شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تنافس أميركي فرنسي على

تنافس أميركي فرنسي على "حرية المرأة المحجبة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 15 مايو 202001:03 م

"الفرنسيون فاسدون ويفتقرون للأخلاق"، "الفرنسيون مخنثون وجبناء"، و"فرنسا لا تحترم الحريات"، هذه بعض من وجهة نظر الأميركيين، أو أقله، وسائل الإعلام الكبرى الأميركية حول الفرنسيين، كما يوردها الصحفي بريان بالمر، في مقال له بعنوان "لماذا نكره الفرنسيين؟".

يورد بريان العديد من الأسباب الأخرى التاريخية والتي يرى أنها منطقية، إذ لا حاجة للمزيد من الحديث عن العداء الخفي، أو السخرية المستترة بغطاء التهذيب للحديث عن الصراع، أو لنسمه التنافس الفرنسي- الأميركي حول العديد من القضايا، لكن ما يحدث حالياً حول فيروس كورونا يعيد "المسلسل" إلى البداية، خصوصاً أن أحد "أوقح" النعوت يأتي على لسان ويلي، البستاني في السلسلة الأميركية الشهيرة "سيمبسون"، حيث يصف الفرنسيين بـ"القردة آكلي الجبنة".

هذه السخرية المتبادلة تعيد لنا السؤال مجدداً: ماذا نختار، الحرية أم الأمان؟

نشرت الواشنطن بوست مقالاً يوم الأحد 10 أيار/ مايو عن الإجراءات التي قامت بها الحكومة الفرنسية للحد من تفشي الفيروس في فرنسا، ومن ضمن هذه الإجراءات إلزام الناس بارتداء الأقنعة أو الكمامات، وهنا لب القضية التي يبدأ كاتب المقال، جيمس ماكولي، بالسخرية منها ومن هذا الإجراء بالذات، إذ إن الكمامة إلزامية في المدارس، وسائل النقل، البنوك، الإدارات الرسمية، المخازن الكبرى والصغرى، ولصاحب المخزن أو إدارته الحق بالمطالبة بخروج الزبون إن لم يكن يضع القناع، كما سيتم مراقبة ردهات ميترو باريس عبر الكاميرات المبرمجة بالذكاء الاصطناعي لضمان الامتثال العام لهذا القرار.

وللتأكيد على هذا الإجراء ظهر الرئيس الفرنسي، مرتدياً كمّامة بلون بحري، يسخر من لونها جيمس ومن تقاليد "الأناقة" الفرنسية التي تجعل رئيساً يزيّن كمامته بألوان العلم الفرنسي، الأحمر والأبيض والأزرق، كأنه يجمع "الحرية والمساواة والإخاء" الشعارات الثلاثة المشهورة للثورة الفرنسية، مع المطالبة بالخرس تماماً.

ليس الأمر بسهولة اختيار مطعم للغداء أو بار للقاء مسائي، لكن الأمر يمس بالجوهر فعلاً المفهومين معاً، هناك حرية فارغة تحت مسمّى الامتثال للنظام المالي السياسي، وهناك أمن مقروض طرفه من فئران السلفيين، والحرية تبدو بين الضرورة والمصالح العامة ليست أكثر من شعار زائف لمصير أشدّ زيفاً

لكن السخرية هنا تبدأ، إذ إن فرنسا واحدة من دول قليلة يمنع فيها منعاً باتاً ارتداء النقاب، ويمنع ارتداء الحجاب في المدارس، إذ حظرت الحكومة الفرنسية في العام 2004 الحجاب في المدارس تطبيقاً للحياد الديني والعلمانية، وفي عام 2010 حظرت النقاب والبرقع تماماً في الأمكنة العامة، بذريعة تهديد سلامة المواطنين، وقلّد عدد من الدول فرنسا في الإجراء نفسه، مثل بلجيكا، الدنمارك، السنغال وتشاد، فيسخر جيمس من الأمر قائلاً، في حديث منسوب لزميلة له في معهد العلوم السياسية في البروفنس، فاطمة خميلات: "إذا كنت مسلماً وأخفيت وجهك لأسباب دينية فأنت معرّض لغرامة، ولدورة إصلاح واندماج تعلّمك كيف تكون مواطناً فرنسياً صالحاً، لكن إذا لم تكن مسلماً فسيتمّ تشجيعك بل وإجبارك على ارتداء الغطاء لحماية المجتمع"، ويتابع جيمس تعقيباً على هذا، أنه يرى في هذه القراءة غير المتكافئة لنفس السلوك، اعتماداً على السياق الشخصي، تعسفاً وفي أسوأ الأحوال تفضيلاً وتمييزاً دينياً، ويضيف ساخراً: " على المرأة المسلمة إذا أرادت ركوب ميترو باريس، إزالة البرقع ووضع الكمامة".

في ردّ على هذا المقال، قام هادرين ماتوكس، بتبرير الأمر عبر مقال حمل عنوان "الصحافة الأميركية تسخر من فرنسا"، إذ يعتبر أن هذه الرؤية النمطية الكاملة للمسلمين عامة والتي تَرِد عبر الصحافة الأميركية، من أن كل المسلمات يرتدين حجاباً، هو النمط الشائع في الرؤية الأميركية للإسلام، كما أن الصحيفة لم تكلف نفسها عناء قراءة القانون الذي صدر حول منع البرقع، والذي يسمح بارتدائه إذا كان لأسباب صحية أو مهنية، ويسمي الأمر نوع من التواطؤ الإيديولوجي، للنيل من "العيش المشترك" بين الجميع في فرنسا، ويحيل الأمر برمته ببساطة للرغبة النهائية لدى إعلام "العم سام" وبعض المؤسسات الكبرى، لـ"تحريك السماء والأرض للسماح بحضور الحجاب الكامل" وهي علامة أخرى مخيفة لاستعباد النساء، وعلامة تجارية للشموليين الذين ترعاهم أميركا، في طالبان وغيرها، كما يسخر من كلام فاطمة خميلات بالقول: "يبدو أن فائدة القناع الصحية قد فقدت في الطريق، كحقيبة يد صغيرة"، ذلك أن الفوز في نقاش أمام ضيف غائب سهل للغاية، لكنه لن يوقف العدوى بالتأكيد، ويضيف خاتماً مقاله : "ملاحظة يجب تذكرها دوماً، هذا ما يحصل عندما يقرر مدانون محترفون للمرة الألف، إعطاء دروس في الحرية للفرنسيين".

أميركا هي موطن الحرية الشخصية الأول، لا يستطيع أن يجادل أحد في هذا، إلى أن يمس الأمر الأفارقة واللاتينيين والمهاجرين عموماً، وفرنسا أيضاً هي بلد المساواة والإخاء حتى نصل إلى المسلمين، وبين الاثنين، لم يسأل أحد المرأة التي هي موضوع الحديث عن النقاب: أين ترغب بالعيش؟

هذه السخرية المتبادلة تعيد لنا السؤال مجدداً: ماذا نختار، الحرية أم الأمان؟

ليس الأمر بسهولة اختيار مطعم للغداء أو بار للقاء مسائي، لكن الأمر يمس بالجوهر فعلاً المفهومين معاً، هناك حرية فارغة تحت مسمّى الامتثال للنظام المالي السياسي، وهناك أمن مقروض طرفه من فئران السلفيين، والحرية تبدو بين الضرورة والمصالح العامة ليست أكثر من شعار زائف لمصير أشدّ زيفاً.

أميركا هي موطن الحرية الشخصية الأول، لا يستطيع أن يجادل أحد في هذا، إلى أن يمس الأمر الأفارقة واللاتينيين والمهاجرين عموماً، وفرنسا أيضاً هي بلد المساواة والإخاء حتى نصل إلى المسلمين، وبين الاثنين، لم يسأل أحد المرأة التي هي موضوع الحديث عن النقاب: أين ترغب بالعيش؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image