"إذا لم يكن نظامك قوياً لدرجة أن نكتة تغضبه، بالحقيقة ليس لديك نظام".
يبدو أن الجملة التي قالها جون ستيوارت مقدم برنامج "ذا ديلي شو"، أثناء استضافة باسم يوسف له، لخّصت الوضع السياسي في مصر منذ سيطرة العسكر على الحكم حتى اليوم.
"إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ".
تسنّت لي الفرصة، خلال الحجر الصحي الإلزامي، لمتابعة نصيب وافر من الأفلام الوثائقية التي ظلت على قائمة الانتظار لفترة طويلة، إلا أن فيلم "دغدغة العمالقة" تحديداً غمرني بحزن، لأن الحال المصري في 2016 الذي عرضه الوثائقي، متزايد السوء، في ظل نظام، بدل أن يعالج مشاكل الاقتصاد والفقر المدقع، بقي يصرف جهوده وإمكاناته لتكميم الأفواه إعلامياً، وملاحقة ومعاقبة وسجن أجمل ما في مصر: شباب الثورة، الذين لولاهم لبقيت عائلة مبارك، وإن تبدلت الأسماء الأولى، تجثم على صدر مصر لأجيالٍ قادمة.
يركز الوثائقي على كواليس "البرنامج" وفريق العمل المكون من شباب هواة مؤمنين بكسر تابو قدسية السلطة، ويعرض حياة الشباب المشاركين بالإعداد والذين لم يسلموا من بطش السلطة. حاول النظام في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي، مروراً بفترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، تضييق الخناق على "البرنامج" وقُدّم باسم يوسف للمحاكمة، لكن لم يتوقع أحد بأن يصل قمع السلطة لهذه الدرجة من احتقار الرأي العام.
هدمت الثورات جدار الخوف الذي ارتفع لعقود، ورغم فسحة الأمل البسيطة التي تبعت سقوط أنظمة شمولية، جاء جدار خوف آخر مصحوب هذه المرة بخيبة أمل ودماء، يُعتقد أنها راحت سدى، ومعتقلين وشهداء لم نلتق بهم يوماً، ولكننا أحببناهم وحفظنا صورهم وأسماءهم من أخبار الميدان
هدمت الثورات جدار الخوف الذي ارتفع لعقود، ورغم فسحة الأمل البسيطة التي تبعت سقوط أنظمة شمولية، جاء جدار خوف آخر مصحوب هذه المرة بخيبة أمل ودماء، يُعتقد أنها راحت سدى، ومعتقلين وشهداء لم نلتق بهم يوماً، ولكننا أحببناهم وحفظنا صورهم وأسماءهم من أخبار الميدان.
تراءت أمامي ماهينور المصري، وأنا أروي لوالدي، عقب انتهاء الفيلم، خيبة أملي المصرية: "نحن لا نحب السجون، ولكننا لا نخافها"، تلك الجريئة الجميلة التي لازالت حتى هذه اللحظة تدفع ثمن إيمانها بالعدل، في ظل حكم لا يعرفه. ماهينور التي أوقفها النظام عدداً من المرات يفوق أصابع اليدين، والتي أخذت الثورة معها لسجنها ولازالت تعلن مطالبها من قلب الزنزانة، بماذا ستردّ لو سمعت حديثي عن فقدان أملي بمصر التي تصورناها أيام الثورة؟ كيف أتحدث عن يأسي من التغيير وماهينور تحاصر أفكاري رغماً عني!
عشرات الأسباب تجعلني أفقد إيماني بالثورات التي أثمرت ولم تزهر، هناك أيضاً شيماء الصباغ، ماهينور المصري، علاء عبد الفتاح، أحمد عبد الرحمن والكثير من الأسماء التي لم ألتق بها يوماً... تحاكمني إذا فقدت الأمل!
عشرات الأسباب تجعلني أفقد إيماني بالثورات التي أثمرت ولم تزهر، هناك أيضاً شيماء الصباغ، ماهينور المصري، علاء عبد الفتاح، أحمد عبد الرحمن والكثير من الأسماء التي لم ألتق بها يوماً... تحاكمني إذا فقدت الأمل
أتفهم ما قاله فريدريك نيتشه: "يجب أن تحترق بنيرانك أولاً، فكيف تتجدد إن لم تتحول إلى رماد؟"، فكيف إذن بثورة بلاد على أنظمة متجذرة وعقود من الظلم؟ لا بد من نيران ورماد، ومع ذلك لا أنفكّ أفكر بالثمن الغالي الذي دفعه الشهداء، وماذا يعوض سنين السجن لمن هتف: "عيش… حرية… عدالة اجتماعية"، لينتهي به المطاف مسلوباً من كل ذلك؟
"إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ"، قال المسرحي السوري الراحل، سعد الله ونوس، وجملته تلك لازالت تغمرني بفيض من الأمل وسط كل الظلام الحالك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.