في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومة التركية تدابير احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا، تواجه فئة كبيرة من الشباب العرب المقيمين في تركيا أزمة بطالة، على ضوء التوقف المفاجيء عن العمل.
يلزم غالبية الشباب العرب، مثل غيرهم، مساكنهم هذه الأيام، والكثير منهم لا يغادرون إلا للضرورة القصوى، إثر فرض حظر التجوال على من تقل أعمارهم عن عشرين عاماً، مع عدم السماح للتجمعات في الأماكن المفتوحة، بما فيها الشوارع، إلى جانب إجراءات أخرى تبنتها الحكومة التركية قبل أيام للحيلولة دون تفشي الوباء.
تراجُع ضجيج إسطنبول يعكس في حقيقة الأمر التوقف شبه الكامل لمظاهر الحياة، بما في ذلك عجلة الاقتصاد، وبالتالي يواجه العمال العرب، أصحاب الدخل المحدود، مخاوف كبرى نتيجة عجز الغالبية عن تحمّل الأعباء المعيشية، فضلاً عن العجز عن توفير قيمة إيجار المساكن.
"أصحاب العمل أغلقوا مشاريعهم"
يقول عامر العروقي، وهو فلسطيني مقيم في إسطنبول، إن الفلسطينيين المقيمين في تركيا مهددون بإخلاء مساكنهم في حال عجزهم عن دفع قيمة الإيجار المستحقة على كاهل كل منهم، وأشار إلى أنهم معرضون للفقر أيضاً، نظراً لامتناع أرباب العمل عن استقبالهم في ظل إغلاق المتاجر والشركات.
وقال العروقي، الذي يعمل في حقل الإعلام، لرصيف22: "إن الشباب العرب العاملين في تركيا، وخصوصاً في إسطنبول، يواجهون أزمة خطيرة.. البلد تعطلت بالكامل، ولم يعد هناك فرص عمل، الشباب الآن يعانون من التفكير بكيفية دفع الإيجار، وتوفير الطعام، الدواء أو مستلزمات السلامة والوقاية، نتيجة عدم توفر الأموال لديهم".
"استمرار الحال على ما هو عليه يُهدّد بقاء الشباب العرب في تركيا، وخاصة أن معظمهم هاجروا إلى هنا بحثاً عن فرص عمل لمساعدة أسرهم"
وأضاف العروقي أن متوسط ما يتقاضاه الفرد من معظم العمالة العربية، بحسب احتكاكه بهم، 1500 ليرة تركي (300 دولار)، وهو مبلغ زهيد لا يغطي كافة احتياجاتهم، ولهذا يقيمون في شقق مشتركة، مع مجموعة مكونة من ثمانية أفراد على الأقل من جنسيات مختلفة.
وشدَّد العروقي على أن استمرار الحال على ما هو عليه يُهدّد بقاء الشباب العرب في تركيا، وخاصة أن معظمهم هاجروا إلى تركيا بحثاً عن فرص عمل لمساعدة أسرهم.
"هناك الكثير قدم من قطاع غزة إلى تركيا، معظمهم يعملون في التجارة، والبعض الآخر يسعى للهجرة إلى أوروبا للبحث عن مستقبل أفضل، غير أن تفشي فيروس كورونا يحول دون ذلك الآن".
ولفت العروقي إلى أن الكثير من الشباب من أبناء قطاع غزة يرفضون العودة إلى مسقط رأسهم، خشية من احتمال نقل الفيروس إلى عوائلهم المحاصرة هناك، وهم عالقون الآن.
ويضيف العروقي: "المشكلة هنا إذا لم تعمل فإنك ستموت جوعاً.. إذا لم تدفع قيمة الإيجار خلال أسبوعين سوف يلقى بك في الشارع.. نحن لا نعمل منذ ثلاثة أسابيع ونحتاج ما يقارب 500 ليرة كحد أدنى لدفع قيمة إيجار مسكن مشترك، والشباب عاجزون تماماً الآن عن الدفع، ولهذا علينا أن نتكاتف جميعاً لدعم بعضنا البعض".
وطالب العروقي الجهات الفلسطينية المعنية، وبخاصة الجمعيات الفلسطينية الكبرى، ورجال الأعمال، بأن تتضافر جهودهم من أجل رعاية الشباب المقيمين هناك، وشدد على ضرورة أن تقدم السفارة الفلسطينية مساعدة للجالية الفلسطينية في مثل هذه الظروف.
ويتجاوز عدد العرب المقيمين في تركيا 5 ملايين، بينهم أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري ورجال أعمال وطلبة، بحسب بيان "الجمعية العربية" في إسطنبول.
"منشغلون بكورونا عن مساعدتنا"
مهاب عبد السلام، سوري الجنسية، يقيم في تركيا ويعمل في مهنة حياكة الستائر، يقول لرصيف22 إنه متعطِّل عن العمل منذ قرابة الشهر، وذلك إثر توقف الصناعات والمحال التجارية، وأنَّ حاله هو حال غالبية الشباب اللاجئين من سوريا.
وأضاف عبد السلام، الذي غادر حلب قبل ثلاث سنوات متجهاً إلى إسطنبول بحثاً عن فرصة عمل وحياة أفضل: "تأثَّر غالبية العمال السوريين بسبب تفشّي فيروس كورونا، ومنذ أن اتخذت السلطات إجراءات احترازية، توقفت عجلة الإنتاج، ولم يعد هناك فرص للعمل".
وأبدى عبد السلام مخاوف من استمرار التوقف عن العمل لمدة أطول، وبخاصة أن غالبية العمال العرب يعيشون على الأجر اليومي الذي يتقاضونه، مشيراً إلى أنه ليس لديه فرصة كلاجئ لمغادرة تركيا الآن، رغم أنه يطمح لحياة أفضل، وأن أقصى ما يمكن أن يفعله الآن هو أن يكثف جهده للبحث عن فرصة عمل جديدة.
وقال عبد السلام بلكنة حلبية: "لا شيء يلوح في الأفق، ومثل ما بقول المثل تاركينها ع الله.. الصرف حاليا من هل كم ليرة يلي كانت مخبايه للأيام السودا".
"لا أحد يدعمنا الجميع منشغل بالوباء".
ونفى عبد السلام وجود دعم للعمال السوريين في هذا التوقيت، نظراً لأن الجميع مشغول بالوباء.
وقدم نشطاء فلسطينيون وسوريون على وجه الخصوص، مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل مساعدة هذه الشريحة الواسعة من العمال العرب، ممن يعيشون على الدخل اليومي أو الشهري المحدود.
إثر ذلك، نشطت المبادرات الفردية، مثل كفالة العائلات بتوفير المأوى أو احتواء الأسر العاجزة عن دفع الإيجار، أو توفير بعض المساعدات الغذائية أو النقدية.
"ظروفنا الاقتصادية أصعب"
تسبَّب انتشار فيروس كورونا في إفشال عمل الشابة الفلسطينية مرام أكرم، التي قدمت إلى تركيا قبل نحو ستة أشهر بهدف السياحة، ومن ثم قررت الإقامة هناك، وباشرت بالبحث عن فرصة عمل.
تقول مرام لرصيف22 إنها أجرت مؤخراً مقابلة عمل، وكان من المفترض أن تتسلم مهامها كسكرتيرة لدى إحدى الشركات، لولا أن انتشار فيروس كرورنا قد حال دون ذلك.
وعن إمكانية عودتها بسبب تبعات انتشار كورونا الاقتصادية في تركيا، تقول مرام: "الظروف الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية بالغة التعقيد، ويصعب العثور على فرصة عمل حتى في الظروف المستقرة نسبياً، فما بالك لو كان هناك حجر منزلي؟".
"لا يمكننا كعمال تحمل أعباء التوقف عن العمل لمدة تزيد عن شهر على أبعد تقدير، وإلا فإني سأواجه الجوع"
وتعول مرام على عودة الحياة إلى طبيعتها خلال الأشهر القادمة. وبينت أنه باستطاعتها المكوث حتى شهر يونيو/ حزيران المقبل، اعتماداً على مدخراتها من المال، وقالت: "إذا استمرت الحياة بهذا الشكل إلى ما بعد يونيو، ربما لن يكون بمقدوري البقاء هنا، وحتماً سأعود إلى بلدي".
وتتفق علياء أحمد، وهي تحمل الجنسية السودانية، مع مرام في التأكيد على أن استمرار الحال على ما هو عليه سيضطرها للعودة إلى بلدها.
تقول علياء، وهي معلمةً لغة عربية، لرصيف22: "ليس بمقدوري المكوث في ظلّ تعطل الحياة الاقتصادية حتى وقت طويل، لأنه ليس لدي ما يكفي من المال لتغطية نفقات المعيشة هنا، الجميع يعرف أن الحياة في إسطنبول مكلفة جداً، وتحتاج إلى مصروف كبير سأعجز عن تغطيته خلال الشهر المقبل".
"إذا استمر تعطل الحياة الاقتصادية سأعود إلى بلدي السودان".
وكان العديد من الملاك في تركيا بادروا إلى إعفاء المستأجرين من الإيجار لمدة تتراوح بين شهر و3 شهور. لكن هذا ليس حلاً من وجهة نظر قاسم أحمد، أردني الجنسية، والذي يبدي مخاوف من العودة إلى بلده إذا استمر انتشار فيروس كورونا.
وقال أحمد، الذي لم يكمل تعليمه الجامعي، ويعمل في أحد المطاعم في إسطنبول: "لا يمكننا كعمال تحمل أعباء التوقف عن العمل لمدة تزيد عن شهر على أبعد تقدير، وإلا فإني سأواجه الجوع".
وشدَّد أحمد على ضرورة أن تقوم الحكومة التركية بإيجاد حلول لشريحة العمال العرب، خصوصاً في هذه الظروف التي يصفها بـ"العصيبة".
أحمد الذي لا يتوفر لديه تصريح رسمي بالعمل، قال لرصيف22: "أغلب الشباب الذين يتجولون في الشوارع الآن هم عرب وليسوا أتراك، هم يخاطرون بحياتهم لأجل البحث عن فرصة عمل، والقلة التي لا تزال تواصل عملها لا يتوفر لديها أي ضمانات صحية تحول دون إصابتها بالفيروس".
وتضغط نقابات عمالية تركية على الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان، تتهمه بالتقاعس عن دعم العمال الأتراك، في مواجهة التداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا، مما يقلّل احتمالات تقديم دعم أو تعويضات للعمالة العربية في تركيا.
تأمين مستقبل عبر توفر فرص العمل كان الدافع الأساسي للعديد من الشباب العرب للهجرة إلى إسطنبول، إلا أن الأمور تكاد تنعكس الآن، فشرائح الشباب العرب الذين فقدوا وظائفهم يواجهون خطرين: كورونا والتشرد.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.