"ليس من عادة النساء في الأرياف أن يرثن"، هكذا تقول لمياء (اسم مستعار)، فأمها حصلت فقط على 800 دينار وبعض الهدايا من إرث أبيها. كان ذلك قبل عشرة أعوام، في حين أن حقها حسب القانون يفوق ذلك بكثير فجد لمياء كما تقول كان فلاحاً كبيراً وكان بإمكان ابنته أن ترث ما يحقق لها ولأولادها الاكتفاء ويساعدها على تجاوز مشاكلها المادية خاصة بعد طلاقها.
تؤكد لمياء أن جدتها قاطعتهم عندما طالبت أمها بحقها في الميراث، لأنها تعتبر أن المرأة إذا تزوجت برجل تصبح تابعة له وهو من عليه أن يتكفل بالإنفاق عليها، كما ترفض أن يقتسم رجل غريب أملاكهم.
تتمنى لمياء أن يتم تمرير قانون المساواة في الميراث والمصادقة عليه بعد أن ووجِه برفض تيارات سياسية وشعبية له، فيما يحتاج لشخصية رئيس قوية تدافع عنه بشراسة بعد الكم الكبير من التشويه الذي طال بنوده.
تبدو أمنية لمياء بعيدة المنال، بعدما ظهر أن فوز الرئيس الحالي قيس سعيد بالانتخابات الرئاسية - وهو الرافض لفصل المساواة في الميراث بحجة أن"النص القرآني واضح وغير قابل للتأويل"، أشبه بعقبة كبيرة أمام تمرير القانون.
الظلم في مسألة الميراث ليس مشكلة المرأة التونسية الوحيدة مع قانون الأحوال الشخصية، إذ ترى الحقوقية وأستاذة القانون منية بن جميع أن هناك نقصاً في النصوص القانونية وثغرات في عدة فصول في مجلة الأحوال الشخصية تُعيق تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة على أرض الواقع.
في مسألة الحضانة، لا يزال هناك تمييز بين الأب والأم، إذ تفقدها الأخيرة في حال تزوجت برجل ليس من محارم الطفل، كما يُعطي الفصل الثالث عشر من القانون للزوج الحق في إجبار الزوجة على البناء (إقامة علاقة جسدية) إذا دفع مهرها، وهو ما تعتبره غالبية المنظمات النسائية اغتصاباً زوجياً فهناك من يطلقن دون إقامة علاقة في حال عقد القران والانفصال قبل مراسم الزواج.
يُضاف لما سبق مسألة الولاية على الأبناء، حيث تُطالب المنظمات النسائية بولاية مشتركة بين الأب والأم، وكذلك في مسألة الجنسية التونسية حيث تسعى المنظمات النسائية لإلغاء التمييز في مسألة منح الجنسية للأبناء، حيث لا يحق للأم التونسية منح الجنسية لأولادها إذا كانت خارج البلاد ومتزوجة من أجنبي.
وكان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قد أعلن، في الثالث عشر من آب/ أغسطس عام 2017، عن إلغاء منشور 1973 الذي يمنع التونسية من الزواج من غير المسلم، في خطوة منحت المرأة التونسية مزيداً من الحرية والاستقلالية. وبعد قراره ذاك، انقسمت المواقف بين مؤيد ومعارض لهذا الإجراء، كما حصل مع مسألة المساواة في الميراث التي أعلن عنها في التاريخ نفسه ضمن تقرير لجنة الحريات، لكن لم يُكتب لها التحقق لأسباب عدة منها وفاة السبسي.
مشهد سياسي جديد
أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس تيارات سياسية جديدة بعضها أحزاب محافظة عُرِفَ نوابها بمواقفهم المتشددة إزاء شؤون المرأة، بينما أثار تحقيق هذه التيارات لمراتب متقدمة في السباق الانتخابي المخاوف حول شكل التعاطي مع الحريات الفردية على مدار السنوات الخمس المقبلة، في ظل غياب أي تصريحات مشجعة من قِبل المسؤولين عن تلك التيارات.
رغم ما حققته المرأة التونسية من مكاسب، فإن حقوقها لا تزال منقوصة، إذ تعاني من تمييز في أمور كثيرة كالحضانة والولاية ومنح الجنسية والمساواة الوظيفية... تتصاعد مخاوف النساء في ظل البرلمان الحالي بتياراته المتشددة، بموازاة نقص في حملات التوعية
من بين تلك التيارات يأتي "ائتلاف الكرامة" (يُعد النافذة الخلفية لحركة النهضة الإسلامية) الذي حلّ رابعاً في ترتيب الأحزاب الفائزة بـ19 نائباً بعد الاستقالات، فيما حصل "حزب الرحمة" (نوابه عُرفوا بمواقفهم المتشددة) على أربع مقاعد قبل استقالة نائبين، عدا حركة النهضة التي اعترضت سابقاً على تمرير تقرير لجنة الحقوق والحريات الفردية.
وتُجاهر هذه الأحزاب بمواقفها الرجعية إزاء المرأة، حتى أن تصريحات بعض نوابها لا زالت محل تندر بعض التونسيين حتى الآن.
في البرلمان رئيس "حزب الرحمة" سعيد الجزيري، وهو صاحب مقولة أن المرأة التي يقوم بتوليدها رجل تحس بالمتعة الجنسية، وكان إلى جانبه - النائب المستقيل مؤخراً - عن "ائتلاف الكرامة" رضا الجوادي الداعي لتطبيق مبدأ تعدد الزوجات رغم منعه في تونس منذ عام 1956 وهو ذاته الإمام الذي استضاف الداعية المصري وجدي غنيم المعروف بفتوى ختان البنات، بل وتم اختياره من قبل نواب حزبه ليكون نائب رئيس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في مجلس نواب الشعب.
ولجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية هي أحد لجان البرلمان التسع المختصة بالنظر في مشاريع القوانين والمقترحات المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان.
وتواصل حركة النهضة تصدرها للمشهد، مقابل غياب أي قوة سياسية ليبرالية تضاهيها حجماً، وهو ما زاد المخاوف من تعطل المسار الحقوقي والاجتماعي للمرأة في تونس.
يُذكر أن موقف حركة النهضة من مسألة المساواة في الميراث كان الرفض القطعي، وقد اعتبره القيادي في الحركة عبد الفتاح مورو، المعروف بكونه الأكثر شعبية واعتدالاً، تهديداً للوحدة التونسية، معلّقاً بأنه "قانون خطير" و "مشروع ممزّق للشعب في صيغته التي قُدِم بها".
مخاوف متصاعدة
تثير هذه المستجدات قلق عدد من التونسيين، لا سيما ناشطات المجتمع المدني اللواتي ناضلن لعقود من أجل أن تنال المرأة حقوقها كاملة، ولهذا يواصلن الحراك تحسباً لأي تهديدات ممكنة في ظل البرلمان الجديد.
لا يزال هناك تمييز بين الأب والأم التونسية في الحضانة، إذ تفقدها الأم إذا تزوجت من غير محارم الطفل، كما يُعطي القانون للزوج الحق في إجبار الزوجة على البناء (العلاقة الجسدية) إذا دفع مهرها، ولا يحق للتونسية منح الجنسية لأولادها إذا كانت خارج البلاد ومتزوجة من أجنبي...
وتعمل الناشطات على المطالبة بقوانين تساوي المرأة بالرجل لإلغاء التمييز، فرغم وجود تشريعات عدة تحمي النساء أبرزها قانون تجريم العنف ضد المرأة فإن المساواة بينها وبين الرجل لم تتحقق على أرض الواقع، إذ أن نسبة البطالة لدى الإناث هي ضعف نسبتها لدى الذكور تقريباً، ويرافق ذلك انخفاضٌ في نسبة ارتقاء النساء إلى الخطط الوظيفية (حيث لا يتعدّى 29.7 بالمئة). بالاضافة إلى عدة مظاهر أخرى، كالعنف المادي واللفظي والتحرش الجنسي والاغتصاب.
تشرح بن جميع أن غياب المساواة داخل العائلة أو في الوطن تجعل الحقوق منقوصة وذلك ناجم عن نقص القوانين، قائلة: "نحن إزاء نظام ذكوري، وطن وجنسية مبنيان على أساس الذكورية، في الوقت الذي تستعد فيه المرأة التونسية في آب/ أغسطس للإحتفال بمرور 64 عاماً على صدور مجلة الأحوال الشخصية، وهو التاريخ الذي اقترن بالإحتفال بالعيد الوطني للمرأة".
وفي الممارسة السياسية، يُلحظ غياب التناصف في البرلمان الذي تنص عليه المجلة الانتخابية، إذ تراجع تمثيل المرأة إلى 23 في المئة في البرلمان الحالي بعد أن كان 36 في المئة في البرلمان السابق.
كما ظل تمثيل النساء في الحكومة الجديدة ضعيفاً بـ6 وزيرات (19 في المئة) في حين كانت 8 وزيرات عام 2017.
تشريعات غير ملائمة
كان إصدار مجلة الأحوال الشخصية قراراً سياسياً وخياراً تحديثياً جعل المرأة عنصراً فاعلاً في المجتمع وأخرجها من السيطرة المطلقة للعائلة والزوج، لكنها مع ذلك لم تصل إلى حدّ المساواة التامة مع الرجل في الحقوق كما نصّ على ذلك إعلان الجمعية العامة لحقوق الإنسان ونصّت مجموعة المواثيق الدولية الأخرى.
"عدد من التونسيين يعتبرون أن بعض القوانين جاءت بطلب سياسي جمعياتي ولا تعبر عن مطالب المجتمع الحقيقية، وهو ماخلق عدم تلاؤم بين أولويات القوانين وأولويات المجتمع".
ويختلف وضع النساء في تونس بين المدن والأرياف، وتقول المختصة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري إن هناك عنفاً اقتصادياً يمارس على المرأة على غرار ما يحصل للعاملات في القطاع الفلاحي حيث يتلقين أجراً أقل من الرجل، بالإضافة إلى أن هناك أعمال لا يقبل الرجل القيام بها كالتقاط الزيتون من تحت الأشجار.
وفي الوظيفة العمومية أيضاً، بحسب التاجوري، تعاني المرأة من التمييز على أساس الانتماء السياسي، في ظل واقع اجتماعي جديد، شارحة: "حين تكون المرأة في وظيفة عمومية يتم إقصاؤها من مواقع القرار أو حرمانها من الترقية بسبب طبيعة انتمائها السياسي، كما أن المرأة لا تصل الى مواقع سياسية متقدمة بشكل مماثل للرجل".
وتأسف المختصة في علم الاجتماع على واقع وجود ترسانة من القوانين الهامة إلا أنها ليست مطبّقة كلها على أرض الواقع، قائلة: "غالباً ما نجد أن النساء غير واعيات بحقوقهن وهو يعود حسب التحليل السوسيولوجي لشخصية المرأة التونسية إلى الصدمة التي لا زالت تعيشها نتيجة التغيير الذي وقع، لذلك تظهر عاجزة عن الانتقال من واقعها الذي تعيشه إلى ما هو منشود في القوانين".
وتُضيف التاجوري: "طوّرنا القوانين دون تطوير وعي المرأة الذي يحتاج إلى عامل الوقت ليتغير كذلك، والقوانين لم تأخذ بالاعتبار مختلف المستويات الثقافية للنساء فلا نجد فهماً لماهية النوع الاجتماعي والمساواة، كما أن غياب القراءة النفسية والاجتماعية للمجتمع التونسي وعدم دراسة أبعاد القرارات والقوانين التي تم اتخاذها خلق عدم تقبل لهذه القوانين، وبالتالي الإشكال اليوم ليس القوانين بقدر ما هو ضرورة توعية المرأة بأهمية المساواة".
بحسب التاجوري، هناك نقطة أخرى ضرورية وَجُبَ التدقيق عليها وهي أن "عدداً من التونسيين يعتبرون أن بعض القوانين جاءت بطلب سياسي جمعياتي ولا تعبر عن مطالب المجتمع الحقيقية، وهو ما خلق عدم تلاؤم بين أولويات القوانين وأولويات المجتمع".
رغم المكاسب التي حققتها المرأة التونسية، بفضل مجلة الأحوال الشخصية وعدة تشريعات أخرى، فإن حقوقها لا تزال منقوصة إذ تعاني من التمييز في مختلف تفاصيل حياتها، ويتم ذلك بصمت منها إزاء الظلم المسلّط عليها. لذلك، لا بد أن ترافق تعديل النصوص القانونية حملات توعية للنساء في مختلف الأوساط حول ماهية المساواة وأهميتها، لتكون فاعلية هذه القانون أكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت