شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الترجمات الخاطئة قد تكون قاتلة... أمثلة لا تصدق

الترجمات الخاطئة قد تكون قاتلة... أمثلة لا تصدق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 3 يناير 201805:10 م
تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في السياسة الخارجية للدول، إذ يمكن أن تعمّق الصداقات أو تدمّر علاقات دبلوماسيّة، وتتسبب بإعلان الحروب. وبما أن الدول لا تتحدث لغة واحدة جميعها، فإن كلمة السر في هذا كله هي "الترجمة". أدت أخطاء الترجمة في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء إلى أحداث كارثية أحياناً، وأحياناً أخرى إلى توتر العلاقات الدبلوماسيّة. نستعرض هنا أبرز أخطاء الترجمة في وسائل الإعلام، وكيف كان تأثيرها.

بحث إجراءات عزل ترامب أثناء زيارته للسعودية

بالتزامن مع زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، نشر موقع النسخة العربية لـCNN خبراً عنوانه "مصدر: البيت الأبيض يبحث إجراءات عزل الرئيس من منصبه"، وكان الخبر نقلاً عن النسخة الإنجليزية. انتشر الخبر سريعاً وتناقلته وسائل إعلام عربية عديدة، كما لقي الخبر انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وثار نقاش بين إعلاميين حول مدى دقة الخبر فضلاً عن توقيته، فالبيت الأبيض ليس من صلاحياته سحب الثقة من الرئيس فى الولايات المتحدة الأمريكية كما يوحي نص عنوان الخبر، بل هي صلاحية الكونجرس الأمريكي. بالعودة إلى الخبر الأصلي المنشور على النسخة الإنجليزية، تبين أن "محامي البيت الأبيض" يدرسون المواجهة القانونية فى حال طلب الكونجرس سحب الثقة من ترامب، وهو أمر مستبعد جداً في الوقت الحالي وسابق لأوانه، بحسب "إيفان بيريز" مراسل الشؤون القضائية لدى الـCNN، الذي أكد إن النواب الديموقراطيين أنفسهم في الكونجرس يرفضون الحديث عن هذا الأمر باعتباره سابق لأوانه. الخبر الأصلي على موقع  سي إن إن كان عنوانه Sources: White House lawyers research impeachment، وقام مترجمو النسخة العربية بترجمته ترجمة غير دقيقة في عدة مواضع، منها عدم ذكر كلمة "محامو" وذكر البيت الأبيض فقط، وكذلك الترجمة الحرفية لكلمة "Research" على أنها "يبحث"، في حين أن الترجمة الأدق لكلمة "Research" في هذا السياق هي "يتحرّى" أو "يدرس"، أي أن الفريق القانوني يدرس استعداداته حول السيناريوهات المتوقعة في حال طلب الكونجرس "سحب الثقة" ترامب.

"موكوساتسو" كلمة قتلت 170 ألف شخص

يبقى الهجوم النووي الأمريكي على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، الحالة الوحيدة لاستخدام القنبلة النووية، وأحد أخطر أحداث القرن الماضي، ليس بالنسبة لليابان فقط، بل بالنسبة للبشرية جمعاء. تسبب الهجوم بدمار لا تزال اليابان تعاني تداعياته، وفقد أكثر من 70 ألف شخص حياتهم لحظة إلقاء قنبلة هيروشيما، ثم مات ما يقرب من 100 ألف آخرين جراء الإشعاع النووي. shutterstock_238058845shutterstock_238058845 كشفت وكالة الأمن القومي الأمريكية عن وثائق تشير إلى ما يمكن اعتباره أسوأ خطأ ترجمة في التاريخ برمته، أو على الأقل الخطأ الذى ترتب عليه أسوأ حوادث التاريخ، إنه حادث إلقاء القنبلة النوورية على مدينة "هيروشيما" الذي كان سببه خطأ قاتل في الترجمة من اليابانية إلى الإنجليزية. في يوليو من عام 1945، في اجتماع لدول الحلفاء تمّ الإعلان عن بيان لشروط استسلام اليابان، ثم تمت ترجمة هذه الشروط إلى اليابانية وانتظر الحلفاء رد رئيس الوزراء الياباني حينها كانتارو سوزوكي. كان البيان يطالب اليابان بالاستسلام غير المشروط، كما احتوى على بند يؤكد أن أيّ ردّ سلبي من قبل اليابان سوف يجلب الدمار الكامل والفوري عليها. حينها، سأل الصحفيون اليابانيون رئيس الوزراء عن قراره بشأن طلب الحلفاء الاستسلام غير المشروط، فأجاب بكلمة "لا تعليق"، وذكر أنه يمنع عليه التعليق في الوقت الحالي. استخدم حينها الكلمة اليابانية "موكوساتسو"، وهي الكلمة التي كانت السبب في إطلاق القنبلة النووية على مدينة "هيروشيما".
عندما تفشل الترجمة بإيصال المعنى الدقيق، وتتسبب بأزمات دبلوماسية...
الترجمة الخاطئة التي أودت بحياة 170 ألف شخص، وتلك التي أحرجت رئيساً أمريكياً...
الكلمة اليابانية لها عدة مقابلات بالإنجليزية ومنها ما يعني "الرفض" أو التجاهل. اختارت وكالات الأنباء عن اليابانية معنى "الرفض"، وترجمها البعض "لا يستحق التعليق"، بينما المقابل الأدق للكلمة الإنجليزية هو "No Comment" أي "لا تعليق". سرعان ما انتشرت الترجمات غير الدقيقة كالنار في الهشيم بين وكالات الأنباء. فاعتبر القادة الأمريكيون حينها أنه لا مجال لنهاية دبلوماسية للحرب، واستاؤوا كثيراً مما اعتبروه نبرة متغطرسة من جانب رئيس الوزراء الياباني، وبعد 10 أيام فقط أُلقيت القنبلة النووية على مدينة هيروشيما. لاشكّ من أنّ الهجوم جاء ضمن خطة الحلفاء لإنهاء الحرب، وأيضاً رغبة الولايات المتحدة بأن تتقلد القيادة خاصة أن مشاركتها جاءت في مرحلة متأخرة. ولكن يبقى السؤال، هل كانت الأحداث ستأخذ منحى مختلفاً بترجمة أفضل لهذا التعليق؟

أزمة ترجمة الأراضي العربية إلى "أراضٍ عربية"

لم تتطابق الترجمة الإنجليزية والفرنسية في البند الخاص بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967 في قرار مجلس الأمن الشهير رقم 242. فبحسب النص الفرنسي الذي تمسكت به الدول العربية، كان بند الانسحاب ينص على "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي المحتلة في الصراع الأخير". في حين تمسكت إسرائيل بالنص الإنجليزي الذي كان ينص على "انسحاب إسرائيل من أراضٍ عربية" دون وضع كلمة "All" أو كلمة "The" بل كلمة "Territories" فقط وتعني أراضي، كما تضمن النص الإنجليزى ضرورة الاعتراف بحدود آمنة لإسرائيل كشرط للانسحاب، وهو ما أحدث شقاقاً وإساءة للتفسير مستمرة إلى الآن بين إسرائيل والدول العربية. سيكون من السذاجة اعتبار الترجمة لهذا البند وحدها سبباً لرفض إسرائيل الانسحاب من الأراضي العربية، كما نصّ بند القرار، ولكنّ استخدام الذرائع وجد مبرراً قوياً في عدم دقة الترجمة، وأفسح مجالاً للمراوغة والتسيس.

فهم ملتبس أم ترجمة خاطئة

في إبريل هذا العام، تناقلت وسائل الإعلام المصرية أخباراً عن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تعاون عسكري بين مصر والولايات المتحدة أثناء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن الحقيقة لم تكن كذلك وكان السبب هو خطأ في ترجمة حديث ترامب. تحدث ترامب حينها عن دعم الولايات المتحدة لمصر مؤكداً أن الدولتين ستحاربان الإرهاب معاً، وأنه سيتم تعزيز قدرات الجيش الأمريكي من خلال صفقات سفن حربية وطائرات، لكن وسائل الإعلام المصرية فهمت الأمر وترجمته على أن الرئيس الأمريكي لديه طموح للتعاون المصري الأمريكي ولتعزيز قدرات الجيش المصري من خلال صفقات تسليح.

جيمي كارتر: "أنا مهتم بالشهوات المستقبلية للشعب البولندي"

shutterstock_40672258shutterstock_40672258 كانت تلك الكلمات هي الترجمة البولندية لما قاله الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"، أثناء زيارته لبولندا في عام 1977، بالرغم من أن ما قاله كان "أنا مهتم بمعرفة رغبات الشعب البولندي المستقبلية". كان هذا خطأ المترجم الذي كلفته وزارة الخارجية الأمريكية بمرافقة الرئيس في زيارته. وهو بالأصل مترجم للغة الروسية، ومع أنّه كان يعرف اللغة البولندية، إلا أنه لم يتدرب على استخدامها من قبل في مثل هذه السياقات. ولم تقف أخطاؤه عند هذا الحد، بل حوّل المترجم، أثناء نفس الزيارة، عبارة كارتر "عندما غادرت الولايات المتحدة هذا الصباح" "When I Left the United States"، إلى "غادرت منصبي كرئيس الولايات المتحدة". وقتها، وجد الإعلام في البلدين مادة غنية للتفنن في انتقاد هذه الأخطاء، خاصة أنّ بولندا كانت شيوعية عندما زارها الرئيس الأمريكي، فكانت فرصة للسخرية من سوء الفهم بين البلدين.

عندما أصبحت سوريا البحرين

يختلف الخطأ أو السهو في الترجمة عن التحريف المتعمد الذى يخدم أغراضاً سياسية، وهذا هو ما حدث مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، أثناء إلقاء كلمته في قمة دول عدم الانحياز في عاصمة إيران عام 2012. في كلمته قال مرسي: "إن الشعبين الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والكرامة"، وأضاف في موضع آخر من الخطاب "إننا نتضامن مع الشعب السوري لمواجهة الظلم والطغيان". في ترجمة كلمته، تمّ استبدال كلمة "السوري" بـ"البحريني" في الحالتين، وبذلك بدا موقف مصر مسانداً لموقف إيران فيما يخصّ البحرين. كان التلفزيون الإيراني حينها ينقل القمة نقلاً مباشراً، بترجمة فورية من العربية إلى الفارسية، لكن المترجم الفارسي تعمد تحريف الكلمة. احتجت البحرين رسمياً على الترجمة، وكانت سبباً في زيادة التوتر والجفاء الدبلوماسي بين البلدين.

نيكيتا خروتشوف للأمريكان: "سوف ندفنكم"

في عام 1956، تمت ترجمة حديث لرئيس وزراء الاتحاد الروسي نيكيتا خروتشوف (1953 و1964) جاء فيه أنه يقول للأمريكان ولعدة سفراء دول غربية: "سوف ندفنكم". لكن بوضع جملة خروتشوف في سياقها الصحيح يتضح أنه كان يقول "سواء أعجبكم ذلك أو لم يعجبكم، سيقف التاريخ إلى جانبنا، وسوف ندفنكم". ثم أوضح لاحقاً أنه كان يستخدم عبارة من كتابات المفكر ماركس، حول حتميّة حلول الشيوعية، وأن الرأسمالية تحمل فى داخلها بذور فنائها، وأن العمال هم من سيدفنون الرأسمالية فى الدول الغربية. تعبير رئيس الوزراء الروسي ليس ودياً بالطبع حتى بوضعه في سياقه، لكن الأمر كان أهون كثيراً من التعبير المباشر "سوف ندفنكم". جاء ذلك بعد أن تصدرت كلمته عناوين الصحف ووكالات الأنباء، وسببت حينها مزيداً من الجفاء في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة والدول الغربية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image