انتشرت مصانع المنظفات الصناعية والكحول مجهولة المصدر في السنوات الأخيرة بشكل متزايد، والتي ضاعفت من إنتاجها منذ ظهور فيروس كورونا، وازدياد الطلب عليها، رغم معارضة ذلك للقرار الوزاري رقم 113 لسنة 1994، الذي نصّ على حظر تداول السلع مجهولة المصدر أو غير المصحوبة بالمستندات، وحظر عرضها للبيع أو حيازتها بقصد الاتجار، وكل من يخالف أحكام هذا القرار يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه، أو بإحدى العقوبتين، وتُضبط الكميات موضوع المخالفة، ويُحكم بمصادرتها وإعدامها.
"لا أتحمّل عبء الترخيص"
علي فوزي (45 عاماً) اسم مستعار، حاصل على دبلوم زراعي، وصاحب "مصنع" غير مرخَّص بإنتاج المنظفات الصناعية في المقطم في محافظة القاهرة، يبرّر في تصريح لرصيف22 لجوءه لإنتاج المُنظِّفات دون ترخيص، قائلاً: "لو فكرت أفتح مصنع، وأحصل على تصريح لبيع منتجاتي، سيكلفني ذلك سجلاً تجارياً وضريبياً، وتحويل الشقة من مسكن إلى نشاط تجاري، ما سيرفع أيضاً من فواتير الكهرباء، والمياه، والغاز الطبيعي، وما نكسبه من تجارتنا هذه لا يكفي تحمُّل كلّ هذه الأعباء".
فوزي يسكن في حي شعبي في منطقة المقطم، حوّل مسكنه الذي يمتلكه في "الدور الأرضي" إلى مصنع لإنتاج المنظفات الصناعية والكيماوية، بغرض الاتجار فيها، ومع إعلان منظمة الصحة العالمية أن الكحول من العناصر التي تقضى على الفيروس المستجد المسمى بوباء كورونا، دخل هو الآخر ضمن الصناعات التي تتمّ فيما يسمى في مصر "مصانع بير السلم".
يقول فوزي عن طبيعة عمله: "عملنا الأساسي هو إنتاج المنظفات الصناعية، كمزيلات البقع من الملابس والكلور ومساحيق الغسيل التقليدية والصابون السائل، وننتج كرتونة أو كرتونتين من الكحول كل شهر للاستخدام العادي، لكن مع انتشار وباء كورونا، وزيادة الطلب على الكحول، أصبحنا نصنع 4 كراتين من الكحول يومياً، كل كرتونة بها 12 زجاجة، سعتها واحد ليتر".
"أجورنا لا تكفي لشراء الكحول"
يشدّد فوزي على أنّ منتجاته تساعد محدودي الدخل، الذين لا يتمكنون من شراء المنتجات الكحولية المرخصة، يقول: "الكحول الذي ننتجه سعره ثلاثون جنيهاً للزجاجة فيما يباع المنتج الأصلي منه بـ 450 جنيه لكل زجاجة، بعد أن كان سعره قبل انتشار كورونا 130 جنيه، لذلك نوفر الكحول لمحدودي الدخل، ممن هم غير قادرين على شراء المنتج الأصلي، بالتأكيد هناك تفاوت في نسبة التركيز بين منتجنا والمنتج الأصلي من الكحول، لكن الغلابة يشتروا الأصلي أزاي ومرتبهم الشهري ميجبش 3 زجاجات منه بالسعر الحالي".
"لو فكرت أفتح مصنع، وأحصل على تصريح لبيع منتجاتي سيكلفني ذلك سجلاً تجارياً وضريبياً، وتحويل الشقة من مسكن إلى نشاط تجاري، ما سيرفع أيضاً من فواتير الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي، وما نكسبه لا يكفي تحمل كل هذه الأعباء"
بينما يقر مينا سامي (32 سنة)، خريج كلية "خدمة اجتماعية"، متزوج وأب لطفلين، ويعمل متخصصاً في تصنيع وإنتاج المنظفات والكحول غير المرخصة، في حديثه لرصيف 22، بأنّ المنظفات الصناعية غير المرخصة تضر الصحة، وتسبب العديد من الأمراض الجلدية، وآثار بعيدة المدى على التنفس ورئة الانسان، لكن سعرها الزهيد يجعل الاقبال عليها مستمراً.
ويؤكد مينا، الذي يعمل في مصنع لبيع المنظفات بمدينة العاشر من رمضان، بأن المكسب من المنظفات غير المرخصة كبير جداً، يفوق الربح في المنتجات الأصلية، فلا يتكلف إنتاج برميل الكحول سوى 500 جنيه، بينما يعبئ هذا البرميل 100 زجاجة يتم بيعها بـ 3000 جنيه، موضحاً أن صاحب المصنع الذي يعمل لديه متعاقد مع مكتب توريدات لتوفير زجاجات التعبئة فارغة ومطبوعة ومغلفة، وسعر الزجاجة ثلاثة جنيه فقط."الكحول المغشوش خطير جدا"
يعلق الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية لرصيف22 على وجود، وانتشار تلك المصانع غير المرخصة، أن المشكلة لا تتعلق بالكحول المغشوش فقط، وإنما بالكحول الأصلي المرخص أيضاً، حيث أن منظمة الصحة العالمية اشترطت وجود نسبة تركيز لا تقل عن 62 % ولا تزيد عن 71 % حتى يتمكن من محاربة فيروس كورونا، وبعض الكحوليات المرخصة والتي تباع لهذا الغرض نسبة تركيزها 40 % أو أقل، وهذا ناتج عن عدم التوعية، ليس كل كحول يقوم بدور المعقم ضد الفيروس.
وبالعودة للكحول المغشوش، يقول عوف: "الكحول المغشوش خطير جداً على صحة المجتمع، بعض المنظفات والكحوليات تحتوي على مادة التريكلوسان التي تزيد من خطورة الإصابة بالسرطان، وتأثر أيضاً على الجهاز المناعي، الجهاز العصبي، الحساسية وتهيج الجلد، ويجب أن تتصدى الدولة لهذه المنتجات التي تسبب على المدى البعيد مرض السرطان، نظرا لاحتوائها على مواد كيماوية بدرجات عشوائية، بعيداً عن الضوابط الصناعية لإنتاجها، وبعض هذه الكحوليات إذا لامست جرحا سطحياً فأنها قد تتسبب في تلف خلايا العضو المصاب وتلوثه، ما يحتاج في بعض الأحيان لعملية بتر".
ويرجع عوف إقبال الناس على الكحول المغشوش المنتج من "مصانع تحت بير السلم" إلى عدة أسباب، أبرزها "نقص الكميات المطروحة في السوق من المنتج الأصلي نتيجة الزيادة المفاجئة في الطلب عليه، وثقافة الاقتناء لدى بعض الأشخاص، فيعمد لشراء عدد كبير من العبوات، ما يسبب فجوة بين ما هو معروض وما هو موجود، وغياب الرقابة عن بعض التجار، ما يجعلهم يرفعون أسعار المنتجات الأصلية بشكل مبالغ، يفوق قدرة محدودي الدخل على الشراء، وكذلك شراء بعض الصيدليات الكحول المغشوش من التجار وبيعه على أنه أصلي، مستغلين في ذلك ثقة المستهلك في الصيدلية".
وقد تدخلت مصانع الجيش المصري في أزمة غلاء أسعار منتجات الكحول المرخصة، ووفرت منتجات بأسعار في متناول شرائح كثيرة من الناس، ولكنها لم تصل إلى مناطق كثيرة في مصر.
وقد صرّح محفوظ رمزي، رئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة صيادلة القاهرة، عضو مجلس إدارة شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، لصحيفة محلية إن 50% من المنظفات التي تباع في محال المنظفات وعلى الأرصفة تصنع في مصانع بير السلم، وليس عليها أي رقابة صحية، موجها تحذيراً للمواطنين من استخدام الكحول الطبي وهو الكحول الإيثيلى، وليس الميثانول الذى يسبب مشاكل صحية كبيرة لمستخدميه، ويتم تصنيعه من مواد خام على الأرصفة، وتعبئته في زجاجات على صورة جيل مطهر أو كحول خام، مع لزق الستيكرز على الزجاجة، وبيعه للمواطنين في محال ومراكز المنظفات.
وأشارت هيئة الرقابة الإدارية، في بيان لها نُشر في 22 مارس الماضي، أنَّ حملاتها أسفرت عن ضبط عدد من المنشآت التي تقوم بتصنيع، وبيع المستلزمات الطبية، والمنظفات، والكحول غير المطابقة للمواصفات.
وذكر البيان أن الحملات أسفرت عن ضبط بعض المنشآت غير المرخصة التي تقوم بتصنيع وبيع المستلزمات الطبية والمنظفات غير المطابقة للمواصفات، وكذلك بعض التجار وأصحاب الصيدليات التي خزنتها وامتنعت عن بيعها طمعاً في مضاعفة المكسب.
"لا أصدق بيانات الحكومة"
لا يصدق حمدي فتحي، اسم مستعار (52 عاماً)، وهو مدرس بأحد المدارس الثانوية، وصاحب مصنع لإنتاج المنظفات الكيماوية بمدينة 6 أكتوبر، البيانات والأرقام الرسمية التي تنشرها هيئة الرقابة الإدارية، يقول عن العلاقة التي تجمعه مع مسؤول الحكومة المنوط به مراقبة نشاطاته: "البلد مليانة مصانع غير مرخصة للمنظفات وغير المنظفات، وكله بالفلوس بيمشي، بيعدي علينا كل شهر مندوب من الحي تابع للحكومة يشرب الشاي، وياخد اللي فيه النصيب ويمشي حاله وحالنا، هو موظف الحي لو عملنا محضر حايكسب إيه؟ إنما بالحب حياخد رزق عياله ويمشي، الحكومة لو عايزة تحارب المنتجات غير المرخصة، توفر المرخص بسعر يناسب الناس الغلابة، هو معقول أن زجاجة الكحول بثمن 4 كيلو لحمة".
"البلد مليانة مصانع غير مرخصة للمنظفات، بيعدي علينا كل شهر موظف من الحكومة يشرب الشاي، وياخد اللي فيه النصيب، وهو موظف الحي لو عمل لنا محضر حيكسب إيه؟ إنما بالحب حياخد رزق عياله ويمشي" صاحب مصنع في مدينة 6 أكتوبر
ويتابع فتحي بأن المصنع الذي ينتج فيه المنظفات هو مرخص كمحل تجاري لبيع الصابون وأدوات التنظيف، لكنه ملحق به مخزن في الخلف يتم تصنيع منتجاته التي يبيعها للجمهور، يقول مبرراً إنتاجه للكحول غير المرخص، ونافياً عن نفسه تهمة إيذاء الناس بمنتجاته: "الناس مبسوطة من المنتج والأسعار، ومفيش فرق بين الكحول اللي بنصنعه والكحول اللي الحكومة بتبيعه، غير أن كل زجاجة من بتاعتهم تشتري 15 زجاجة من بتاعتنا، وهو هو نفس المنتج والمكونات، ومفيش أي ضرر من منتجاتنا، ولو الكحول بتاعنا بيموّت ما أكيد كنا احنا أول ناس هنموت، هو مش طباخ السم بيدوقه".
ولكن الدكتور باهر السعيد، صيدلي (40 عاماً)، يحذر من استخدام المنظفات الصناعية غير المرخصة أو "المغشوشة"، حيث لا يمكن التأكد من صحة المكونات بسبب غياب الرقابة، وعن أضرارها الصحية، يقول السعيد لرصيف22: "ظهور بقع سوداء على الجلد واحمرار شديد به، ألم شديد في القصبة الهوائية، تورم في الجلد، عدم القدرة على التركيز، ضيق شديد في التنفس، التعرض لالتهاب شديد في العين، ويصاحبه احمرار بها، والتعرض لالتهاب شديد في الأنف".
ويذكر أن سمير البطيخى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، طالب في منتصف إبريل الماضي الحكومة بسرعة الانتهاء من قاعدة البيانات الخاصة بالمصانع غير المرخصة، والعمل على تقنينها، مشيرا إلى أن المؤشرات الأولية تقول أن أعدادها يفوق المصانع المرخصة.
وفي منتصف شهر سبتمبر 2019، تقدَّم عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، طارق متولي، بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء بسبب انتشار المصانع غير المرخصة في مجال تصنيع المنظفات السائلة، محذرا من تأثيرها على الصحّة العامة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون