شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تعليقات الرجال الساخرة من الحجر... التمييز ضد المرأة يظهر في التفاصيل البسيطة

تعليقات الرجال الساخرة من الحجر... التمييز ضد المرأة يظهر في التفاصيل البسيطة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 10 أبريل 202004:46 م

اكتشفت جانباً جديداً من شخصية زوجي منذ بدء تواجده المستمر في البيت بجانبي. فاجأني كيف يتفوّه، وهو المحامي، بتعليق: "سينتهي بي الحجر الصحّي إلى القيام بإزالة شعر جسمي ورسم حواجبي".

عندما قال لها تلك الجملة، أجابته إيمان بـ"ابتسامة صفراء"، بحسب تعبيرها، و"أدرت ظهري لأكمل بعض الأعمال".

هذا التعليق لم يكن الأول من نوعه، تروي لرصيف22. قبلها قال لصديقه متذمراً عبر الهاتف: "شهران آخران هكذا وتأتيني العادة الشهرية". تقول: "ضحكت وقتها". ولكن بعد ذلك، صارت أسئلة كثيرة تزدحم في رأسها: "هل يسخر من بقائي في البيت ومن اهتمامي به؟".

تصف تعليقاته الجندرية بأنها "مستفزة" وتؤكد أن كلماته تركت أثراً سلبياً في نفسها، "كلمات يظنّها هو بسيطة وأراها أنا مهينة".

وبسبب أطول حجر صحي تعرفه تونس في عصرها الحديث يجد عدد كبير من الرجال أنفسهم عالقين في منازلهم، ويعانون من صعوبة في التكيّف مع تغيير عاداتهم اليومية وابتعادهم عن الفضاء العام.

وعلى غرار عدة دول، أقرت تونس حجراً صحياً شاملاً منذ 20 آذار/ مارس لمواجهة تفشي فيروس كورونا، وعلّقت حركة التنقل بين المدن. وكان رئيس الحكومة التونسي قد أعلن قبل ذلك اتخاذ إجراءات احترازية أخرى منها إغلاق الحدود الجوية والبرية أمام الرحلات التجارية وإغلاق الأسواق والحمامات العامة وإيقاف التظاهرات الرياضية والفنية ومنع التجمهر.

ومن أصل نحو 11 مليون تونسي، يُستثنى من الحجر الصحي العام مليوناً فقط من العاملين في القطاعات الحيوية كقطاعات الغذاء، الصحة، الإدارة، النقل، الاتصالات، الإعلام والنظافة، والأنشطة الصناعية الحيوية في القطاعين العام والخاص.

هذا الواقع المستجدّ عكسته تعليقات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منصات لتبادل النكات والسخرية من الوضع الجديد، وأساس هذه النكات تشابيه مستقاة من تساوي الرجال مع زوجاتهم وبناتهم وأمهاتهم في المكوث في المنزل.

بعض هذه التعليقات خفيف الظل ولكن جزءاً كبيراً منها مهين للمرأة ويختزن عنفاً ضدها واحتقاراً لما تقوم به من أعمال منزلية، وفق القسمة السائدة في المجتمع التونسي ومعظم المجتمعات العربية.

وما تعانيه المرأة التونسية بسبب سياسة الحجر الصحي لا يقتصر على تعليقات مهينة تتلقاها. فقبل أيام، أعلنت وزيرة المرأة التونسية أن عدد الإشعارات المقدمة من نساء معنفات على الرقم التابع للوزارة والمخصص للتبليغ عن وقائع العنف المنزلي، تضاعف خمس مرات، خلال الفترة الممتدة بين 23 و27 آذار/ مارس، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.

وأشارت الوزيرة إلى أن وضعية الحجر الصحي العام وحظر التجوّل للحد من تفشي فيروس كورونا تسبّبت في خلق مشاكل، بسبب الضغط النفسي داخل العائلة، محذّرة من أنها قد تتحوّل إلى عنف مادي ولفظي.

تعليقات ساخرة على مواقع التواصل

ربما ركب زوج إيمان موجة السخرية العامة التي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي بعد إعلان الحجر الصحي العام.

فقد انتشرت تعليقات مثل "الواحد من القعدة في الدار قريب يتعلم الطريزة"، "جمعتين أخرين في الكوجينة نلبس حجاب ونقد ظوافري، لا تربحك يا خفاش"، وهي تعليقات باللهجة التونسية تعني أن الرجال من فرط بقائهم في البيت سيتعلمون الخياطة والاعتناء بجمالهم وأظافرهم.

تعليق آخر يسخر من مطالبة المرأة بالمساواة تناقله كثيرون على صفحاتهم يقول: "ظلّت المرأة تنادي بالمساواة، حتى جلسنا جميعاً في البيت".

فاجأني كيف يتفوّه، وهو المحامي، بتعليق: "سينتهي بي الحجر الصحّي إلى القيام بإزالة شعر جسمي ورسم حواجبي". قبلها قال لصديقه متذمراً عبر الهاتف: "شهران آخران هكذا وتأتيني العادة الشهرية"

هذه عيّنة صغيرة من تعليقات كثيرة انتشرت على فيسبوك بعد الحجر، وتردّها الأخصائية النفسية وفاء بنعانس إلى "محاولة خلق شعور بالرضا عبر استخدام الفكاهة"، وتقول لرصيف22: "تزيد هذة النكات الإحساس بالراحة والمتعة العاطفية والنفسية وهو ما من شأنه أن يُضاعف منسوب التفاؤل لدى الأفراد ويخفف الشعور بالضغط والتوتر".

قراءة بنعانس للمسألة ليست سلبية لأنها إلى حد كبير غير واقعية، فـ"الصورة التي ترسمها التعليقات عن المرأة التونسية هي صورة للمرأة قديماً، أي قبل خمسين سنة، ولا تنسجم مع واقع المرأة ودورها اليوم"، مشيرة إلى أن "استدعاء هذا النمط المحفور في ذاكرة الرجل وفي موروثه الثقافي جاء لغرض التسلية البحتة، لأن التشابيه التي يطلقونها في هذه التعليقات هي تشبيهات غير واقعية".

وبرأيها، "الظرف الذي نعيشه اليوم هو الذي دفع الرجل إلى استدعاء هذه الصورة للترويح عن نفسه والسخرية من وضعه الجديد".

صورة نمطية للمرأة لم تغادرنا

النكتة الاجتماعية عرف إنساني تشترك فيه كل الثقافات الإنسانية منذ القدم، وهي ليست تعليقات محايدة بل يمكن اعتبارها مرآة تعكس فكر المجتمعات ومعتقداتها وما يحدث فيها من تغييرات، ويمكن أن تقول ما لا تقوله الأبحاث العلمية والدراسات.

وكغيره من شعوب العالم، لجأ الشعب التونسي إلى التندّر والسخرية كمنفذ لتجاوز المراحل الصعبة التي مرّ بها بسبب الإرهاب وصراعات الأحزاب والأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وترى أستاذة علم الاجتماع فتحية السعيدي أن التعليقات الساخرة تستند دائماً إلى النظرة الاجتماعية الموجودة بشأن تقسيم الأدوار، وهي نظرة تكرسها التربية داخل الأسرة والتنشئة الاجتماعية...

"تعكس بواطن ذكورية والجانب اللاواعي في شخصيات متداولي هذه النكات"... موجة سخرية عامة تجتاح شبكات التواصل الاجتماعي بعد إعلان الحجر الصحي وتتحدث عن أن الرجال من فرط بقائهم في البيت سيتعلمون الخياطة والاعتناء بجمالهم وأظافرهم...

وبرأيها، لا تزال سائدة الثقافة التي تعتبر أن المرأة تنتمي إلى الفضاء الخاص (البيت) أما الفضاء العام (الشارع، المقاهي، الأماكن العمومية، وسائل النقل...) فهو ملك للرجل وحكر عليه.

وتقول لرصيف22: "نحن هنا إزاء نظرة دونية قائمة على التجاهل والإقصاء وتقزيم قدرات المرأة وإمكانية اضطلاعها بالأدوار الكبيرة، وهذا طبعاً إقصاء لها من الفضاء العام".

وتضيف: "كون التعليقات تُعَدّ تنفيساً انفعالياً بحكم الظرف الخاص الذي نعيشه لا ينفي عنها الدلالة في معناها، فهي تعكس بواطن ذكورية والجانب اللاواعي في شخصيات متداولي هذه النكات، إذ يرى سيغموند فرويد أن النكتة نوع من التعبير عن اللاشعور والأفكار غير المعلنة، وهي أحياناً تعبير عن دوافع جنسية أو عدوانية مكبوتة".

قد يجد الناس خلال الأوقات العصيبة في التنكيت وسيلة فعالة للتغلب على قهر اللحظة، وتجاوز الروتين، ولكنه يعري قناعاتنا وأحكامنا وأفكارنا التي نخفيها بعناية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard