تكسر الفنانة عارفة عبد الرسول عزلة كورونا لإنهاء تصوير مسلسل "رجالة البيت" للمخرج أحمد الجندي، إلى جانب الفنانَين أكرم حسني وأحمد فهمي، ستطل عارفة بوجه جديد، مدربة كارتيه وأم حريصة على تدريب ابنها رياضياً، غير غافلة عن شؤون قلبها بالزواج مراراً.
بخفّة تتنقل الممثلة الإسكندرانية بين شخوصها، ترتديها وتقدمها دون عناء، لطالما خبأت في مخزونها الكثير من الشخصيات التي قابلتها، لتخرجها وقت اللزوم وتعيد صياغتها بالكثير من الإتقان والصدق. لتستحقَّ شعبية ومحبة جماهيرية تفخر بها وتسعد.
ابنة السادسة والستين عاماً تنبض بالحيوية والحب، وكأن الزمن تركها عند سن العاشرة في حي الحضرة بالإسكندرية عندما كانت تستقل دراجتها لتحضر لوالدها البقال أغراض محله، ثم تعود إلى البيت محملة بالكثير من الحكايا، ترويها لأخوتها، ثم بعد حين ستروي ذات الحكايا على مسارح مصر. الأب الشديد أدرك ولع ابنته بالفن والتمثيل لكنه لم يقوَ على بعدها ما حال دون دراستها التمثيل في القاهرة، فالتحقت بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، تزامنا مع ذلك خطت مشوارها الفني بدءا من مسرح الكلية إلى إذاعة الإسكندرية ومسارحها.
تقيم عارفة في القاهرة، تعمل وتتواصل مع الجميع، تشحذ همتها بالكثير من الاهتمام والحب كي تقدر على الاستمرار، ولا يخيفها إلا خيانة الجسد كما تقول، عن الحياة في العاصمة تحكي لنا "القاهرة مطحنة علينا استغلال كل ثانية فيها كي نستطيع مواكبة إيقاعها" مؤكدة أنها منحتها ثقافة واسعة ومختلفة عن ثقافة الأقاليم، وأنها تجتهد كي تجاري رتمها السريع، عبر العمل المتواصل ولقاء وجوه جديدة تطلع من خلالها على اللغة الجديدة والمواضيع أيضاً.
الأمر مختلفٌ في الإسكندرية، مدينتها التي عاشت فيها حوالي خمسين عاماً جلّها على خشبة المسرح، برتم أكثر هدوءا وبساطة، لتعطف حياتها وتأتي القاهرة عام 2006 كي تكون الشاشة الصغيرة عتبتها اللاحقة، فردت فيها مساحة خاصة، وقدمت شخصيات تركت أثراً بالغاً في وجدان الجمهور، عزز ذلك إتقانها لمفرداتها وأدواتها إضافة إلى ملامحها المصرية الخاصة.
عارفة سعيدة بالشهرة التي حققتها متأخرة، تؤكد أنها تمنّتها وسعت إليها، معللة بأنها تمثّل من قلبها وأنها قريبة من جمهورها وتلمس حبه، على اختلاف طبقاته، وأنها تحكي قصص هؤلاء جميعاً عبر أدوارها، فهي بسيمة الخادمة الحنون في مسلسل "لا تطفئ الشمس"، وأم محسن القوية الثابتة في مسلسل "الميزان"، أما "دادا عارفة" ستضحكك حتى في صمتها خلال المسلسل الكوميدي "الوصية". وغير ذلك كثير.
مايزال في جعبة الممثلة المصرية منجم هائل لشخصيات كثيرة قابلتها وتشبعت بها وتنتظر الوقت المناسب لتؤديها، تقول مؤكدة أنها لا تختار الأدوار، بل تعرض عليها الشخصيات التي يدرك مخرجوها أن لا أحد سيؤديها إلا عارفة وهذا مصدر فخر وسعادة بالنسبة لها "حال قراءته النص، يقرر المخرج أن هذا الدور مكتوب لي، وعندما يحدثني أجزم أنه يرشحني لدور جيد حتى لو كان مشهداً واحداً".
بخفّة تتنقل الممثلة الإسكندرانية بين شخوصها، ترتديها وتقدمها دون عناء، لطالما خبأت في مخزونها الكثير من الشخصيات التي قابلتها، لتخرجها وقت اللزوم وتعيد صياغتها بالكثير من الإتقان والصدق
تتابع أنها لا تخطط للشخصية أو تدرسها "فور قراءتي للنص أتصور ملامحها وكيفية تعاملها، كل ما يعرض علي هي شخوص مرت في حياتي، لدي مخزون كبير، ناس كثر في داخلي، أتقن لغتهم وأسلوب حياتهم وتواصلهم، في أي وقت أمد يدي وأخرج الشخصية، عزز ذلك السنون الـ30 التي أمضيتها على خشبة المسرح، إضافة إلى حرصي على تقديم الشخصية بصدق وبأفضل إحساس".
فوضى مواعيد التصوير أكثر ما يضايق عارفة عبد الرسول حسب قولها، وتعزيه إلى دخول التصوير بسيناريو غير مكتمل، وأن بعض الأعمال يبدأ تصويرها بما لا يتجاوز الأربع حلقات "عندها لا أدرك مساحة دوري وأضطر للتواجد في مواقع التصوير دون معرفة مواعيد ظهور شخصيتي، الأمر الذي يسبب الإرهاق" تؤكد أن تأخر شركات الإنتاج في دخول الموسم الرمضاني هو أحد أسباب هذه الفوضى أيضاً".
"أريد تقديم شخوص تجري وتطارد وتتسلق ولا تهاب ما تمر به، شرط ألا يخونني جسدي ويسبقني إلى حيث لا أريد"
إضافة إلى التلفزيون، قدمت الشاشة الكبيرة فرصاً عديدة لعارفة عبد الرسول، عبر أفلام شاركت فيها كبار المخرجين والنجوم المصريين، لعل أغزرها السنة الأخير كما تقول، شاركت في فيلم "البعض لا يذهب إلى المأذون مرتين" للمخرج أحمد الجندي، بطولة كريم عبد العزيز ودينا الشربيني، وفيلم "حظر تجوال" مع المخرج أمير رمسيس والممثلة إلهام شاهين وأمينة خليل. حاليا تصور فيلم "كيرا والجن" إخراج مروان حامد، تأليف أحمد مراد، بطولة أحمد عز وكريم محمود عبد العزيز وروبي.
عارفة عبد الرسول حكاءة وممثلة، نالت شهرة متأخرة تسعد بها وتفخر، تعلل بأنها تمثّل من قلبها وأنها قريبة من جمهورها وتلمس حبه، على اختلاف طبقاته
تعتبر عبد الرسول أن السينما أطول عمراً من التلفزيون، وتمنح الممثل شهرة أكثر سعة وسرعة، فضلا أن الأفلام تتجاوز المحلية ليتعدى الممثل حدود بلده، حتى لو كان الفيلم قصيراً.
فرقة "الورشة" المسرحية من المحطات الفارقة في رحلتها الفنية، عملت فيها عند انتقالها إلى القاهرة، ولا تزال حتى اللحظة. آخر منجزاتهم مشروع "حكي أون لاين"، فيديوهات حكي يبثّها أعضاء الفرقة من بيوتهم، هو شكل جديد من أعمال الورشة تماشياً مع ظروف العزل الصحي.
تؤكد عارفة أن الحكي من أشهر وأقدم الفنون في مصر، وأنه جاذب للجمهور خاصة لو امتلك الحكّاء موهبة الحكي بالسليقة "الحكي يحتاج وضوحاً في الألفاظ وسيطرة على طبقات الصوت ومخارج الحروف وطريقة إرسالها، لكنه قبل ذلك موهبة تتجسد بالقدرة على التعبير والأداء والحركة أيضاً، إضافة إلى الحضور وخفة الدم وإحساس عالي بالمتلقين وإدراك المناطق التي تجذبهم، بدليل أن الحكاية ذاتها يختلف وقعها من حكاء لآخر".
لعقود درس أعضاء الورشة أسلوب سيد الضوي في الحكي، ليثبتوا في النهاية أن لا قواعد محددة للحكي كما التمثيل، فلكل حكاء أو شيخ طريقته التي لا تشبه سواها. الراحل سيد الضوي هو شيخ القوالين وعرابهم في صعيد مصر، عرف بحكاياته لسيرة بني هلال الشعرية رفقة الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي.
عن ورش الحكي التي تقدمها، تحكي عارفة "لا أعطي الطلبة أية قواعد يتبعونها، يبدأ كل منهم بالتعبير عن نفسه، بالحكي عن تجارب ومواقف عاشها، أحفز خياله لإخراج المزيد من مخزونه عبر الحكي. الحكايات الشخصية هي المدخل الأساسي للحكي، وأي شخص يودّ إتقان فن الحكي عليه أن يتحدث عن نفسه، الحكايات الشخصية غنية وفيها مضامين ومكنونات، نحن أصحاب الحكاية قد لا نتخيلها".
الفنانة المصرية التي تختصر الفن بقولها "هو كلمة وجمهور" امتلكت منذ صغرها حرفة الحكي، كانت تروي للعائلة والأصدقاء حكاياتها في بقالة والدها بسوق الحضرة بالإسكندرية، تقلد أباها الصارم ونساء الحي البسيطات، الحكايات تحولت فيما بعد إلى عرض حكي حمل اسم "حكايات بنت البقال" قدمته في مسارح عدة في مصر وخارجها.
ومازالت ابنة حي الحضرة تروي قصصها حتى اللحظة، وتعدنا بالمزيد مستقبلا "أمضيت 30 عاما من عمري على دراجتي، عشت خلالها أياماً مليئة بالحركة والمشاكسات والمواقف غير المألوفة، جميعها أود تقديمها في شخوص قادمة، شخوص تجري وتطارد وتتسلق ولا تهاب ما تمر به، شرط ألا يخونني جسدي ويسبقني إلى حيث لا أريد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 18 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت