شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"النظام زي الثور الهائج حتى لو ما قربناش منه"... يوميات مصريين خائفين من الاعتقال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 مايو 202005:00 م

يعيش مصريون حالات من "رهاب الاعتقال" والخوف من التعرض للاحتجاز، بسبب ما أحدثه النظام المصري من تضييق في المجال العام، واستهداف شرائح عدة من المعارضين، والمختلفين فكرياً، واجتماعياً، والتنكيل بمن يخالف "مشاريعه القومية"، إضافة لحملات القبض عشوائية.

"ما تخافش أنا زي أخوك"

تعرّض حسن علي، اسم مستعار (23 عاماً)، للاحتجاز في نوفمبر 2013 بعد القبض عليه في منطقة وسط البلد في القاهرة على الرغم من عدم انتمائه السياسي إلى فصيل "جماعة الإخوان المسلمين"، الذي حظر النظام أنشطته، واعتبره "جماعة إرهابية"، إلا أن السلطات المصرية وجهت له اتهامات الانضمام إلى الجماعة، والاشتراك في أعمال عنف، وتلا ذلك حبسه 10 أيام في قسم شرطة قصر النيل في حي جاردن سيتي، واحتجز ليومين في مكان آخر مجهول.

ويعاني حسن منذ ذلك الحين من "رهاب الاحتجاز"، والخوف من الاعتقال.

يقول حسن لرصيف22، إنه يعاني حتى الآن من آثار نفسية لما عاشه خلال أيام احتجازه، التي قضاها في الحبس داخل القسم أو المكان المجهول الذي تم اقتياده إليه، مرجحاً أنه يتبع الأمن الوطني، موضحاً: "قعدت يومين في أوضة مع أكثر من شخص قبض عليه في اليوم ذاته، وكانت عيوننا مغمية، حينها كنت أشعر بأن الزمن يمر ببطء، لم أكن أعلم الصبح من الليل، وفكرت في أهلي، هيعملوا معاهم أيه؟ وإزاي هيقدروا يوصلولي؟ وأنا هيتعمل فيا أيه؟ فكّرت في كل حاجة".

ولن ينسى حسن ذلك الصوت الذي همس في أذنه، وهو مغمض العينين، قائلاً: "ما تقلقش أنا زي أخوك"، واقتاده صاحب الصوت في ممر طويل.

"أي بني آدم ملوش وسايط ومعارف مع النظام هيلاقي أن في احتمالات أنه يتعرض للقبض وهيجيله رهاب احتجاز، أنا في حالة كويسة، قادر أتكيف مع وضعي وأني أبعد عنهم، في غيري تعرض للسجن والاعتقال لا يستطيع النوم بشكل طبيعي بعد الخروج من السجن"

اضطربت مشاعر حسن، وسأل نفسه: "هل تلك استراتيجية أمنية حتى يهدئ من روعي قبل التحقيق، أم أن ذلك الشخص يعلم أني بريء؟".

يحكي حسن عن تلك اللحظات، التي أثرت في نفسيته بعد ذلك: "بدأت أسير وهو يوجهني من يداي حتى دخلت على ضابط لا أعلم رتبته، حينها سألني عن سبب نزولي وسط البلد، ومشاركتي لجماعة إرهابية وغيرها من قوالب الاتهامات الجاهزة، وخلال عملية تفتيش متعلقاتي الشخصية اكتشفوا أن هاتفي يحتوي على نغمة "يسقط يسقط حكم العسكر"، حينها زاد الوضع شراسة واتعمل عليا حفلة، واتعذبت من غير ما حد يلمسني، وفي 6 بيسألوني وأنا كنت مغمى العين، بدأ أحد الموجودين بالغرفة في توجيه صاعق كهربائي إلى جسدي، صعقني في أذني وفي فخذي وأصابع يدي وغيرها"، حسبما يقول حسن.

خرج حسن حينها من الحبس بكفالة 20 ألف جنيه بعد 12 يوم احتجاز، مصاباً بما يسميه "رهاب الاحتجاز"، وخوف دائم من التعرض للاعتقال أو الاختفاء القسري في لحظة ما، ونتج عن ذلك تغيّر في عاداته، بات لا يفضّل الجلوس في أماكن مغلقة أو مع أحد ينتمي إلى جهاز الشرطة أو حتى يؤيد النظام. يقول حسن لرصيف22: "مكنتش مدرك أني محبوس، كنت حاسس أني مخطوف، وماحستش بنفسي غير وأنا في بيتي، وباخد دوش، بدأت أستعيد ذكرياتي".

انتهت صلاحية البطاقة الشخصية منذ العام الماضي لعلي، ولكنه لا يريد أن يذهب لاستعادة استخراج بطاقة أخرى، يوضح: "أنا على طول بحس أني لو قربت منهم أني هروح لمكان ضيق هياخدني ومش هخرج منه تاني، وأنا برة على طول بفكر أنهم ممكن في أي لحظة ياخدوني، وعشان كدة كنت بخطط أني أصلي وأصوم وأقرأ قرآن، لم أجد إلا النزعة الدينية التي تخرجني من ضيق السجن".

"أتجنب أي فعل يضايق النظام"

يعاني إسلام حسين، اسم مستعار (33 عاماً)، من شعور رهاب الاحتجاز بسبب المواقف التي يتعرض لها خلال عمله كصحفي في أحد المواقع الصحفية المصرية، إذ يقول: "بتناقل أخبار تفيد باختفاء أو احتجاز أحد زملائي، وعلى الرغم من أني لم أجرب شعور الاحتجاز الأمني، إلا أني أفكر في الطرق التي تبعدني عن الاحتجاز".

يقول إسلام لرصيف22: "سمعت من أصدقائي الذي احتجزوا واختفوا قسرياً عما عانوه، لا أريد أن يحدث الأمر معي، هم مُنعوا من دخول المرحاض والأكل والشرب، وبعضهم كان يعامل كأسرى الحرب".

 "سمعت من أصدقائي الذي احتجزوا واختفوا قسرياً عما عانوه، لا أريد أن يحدث الأمر معي".

"الغالبية تعرف الأوضاع في السجون عاملة إزاي، وبنسمع من ناس كانت مسجونة أو آخرين ذويهم بالداخل، طبيعي أما باسمع القصص دي، أصبحت أكثر حرصاً لتنجب ارتكاب أي فعل يؤدي إلى دخول السجن أو يضايق النظام"، حسبما يقول إسلام، الذي يرى أن الطبيعي أن يأخذ الجميع حذره خلال التعامل مع "الأغيار"، على حسب تعبيره في إشارة إلى الموالين للنظام، أو الذين لا يحملون ميوله المعارضة، بما في ذلك الحديث خلال الهاتف أو في المواصلات مع صديق، أو وضع صور وبيانات قد تشكل تهديداً لك على الهاتف.

بعد دعوة الممثل والمقاول محمد علي، للتظاهر ضد النظام المصري في سبتمبر 2019، بدأت الشرطة المصرية في عقد كمائن تجري فحص هواتف المواطنين، ونتج عن ذلك القبض على بعض المواطنين الذين يحملون صوراً أو شاركوا مقاطع فيديو معارضة للنظام على صفحاتهم على "فيسبوك".

ويقول إسلام إنه في مصر لو ضابط أوقف أي شخص، هناك احتمالية أن يقبض عليه حتى لو لم يكن مطلوباً على ذمة قضايا أو ارتكب مخالفة ما، يقول: "لازم تتجنب أن موبايلك ميكونش عليه حاجة، وتتعامل بهدوء عشان ميقبض عليك، حتى لا يشك فيك".

ويوافقه أحمد إبراهيم (28 عاماً)، يشير إلى أن أي مواطن عادي إذا فكر بعقل في فترة حكم النظام الحالي، سيُصاب بـ"رهاب الاحتجاز"، والخوف من الاعتقال، سيخشى أن يُضطهد، ويُنكَّل بأهله وأقربائه، يقول أحمد: "أي بني آدم ملوش وسايط ومعارف مع النظام هيلاقي أن في احتمالات أنه يتعرض للقبض، وهيجيله رهاب احتجاز، أنا في حالة كويسة، قادر أتكيف مع وضعي وأني أبعد عنهم، في غيري تعرض للسجن والاعتقال لا يستطيع النوم بشكل طبيعي بعد الخروج من السجن".

بنبرة ساخرة يقول أحمد لرصيف22: "أتعامل معهم كالثور الهائج، لا يجب أن تقترب منه حتى لو لم تتحدث معهم، وأنا ببعد عن وجع الدماغ، ماذا يريد النظام؟ يريد أن أقعد في البيت حاضر سأفعل ذلك، أنا عارف أني في بلد مليش ديّة فيها، في ناس بتتحبس، بتقعد سنين داخل السجن دون تهم، وهذا الأمر سبب لي هاجس أني سيقبض علي، ولذلك أضع هذا الاحتمال أمامي دائماً".

على عكس حسن، تجرأ أحمد وذهب إلى مكتب الداخلية المختص بتجديد البطاقة، واستخرج ورقة الفيش والتشبيه (ورقة مطلوبة تثبت خلو سجلك من التهم الجنائية أو السياسية، وتقدمها ضمن مصوغات التعيين في القطاعين العام والخاص) يقول أحمد: "في المرة اللي رحت استخرج فيش وتشبيه فيها، كنت حاسس بخوف، وتوتر، وصداع وأنا جوة القسم، على الرغم أني غير متورط في أي عمل إجرامي أو جنائي ولا لي نشاط سياسي".

"أتخيل نفسي مكان المعتقلين"

الأخبار التي يتم تناقلها كثيراً عن اختفاء مواطنين بشكل قسري، جعل إبراهيم يعاني على مدار عامين من "رهاب الاحتجاز"، ويتخيّل نفسه في مكان المعتقلين، بسبب منشور على صفحته على "فيسبوك" أو كلمة يقولها خلال حديثه في الهاتف.

"وأنا ماشي من أيام في منطقة بالجيزة بعد انتهاء عملي 2 صباحاً، وجدت سيارتين شرطة بملابس مدينة في الطريق، وكان مفترض أن أمر بجوارهم حتى أسلك شارع لأصل إلى بيتي، حينها بدأت دقات قلبي تتسارع وتعرقت يدي وشعرت أن الزمن توقف، شعرت حينها أنني فقدت السيطرة على عقلي"

يحكي إبراهيم: "بتجنب التعامل معهم تماماً، مبحاولش أروح مكان قريب من قسم شرطة، وأنا ماشي من أيام في منطقة بالجيزة بعد انتهاء عملي 2 صباحاً، وجدت سيارتين شرطة بملابس مدينة في الطريق، وكان مفترض أن أمر بجوارهم حتى أسلك شارع لأصل إلى بيتي، حينها بدأت دقات قلبي تتسارع وتعرقت يدي وشعرت أن الزمن توقف، شعرت حينها أنني فقدت السيطرة على عقلي، وراحت أفكار وأصوت تتصاعد في رأسي، أجري دلوقتي وأهرب، لكني تغلبت على تلك الأصوات وسرت بجوارهم دون أن أفعل شيء وأنا أدعوا ألا يراني أحد".

ما يعانيه إبراهيم من رهاب، أحد أسبابه نتجت عما رآه خلال رحلة بحثه عن أصدقائه الذين تعرضوا للاختفاء القسري، وبعد ظهور أحدهم في النيابة العامة أو القسم، لم يستطع هو وأهل صديقه إدخال طعام أو علاج، يوضّح: "في أي دول ممكن تدخل لحد مسجون أكل وشرب وحاجات تانية، لكن هنا في مصر لا، هنا في مصر كتير مننا حاسين أنهم ممكن يتقبض عليهم لأي سبب".

"اذهبوا للطبيب!"

في هذا السياق، يرى الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن "رهاب الاحتجاز ينتج عن مواقف سلبية تؤثر على نفسية المريض، ينتج عنها الخوف من تكرار نفس المشاهد، ودائماً يخشى أن يتعرض لهذه المواقف، والمصاب بهذا النوع من الرهاب، دائما ما يصنع في عقله سيناريوهات للموقف الذي تعرض له".

وحتى يعود مصاب الرهاب للتعامل بشكل طبيعي كما كان، يشير استشاري الطب النفسي لرصيف22، إلى أن مصاب "رهاب الاحتجاز"، لا يحتاج إلى علاج عضوي من خلال عقاقير، لكنه يحدث من خلال العلاج السلوكي، وحينها سيتمكن من التخلص من الأمر عقب بعض الجلسات السلوكية، مؤكداً أن "التخلص من الرهاب بسيط".

ونصح فرويز الحالات التي تعاني من الرهاب بشكل عام، البدء في مواجهة الأمر، والتأكد أن المواقف التي مرت لن تتكرر، وإذا لم يتمكن من ذلك فعليه التوجه إلى طبيب حتى لا تتدهور حالته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard