شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بيده مفاتيح الجنّة... تعاليم يعقوب والنبي المسلّح القادم من جزيرة العرب

بيده مفاتيح الجنّة... تعاليم يعقوب والنبي المسلّح القادم من جزيرة العرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 9 مايو 202006:04 م

"قيل إن نبياً قادماً مع المسلمين وأعلن أن المسيح قادم، وبعد وصولي إلى سيكامينا (شمال قيسارية)، توقفت عند رجل عجوز ضليع بالكتب المقدسة، سألته ماذا تقول عن النبي الذي ظهر مع المسلمين؟ فأجاب بحسرة: (إنه باطل، لأن الأنبياء لا يأتون مسلّحين من رأسهم لأخمص قدميهم)، وأنا بعد أن علمت من الذين قابلوه أنه لا شيء حقيقي في هذا النبي المزعوم وإنها مسألة سفك دماء لا أكثر، ويقول أيضاً إنه يحمل مفاتيح الجنة، وهذا أمر لا يصدق".

هذا النص جزء من رسالة أرسلها شخص يهودي يدعى إبراهيم، يعيش في قيسارية لأخيه جوستس الذي يعيد إرسالها ليعقوب، لترد ضمن ما يسمى "Doctrina Jacobi" أو (The Doctrina Jacobi nuper baptizati) Eng. The Teaching of Jacob, the Recently Baptized)، تعاليم يعقوب المكتوبة باللغة اليونانية في قرطاج، وموجهة لحاخامات اليهود، وتُعتبر أول وثيقة مكتوبة يتم فيها ذكر النبي محمد خارج الجزيرة العربية.

تتحدث الرسالة السابقة عن امتلاك محمد لمفاتيح الجنة، وبالطبع زعمت الأديان جميعها أنها تمتلك تلك المفاتيح، ماهي فكرة "مفاتيح الجنة" ومن أين تأتي؟ يناقش Sean W. Anthony، الباحث والأستاذ الجامعي في مقاله "محمد ومفاتيح الجنة" Muḥammad, the Keys to Paradise, and the Doctrina Iacobi: A Late Antique Puzzle في مجلة "Der Islam" هذا الزعم حول "مفاتيح الجنة" الذي ظهر في المسيحية، وتحدثت عنه "تعاليم يعقوب" أيضاً.

تتحدث تعاليم يعقوب، ما يعرف بـ عن امتلاك محمد لمفاتيح الجنة، وبالطبع زعمت الأديان جميعها أنها تمتلك تلك المفاتيح، ماهي فكرة "مفاتيح الجنة" ومن أين تأتي؟

"تعاليم يعقوب" ومفاتيح الجنان

يقول أنتوني: تظهر الرسالة أربعة تفاصيل هامة عن محمد، هي ظهور نبوءته بين المسلمين، يؤيد الغزو كجزء من رسالته، يؤكد عودة المسيح والأخيرة هي امتلاكه لمفاتيح الجنة، وبينما يمكن الاتفاق أو الاختلاف على التفاصيل الأولى الثلاثة إلا أن المشكلة الأكثر استعصاء تظهر في التفصيل الرابع: امتلاك مفاتيح الجنة.

تستحضر فكرة مفاتيح الجنة الصور المرتبطة بالمفاهيم المسيحية للسلطة الرسولية والقيادة الدينية التي منحها يسوع لتلاميذه وانتقلت عبرهم إلى الكنيسة، يشير أفرات (أفراحات أو فرهاد بالفارسية، أفراتيس باليونانية) إلى الأساقفة المسيحيين على أنهم حماة المفاتيح"، بما أنهم ورثوا إرث بطرس الرسول، عندما قال له يسوع:  "وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السماوات،" أنجيل متى 19:16، فحامل المفاتيح، القديس بطرس، هو المقرر، وهو الذي يمنح الإنسان إمكانية أو عدم إمكانية الدخول إلى مملكة السماء، كما يورد أنتوني في مقاله عدة إشارات أخرى يعد فيها "حامل المفاتيح" في كتابات آباء الكنيسة الأكثر احتراماً ضمن التعاليم الكنسية.

بل إن فكرة مفاتيح ملكوت الجنة أصبحت مجازاً للسلطة الرسولية أيضاً كما يضيف أنتوني، في واحدة من ترانيمه يقول أفرام السرياني 306-373 م:

وكنزه ليس قليلاً بحيث يجعلنا نشكّ في وعده

لقد أعطانا ابنه

حتى نؤمن

جسده معنا كطمأنينة

جاء وأعطانا مفاتيحه

لأن كنوزه تنتظرنا

طوبى لمن مفاتيحه تفتح حديقة الحياة.

يقول أنتوني إن الفروق الدقيقة هنا بين أن يكون بطرس الرسول حامي مفاتيح الجنة وبين أن يكون الرسول الجديد، الزائف كما تصفه "عقيدة يعقوب"، مالكاً لمفاتيحها، يمكن أن تعطي مفهومين مختلفين للأمر، الفكرة المعتادة عند البشرية بعدم وجود بوابات للجنة وفكرة وجود حارس سماوي لبوابات الجنة فكرة غير مختصة بدين محدد، ومع ذلك يظهر الأمر في التقليد الإسلامي في القرآن نفسه، من أن الله وحده هو يملك "مقاليد السماوات والأرض".

وبالتالي في الإسلام لا يفترض وظيفة خاصة لحامل المفاتيح أو مرتبة معينة، وإنما يقع الأمر في سياق التأكيد على أن الله الخالق الوحيد للكون وهو صاحب الأمر في إدخال أو عدم إدخال الجنة ومفاتيحها معه فقط، وترد الكلمة في سورة الأعراف: "إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين". وسم الخياط هو خُرت الإبرة، أي لا يكون ذلك أبداً.

فيستنتج أنتوني أن الإشارة في "تعاليم يعقوب" إلى امتلاك النبي الزائف لمفاتيح الجنة، كانت نوعاً من المحاكاة لامتلاك القديس بطرس لها، حيث يمكن هنا التمييز بسهولة بين مفاتيح الجنة كما ترد في النص المسيحي و"فتح أبواب السماء" كما ترد في النص القرآني.

مفاتيح الجنة في الرؤية الإسلامية

في حين أن القرآن عبر الآية السابقة يعبّر بلا لبس أن مفاتيح السماء بيد الله، إلا إن للحديث النبوي شأن آخر، حيث يعبر في أكثر من موضع أن مفاتيح الجنة بيد محمد، ويأخذ هذا الأمر طرقاً متباينة في التعبير، فيقال إن مفاتيح الجنة هي الصلاة مثلاً أو الشهادة، كما يرد في الحديث: عن عبادة بن الصّامت قال: سمعت رسول الله يقول: "من قال: أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، وأنَّ عيسَى عبدُ اللهِ وابنُ أمتِه وكلِمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، وأنَّ الجنَّةَ حقٌّ، وأنَّ النَّارَ حقٌّ، أدخله اللهُ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ الثَّمانيةِ شاء".

"ألا أدلك على باب من أبواب الجنة"... في حين أن القرآن عبر الآية السابقة يعبّر بلا لبس أن مفاتيح السماء بيد الله، إلا إن للحديث النبوي شأن آخر، حيث يعبر في أكثر من موضع أن مفاتيح الجنة بيد محمد

وفي المسند من حديث معاذ بن جبل قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أدلك على باب من أبواب الجنة"، قلت: بلى قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ويذكر أنتوني مفارقة هنا أن ابن اسحق (الذي اعتنق الإسلام بعد أن كان يهودياً سابقاً والذي شكك بنواياه من البعض لاحقاً) الراوي والمحدث والنسابة، يتحدث عن النبي أنه "أعطي المفاتيح ليبصر الله به أعيناً عوراً، ويسمع به آذاناً صمّاً، ويقيم به ألسنة معوجة، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، أي استخدم المصطلح عينه الذي استخدم قبلاً، كما يمكن أن نرى مجدداً هذا التعبير نفسه الجدلي اليهودي الإسلامي، عندما أرسل النبي معاذ بن جبل لإقناع يهود كندا بالإسلام فسألوه عن أشياء كان منها: ماهي مفاتيح الجنة فأجاب : الشهادة بأن لا إله إلا الله.

يعود أنتوني لتعاليم يعقوب، لكن هذه المرة من جانب آخر، فيتذكر الرجل العجوز الضليع بالكتب المقدسة حين قال مستغرباً: نبي مسلح؟ فيتساءل: هل يمكن أن تعيدنا هذه الرسالة إلى شهادة مبكرة عن عقيدة الجهاد التي توصل المؤمنين إلى الجنة؟

ويعيد التذكير بخطاب الفتح الأموي، على سبيل المثال قال الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، محرضاً جنوده: "أتتكم مفاتيح الجنّات ولكم ما وعدكم الله من جزيل ثوابها"، ويقول هنا أنتوني، أنها قد تكون من تطرّفات الحماسة لإنعاش الإيديولوجيا الأموية ـ لكن السيوف والجنان ذكرت قبلاً في أحاديث الرسول: قال ابن شيبة في مصنّفه: حدثنا زيد بن حباب، عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بين أبي موسى الأشعري، قال سمعت رسول الله يقول: "إن السيوف مفاتيح الجنة"، وفي السردية الشيعية أيضاً ما يشبه هذا، حين يقول الإمام الباقر: "الخير كله في السيف وتحت السيف، وفي ظل السيف، وإن الخير كل الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة".

ويورد شون انتوني في مقاله حديثاً منسوباً لعثمان بن عفان، رواه ابن شبة: "دعا عثمان عنه ناساً من أصحاب رسول الله فقال: إني سائلكم، أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله كان يؤثر قريشاً على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم، فقل/ لو أن مفاتيح الجنة في يدي لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم"، ما يدلّ على أن "مفاتيح الجنة" جزء من الخلافة على المسلمين، يحوزها من يحوز الخلافة ويورثها لاحقاً، ومن هذا قول النبي (في مسند أحمد وسنن الترمذي)، عن عبدالرحمن بن عوف عن النبي قال: 

 "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"، وروى الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن عائشة، أن الرسول قال لأبي بكر: "أنت عتيق من النار".

معتقدات عن الإسلام أقدم من الإسلام نفسه

من الأحاديث التي ترد في نص تعاليم يعقوب إلى الأحاديث الأخرى التي ترد في الوقائع والتواريخ، يقول أنتوني إن لدينا "طبقة من المعتقدات أقدم من التقاليد الإسلامية نفسها"، ومن ثم فإن صورة محمد الواردة في "Doctrina Jacobi" لا ينبغي التخلي عنها بصفتها نوع من الاختراعات المريبة والخبيثة، بل لإرساء أهمية نبوته وظهوره واستيعابه التقاليد التي كانت متبعة في تلك الفترة الزمنية.

والأمر الأكثر أهمية بالنسبة لهذا النصّ، هو أن اليهود كانوا يأملون في محمد كنوع من المخلّص الجديد، أو اليسوع الحقيقي غير يسوع المسيحيين الذي لم يقبلوا بنبوّته، بل كانوا يأملون أن يؤسس النبي الجديد الإمبراطورية الأخيرة على الأرض الحقيقية، امبراطورية أبناء إسماعيل، والتي زيّفها المسيحيون، واستبدلوا "مفاتيح جنّاتها" التي يجب أن تكون نجمة داوود بصليب يحمله بطرس أو سيف يحمله محمد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard