في كل ما تؤديه من معانٍ، حتى زاد الأمر عن حده بشكل يجزع منه التذوق، حتى أنها وقعت أحياناً في فخ الصريخ الذي تفصله عن الغناء شعرة.

المساحات دائما أوسع من الصوت، والمدى أكبر من أن يحدَّه بصر.

بقيت أصالة مثل الجمهور تتابعه مرتدة إلى بحرها الصغير الذي خرجت عنه بدون حسابات دقيقة، لتكون النتيجة النهائية: مطربة رائعة تمتلك صوتاً مذهلاً لكنه يتمرد عليها، ومطربة أسيرة لنشأتها الطربية، تُغرق منتجها الفني في حياتها الشخصية "أكثر من اللازم"

وكان على أصالة أن تنتبه إلى استعمال ما تملكه فيما تقدر عليه، وألا تتطرق إلى الشطح بصوتها، المحدود مهما بلغ من إمكانيات، فيما لا يمكنها الإمساك بلجامه، وبدا هذا الفخ واضحاً حين أصرت مثلاً على الغناء من مقامات ودرجات لا تناسبها، ما تسبب في إحراجها، مثلما غنت على المسرح أغنية "ع اللي جرى" مع المطرب التونسي صابر الرباعي، أو "سألت نفسي كتير" مع أحمد سعد.

يبدو الفارق واضحاً في هذا التسجيل بين ما يؤديه كل من "صابر" و"أصالة" على مستوى الاستعراض الصوتي والطبقات، حتى بدت غيرتها منه في الدقيقة الحادية عشرة بحركة عفوية منها بأن لكزته في ذراعه، ثم أكمل هو وحده السباحة في أدائه الواسع، وبقيت هي مثل الجمهور تتابعه مرتدة إلى بحرها الصغير الذي خرجت عنه بدون حسابات دقيقة، لتكون النتيجة النهائية: مطربة رائعة تمتلك صوتاً مذهلاً لكنه يتمرد عليها، ومطربة أسيرة لنشأتها الطربية، تُغرق منتجها الفني في حياتها "الشخصية أكثر من اللازم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image