شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
''لا مساجد مفتوحة ولا لمّة العيلة ولا مقاهي

''لا مساجد مفتوحة ولا لمّة العيلة ولا مقاهي"... بأي حال عدت يا رمضان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 23 أبريل 202004:55 م

ليس بمقدورنا أن نقول إن شهر رمضان سيكون كئيباً هذا العام، في ظل جائحة كورونا، ولكن بالإمكان القول إنه غريب، فالمجتمع العربي الآن أمام ظروف مغايرة لتلك التي اعتاد عليها منذ مئات السنين، وسيكون لها تأثير بالغ سواء على صعيد الشعائر الدينية أو العادات الاجتماعية.

تختلف الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء من بلد عربي إلى آخر، لكن في جميع الأحوال، هناك مشترك وحيد بينهم هو منع الصلاة في المساجد، ومنع التجمعات بين الناس، وهذا بمثابة تحوّل جذري في نمط حياتنا في رمضان 2020.

السؤال الذي يطرح الآن: هل يغيّر المسلمون عاداتهم ويتنازلون عن بعض تقاليدهم وشعائرهم خلال هذا الشهر الذي يتميز بنشاط ديني وتعبئة روحية، إقبال على التسوّق، النزهة وإقامة الموائد العائلية؟

حاول رصيف22 الإجابة على هذا السؤال من خلال استطلاع آراء عينة من مواطني بعض الدول العربية.

"ما فيش تراويح ولا لمة العائلات"

أحد أبرز ملامح أول أيام رمضان في مصر هو لمّ شمل العائلات على مائدة إفطار واحدة، حيث تقيم العائلات الكبرى، في أول أيام الشهر الكريم، بمنازلها "لمّة العيلة" والسهرات، إلى جانب حرصهم على وجود الشيوخ لقراءة القرآن والابتهالات الدينية حتى موعد السحور.

يرى محمد جمعة (41 عاماً) أن رمضان هذا العام سيختلف كثيراً بالنسبة لمثل هذه الطقوس، فمن المتوقع أن تتراجع موائد الإفطار المشتركة بين جميع أفراد العائلة، والاقتصار على الأسرة فقط، مؤكداً أن طقوس قراءة القرآن في الغالب ستكون بين أفراد الأسرة الواحدة، الأب، الأم والأبناء.

وأشار أحمد، وهو موظف حكومي يقيم في القاهرة، إلى أن الناس لايزالون غير مكترثين لفكرة التباعد، خصوصاً في الأسواق، وهذا ما سيشكل خطراً كبيراً على صحتهم.

ليس بمقدورنا أن نقول إن رمضان سيكون كئيباً هذا العام، في ظل جائحة كورونا، ولكن بالإمكان القول إنه غريب، فنحن أمام ظروف مغايرة لتلك التي اعتاد عليها مجتمعنا منذ مئات السنين، فماذا أنتم فاعلون في شهر التجمعات الدينية والعائلية والسهرات؟

ويرى جمعة أيضاً أنّ عادة تبادل الحلويات قد لا تختفي في الريف وصعيد مصر، وبعض المناطق الشعبية، حيث تحضّر بعض السيدات الحلويات، ومنها الكنافة والقطايف، ويوزّعنها على جيرانهن يومياً، ما يزيد من احتمال انتقال عدوى الفيروس.

أما على صعيد العبادات، كصلاة الجماعة، وخصوصاً "التراويح"، فأشار جمعة إلى أن طقوس العبادة سيمارسها داخل البيت، سواء بشكل منفرد أو كجماعة مع أفراد أسرته، ويعتقد أن الكثيرين سيشاركونه هذه الطريقة، وهذا ما سيفقد صلاة التراويح "وهجها".

واتخذ الأزهر الشريف، الكنيسة القبطية ووزارة الأوقاف في مصر، في أواخر مارس الماضي، قراراً بتعليق الصلاة في المساجد والكنائس، وقد بدأ المسلمون في غالبية البلدان بالتأقلم مع الوضع الصحي الجديد فيما يتعلق بالامتناع عن صلاة الجماعة.

"المدينة العتيقة وشارع بورقيبة"

في تونس، تبدو القصة مختلفة بعض الشيء، فأهم مكان يخشى التونسيون أن يحرمهم الحجر من أجوائه خلال شهر رمضان، هو شارع الحبيب بورقيبة الذي تزدحم مقاهيه ليلاً طيلة الشهر، حيث يجتمع الأصدقاء والعائلات لاحتساء القهوة ومشروبات أخرى، وسط أجواء مرح، وحركة لا تهدأ في أرجاء الشارع.

تقول الشابة رفيقة ماجري لرصيف22: "تمثّل زيارة هذا الشارع طقساً من طقوس رمضان، وقد تلحظ المارة في ذهاب وإياب لا يتوقفون، ومحلات الملابس الجاهزة هي الأخرى دائماً مزدحمة بالزبائن، فضلاً عن وجود بعض العازفين الذين يفترشون الأرض، وينطلقون في عزفهم، لتضفي موسيقاهم أجواء أخرى، تستدرج رواد الحبيب بورقيبة للتجمهر حولهم، ومشاركتهم الغناء والرقص".

"شارع الحبيب بورقيبة هو القلب النابض دائماً في رمضان سنفتقده بشدة".

"ارتياد شارع بورقيبة طقس رمضاني سنحرم منه".

وأوضحت الماجري، وهي موظفة في القطاع الخاص، أن ما يعرف بـ"البلاد العربي" أو المدينة العتيقة، تُمثّل الوجهة الأولى للتونسيين في شهر رمضان، حيث السَّهرات في المقاهي العتيقة حتى مطلع الفجر، بين غناء وموسيقى ورقص وأنشطة ثقافية.

وقالت: "البلاد العربي هي الحاضنة الأكثر دفئاً وجمالاً وسحراً للتونسيين في شهر رمضان، ويمكن القول إن الجميع سيفتقد بشدة لأجوائها في ظل استمرار انتشار جائحة كورونا".

وبالنسبة للماجري كفتاة شابة، يعتبر كورنيش "حلق الواد" واحداً من المزارات الأكثر حباً لقلبها خلال شهر رمضان، حيث يجتمع الأصدقاء في المقاهي المتلاصقة على أطراف البحر، على شرب القهوة والشاي مع اللوز والبندق، فيما يتعالى صوت أم كلثوم، حليم ووردة بين الحين والآخر، وقد تتخلّل السهرة عشاء السمك المشوي الذي يميّز منطقة "حلق الواد".

وتابعت الماجري: "معروف رمضان عند التونسيين بأنه فرصة للتنزه مثلما هو فرصة للعبادة، لهذا فإن التجول في أرجاء سيدي بوسعيد بعد الإفطار واحتساء القهوة العربي، أو سيدي شبعان بإطلالتها الساحرة، وشراء ما تيسر من الحلويات وأكلها مباشرة خلال الوقت الذي يعقب صلاة التراويح، كلها عادات لن تجد لها سبيلاً في رمضان هذه السنة".

وقرر الرئيس التونسي، قيس سعيد، الجمعة الماضية تمديد الحظر الصحي لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، بينما ستعلن الحكومة لاحقاً فترة التمديد، وهذا ثاني تمديد للحظر الذي بدأ منذ شهر، بينما تكافح تونس لوقف تفشي الفيروس المستجد.

"مستحيل إحياء الأجواء الرمضانية"

في الأردن، تتجسد مظاهر الاحتفال بشهر رمضان، في الشوارع والمحلات والمراكز التجارية، في البيوت وحتى بالمساجد وغيرها.

غير أن رمضان هذا العام ربما يمحو كل هذه المظاهر، بسبب فرض الحجر المنزلي على السكان، وفق ما قالته هديل الروابدة (32 عاماً).

وأِشارت الروابدة التي تقيم في العاصمة عمان، أنه بسبب تفشي فيروس كورونا سيكون من المستحيل إحياء الأجواء الرمضانية، المتمثلة في الاجتماع مع الجيران لأداء صلاة التراويح، ولا حتى في الولائم التي كانت فرصة لجمع الأقارب والأصدقاء من مختلف المحافظات.

" ربما نلجأ لاختراع طرق جديدة للاستمتاع بطقوس هذا الشهر ليلاً، وخصوصاً بعد الإفطار".

وقالت: "من المؤسف أننا لن نجتمع كما كل عام خلال رمضان، ولهذا ربما نلجأ لاختراع طرق جديدة للاستمتاع بطقوس هذا الشهر ليلاً، وخصوصاً بعد الإفطار، حيث الوقت طويل ويمر ببطء شديد، لذلك كنا نقضيه في التسوق وزيارة المولات التجارية والمقاهي، وحتى هذه اللحظة لا نعلم ماذا سيكون وضع الأسواق المغلقة حالياً".

تقول الشابة الروابدة: "ننتظر قرار الحكومة بفتح الأسواق بطريقة آمنة، كي نستطيع إدخال الفرحة على قلوب أطفالنا بثياب جديدة للعيد".

وفي الطعام، ستتبنى الروابدة خطة تقشفية لاعتماد شراء المواد التموينية، و"المونة" الخاصة بشهر رمضان، بسبب الحظر وضيق أوقات التسوق.

"لن أتخلى عن الموائد الرمضانية"

على صعيد الأراضي الفلسطينية، فقد قطع مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، الشكّ باليقين، في إعلانه أن جميع المساجد ستبقى مغلقة خلال فترة الطوارئ التي تشمل بداية شهر رمضان، فيما كان يعوّل محمد حجازي على إعادة السماح للمواطنين بالصلاة في المسجد، في ظل محدودية انتشار الفيروس في قطاع غزة.

وقال مفتي القدس: "التزاماً بالإجراءات المتبعة، ستبقى صلوات الجماعة والجمعة معلقة بهدف الحفاظ على حياة أبناء شعبنا، وحمايتهم من انتشار فيروس كورونا".

"من المؤسف أننا لن نجتمع كما كل عام خلال رمضان، ولهذا ربما نلجأ لاختراع طرق جديدة للاستمتاع بطقوس هذا الشهر ليلاً، وخصوصاً بعد الإفطار، حيث الوقت طويل ويمر ببطء شديد"

هذا الأمر يعني بالنسبة لحجازي ولغيره من الفلسطينيين في قطاع غزة أن فكرة تأدية صلاة التراويح في المسجد أصبحت ضرباً من ضروب الماضي، التزاماً بما جاء في بيان المفتي، وانسجاماً مع ما يقوله المؤذنون: "صلوا في رحالكم".

ولهذا يدعو حجازي (54 عاماً) أن يحتسب الله أجر صلاة الجماعة للناس الذي يصلون في منازلهم، وقال وعلامات الحزن على وجهه: "هذا طقس لا يمكن أن يعوّض، رمضان بالنسبة لنا فرصة لتجديد علاقتنا مع الله".

"التراويح طقس لا يعوَّض، رمضان بالنسبة لنا فرصة لتجديد علاقتنا مع الله".

وعلى الرغم من ذلك، لا تراود المواطن حجازي فكرة التخلي عن إقامة موائد إفطار لأرحامه، ويبرر ذلك بقلة الإصابات مقارنة بدول أخرى، يقول، عاكسا طريقة تفكير الكثيرين: "ليس من ضروري أن نتخلى عن إقامة الموائد الرمضانية التي تجمعنا بأحبتنا".

وأشار إلى أن طقوس إقامة الموائد للأرحام وتوزيع الوجبات على الفقراء، صدقة عن أرواح والديه، هي عادة لا يمكن التخلي عنها حتى في ظل انتشار جائحة كورونا، رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية من التجمعات، ودورها في زيادة العدوى والإصابات.

أما على صعيد الأسواق، فقال حجازي لرصيف22 إنه لم يصدر حتى اللحظة قرار بإغلاق الأسواق، نظراً لمحدودية الإصابات، وبالتالي فإن فكرة النزول إلى السوق خلال شهر رمضان لشراء حلوى "القطايف" والتبضع بالاحتياجات هو أمر ضروري وملح لجميع السكان، على اعتبار أنه أحد الطقوس التي اعتاد الناس ممارستها خلال هذا الشهر، مع ضرورة الحذر من الاكتظاظ.

ولم يفتك فيروس كورونا بزينة رمضان في غزة، حيث تشهد أسواق القطاع انتشاراً ملحوظاً لباعة الزينة والفوانيس، فيما بدأ الناس يزينون بعض الحارات بأحبال الزينة المضيئة، وآخرون بدأوا بتزيين شرفاتهم وأسطح مساكنهم.

فيما يختلف الأمر في الضفة الغربية التي لم تصل فيها الإصابات إلى 300 حالة بعد حتى كتابة هذا التقرير، وفق ما قالته مي كيلة، وزيرة الصحة الفلسطينية.

وعلى ضوء منع التجمعات في الأسواق وفرض حظر التجوال، طمئنت الحكومة الفلسطينية في رام الله، على لسان وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي، مواطني الضفة الغربية: "أن هناك وفرة في السلع ومخزوناً تموينياً يلبي احتياج المواطنين من 3 إلى 6 أشهر".

وأضاف العسيلي في مؤتمر صحافي: "مستعدون لتلبية احتياجات السوق خلال شهر رمضان المبارك، لذلك لا داعي للقلق".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image