أعرف أن أمام وباء عالمي مثل كورونا المستجد، لن تكون الحكومات وحدها كافية للتصدي لمرض ينتشر بتلك السرعة، فالمواطن له دور في مواجهة تلك الكارثة الإنسانية، لكن ذلك لم يمنعني من إبداء قلقي في تناول الحكومات لتلك الأزمة وتحميلها للمواطن بالكُلية.
على العموم، تلك اللهجة باتت هي السائدة، فالمواطن مُطالب بكل شيء وعلى الدولة إلزامه بالجلوس في بيته، ومصر أعلنت فرض حظر التجوال الثلاثاء الماضي، وبالتوازي مع ذلك، صرح الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأنه لا تهاون مع من يخترق الحظر، مقرراً عقوبات رسمية بغرامة 4 آلاف جنيه وتصل إلى الحبس.
حين قرأت ذلك التصريح كان السؤال الذي ألح عليّ: ومن يحمي المواطن نفسه إذا تعرّض لأي انتهاكات أثناء تنفيذ هذا القانون؟ خاصة أني أعرف كيف تتعامل الأجهزة الرقابية والأمنية في مثل تلك الأوقات، فأهل مكة أدرى بشعابها.
ومن يحمي المواطن نفسه إذا تعرّض لانتهاكات أثناء تنفيذ هذا القانون؟ خاصة أني أعرف كيف تتعامل الأجهزة الرقابية والأمنية في مثل تلك الأوقات، فأهل مكة أدرى بشعابها.
ثبت ظني في أول أيام الحظر، حين وجدت نفسي شاهد عيان على هذا التطبيق، ليس بصفتي الصحفية هذه المرة، بل كون الذي اخترق حظر التجوال هو ابن عمي، ويسكن في الطابق الذي فوقي مباشرة، رفض إغلاق محله في مخالفة واضحة للقانون، فما كان من دورية قسم شرطة إلا إلقاء القبض عليه بتهمة خرق قانون حظر التجوال.
لكن في الوقت الذي اتجهت فيه عربة الشرطة لتسليمه إلى القسم التابع له، كان أشقاؤه الآخرون يجرون عدة اتصالات مع من يعرفونهم من أمناء وضباط شرطة في نفس القسم لإطلاق سراحه، وكانت النتيجة دفع ألف جنيه لبعض أمناء الشرطة الذين أفرجوا عنه، دون أي كتابة أي محضر أو أوراق تثبت أنه كسر حظر التجوال.
أكمل ابن عمي أن ثلاثة شبان كانوا معه دفعوا أيضاً، ولكن مبالغ متفاوتة بحسب ما يملكون وقتها من مال، وتم إطلاق سراحهم، ما يشير إلى أن قرار حظر التجوال تحوّل لـ"سبوبة" لبعض أمناء وضباط الشرطة، و لم تكن تلك حالة فردية، شخص آخر تعرّض لنفس الأمر بعد رفضه إغلاق محله بعد السابعة مساءً، بحسب قانون حظر التجوال، لكنه لم يستقل عربة الشرطة، ففي محله استطاع دفع مبلغ 500 جنيه، ليطالبه الضابط المسؤول عن الدورية الشرطية بإغلاق محله حتى لا يثير تساؤلات عن سبب تركه.
المسكوت عنه في حظر التجوال في مصر لم يقف عند ذلك، فحين تم فرض هذا الحظر، أعلن أسامة هيكل، وزير الدولة لشؤون الإعلام، أن الصحفيين ضمن الفئات المستثناة من حظر التجوال، نظراً لطبيعة عملهم الذي يُلزمهم بمتابعة الأحداث في مثل هذا التوقيت، منوهاً إلى ضرورة إبراز "كارنيه نقابة الصحفيين" للسلطات المختصة لتسهيل الأعمال.
تعرّض أكثر من صحافي لمضايقات أمنية، وروى صحافيون أن ضباط الشرطة لا يعترفون باستثناء مهن من حظر التجوال، ما جعلهم عرضة للحبس، فيما حكى آخرون أن بعض الضباط يعترفون بهذا الاستثناء ويدعوهم يمرون من الكمائن، ما يعني أن الأمر بات مرهوناً بضابط الكمين لا بقانون يُلزمه
ورغم هذا الحديث الواضح من وزير في الدولة، لكنه ظل حبراً على ورق، فبعد ساعات من سريان قرار حظر التجوال، تعرّض أكثر من صحافي لمضايقات أمنية في عدة كمائن شرطية، وروى صحافيون أن ضباط الشرطة لا يعترفون بهذا الاستثناء ما جعلهم عرضة للحبس، بجانب بعض الضباط الذين يطلبون "تصريح مرور" لا "كارنيه نقابة"، فيما حكى آخرون أن بعض الضباط يعترفون بهذا الاستثناء ويدعوهم يمرون بسلام، ما يعني أن الأمر بات مرهوناً بضابط الكمين لا بقانون يُلزمه، وهو ما دفع عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إلى القول إن نقيب الصحفيين سيتواصل مع وزير الداخلية لترتيب الأمور، وكان السؤال: أي ترتيب؟ فالتعليمات واضحة وطرق إبراز الهوية واضحة!
ويقع ضمن المسكوت عنه في فرض حظر التجوال بمصر، ما أعلنه محمد سعفان، وزير القوى العاملة، من صرف 500 جنيه (حوالي 32 دولار) كمنحة للعمالة غير المنتظمة، كنوع من تخفيف الآثار الاقتصادية التي طرأت عليهم بسبب فيروس كورونا وفرض حظر التجوال، وطالب من جميع من ينتمون لتلك الفئة تسجيل بياناتهم الرسمية عبر موقع وزارة القوى العاملة لتصلهم تلك المنحة.
أكتب تلك الكلمات لأننا أمام وباء عالمي يفتك بالجميع، وبالتالي حين يعرف المواطن أن كسر حظر التجوال يمكن تفاديه بمبلغ بسيط لن يحترمه، والصحافي الذي قد يتعرّض للحبس بسبب عدم تنفيذ ضباط الشرطة للقانون، لن ينزل من بيته تفادياً للكوارث
لكن ما إن بدأ مواطنون بتنفيذ ذلك حتى فوجئوا بأن موقع وزارة القوى العاملة "واقع"، ولو صادفك الحظ واستطعت الوصول لصفحته الرئيسية فجميع إجراءات تسجيل العمالة غير المنتظمة لا تعمل، رغم أن هذا هو الطريق الوحيد لتسجيل بياناتهم، وحتى كتابة تلك السطور حاولت شخصياً أكثر من مرة الدخول عليه ولم أستطع، ولا أستطيع الجزم هل سقوط الموقع "مقصود"؟ لكني أستطيع القول إن له علاقة بما سبق كيف ذلك؟
لم يكن القصد من هذا المقال اصطياد الهفوات والتربص بالأخطاء الصغيرة لتكبيرها وتضخيمها، ببساطة لأننا لا نحتاج لذلك، فالأخطاء كارثية والسكوت عليها مفروض على الجميع، بسيف الدولة القادر على قطع من يتحدث عن كل ذلك، لكني أكتب تلك الكلمات لأننا أمام وباء عالمي يفتك بالجميع، وبالتالي حين يعرف المواطن أن كسر حظر التجوال يمكن تفاديه بمبلغ بسيط لن يحترمه، والصحافي الذي قد يتعرّض للحبس بسبب عدم تنفيذ ضباط الشرطة للقانون لن ينزل من بيته تفادياً للكوارث، أما العمالة غير المنتظمة التي لن تستطيع تسجيل بياناتها، فستعرف أنها أمام نظام يكذب عليها ويتاجر بها أمام العالم، ولم يكن ينقصنا فقدان ثقة في حكامنا ليزيد هذا الأمر الطين بلة، والأهم من ذلك، هو معرفة الدولة نفسها، أن عليها أولاً أن تُلزم أجهزتها بتنفيذ القانون قبل محاسبة المواطن الذي تستطيع بسهولة أن تحبسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع