مرّة أخرى، عاد بيل غيتس لتصدّر صفحات التواصل الاجتماعي وتقارير التلفزيونات العالمية، إذ يُعاد تداول محاضرة قدّمها عام 2015، استشرف فيها أزمة قد تحلّ بالبشرية تفوق الحرب النووية خطورة.
"لسنا جاهزين للوباء المقبل، المرة القادمة قد لا نكون محظوظين لهذه الدرجة، قد يصبح لدينا فيروس يشعر المصابون به أنهم بخير، فيركبون الطائرة أو يذهبون إلى السوق"، قال غيتس، في سياق تحذيره من وباء لا يشابه إيبولا، الذي غالباً ما يكون المصاب به مطروحاً في سريره بسبب حدة المرض، قبل تمكنه من أن يعدي أحداً.
عند سؤال بيل غيتس مؤخراً عمّا إذا عمل أحد بتحذيره وتوصيته حول الأوبئة التي قدمها قبل خمس سنوات، أجاب: "لا"... واليوم، علينا أن نصغي بجدية لما يقوله غيتس وغيره من الخبراء
عند سؤال غيتس مؤخراً عمّا إذا عمل أحد بتحذيره وتوصيته التي قدمها قبل خمس سنوات، أجاب: "لا". وهو ما بات بديهياً لدى كلّ من يرى عجز حتى أقوى دول العالم وأكثرها تقدماً في المجال الطبّي، عن الوقوف في وجه، أو حتى توفير إمكانية لفحص أعراض فيروس كورونا، الذي أصاب أكثر من 874 ألف شخص حول العالم حتى اللحظة.
غيتس لم يكن وحده بين المحذّرين من عدم استعداد البشرية للوباء المقبل، ولم يأت هو وغيره بهذا التهديد من مخيّلتهم، ولا من قراءة روايات ستيفن كينغ: خلال العقدين المنصرمين فقط، شهد العالم انتشار فيروس إيبولا، فيروس زيكا، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير.
تحاول البشرية اليوم فهم فيروس كورونا وتسعى لمكافحة انتشاره السريع في نفس الوقت، هل كان الوضع ليتغير لو تعلمنا دروساً كافية من تجارب الماضي القريب؟
وإن كون العالم لم يشهد منذ الإنفلونزا الإسبانية، التي انتشرت بين عامي 1918 و1920، وأودت بحياة 50 إلى 100 مليون إنسان، وباءً على درجة عالية من سرعة العدوى ومعدّل الإماتة في الوقت ذاته، هو محض حسن حظّ وليس دليلاً على الجاهزية، كتب جيرمي كونيدينك، في مقال بمجلة بوليتيكو عام 2017: "في الحديث عن أزمة صحة عالمية كبرى جديدة، السؤال الواجب هو متى، وليس إذا.. يوماً ما سيظهر فيروس مميت ومعدٍ إلى حد كبير في آن"، يقول كونيدينك، "أي استجابة طوارئ تبدأ بفهم متين للمخاطر، سواء عنى ذلك توقّع مسار إعصار شديد أو اكتشاف كيفية انتشار فيروس جديد".
فيروس كورونا ليس بالتحديد فيروساً ذو درجة عالية من الإماتة، لكنه لا يزال مميتاً إلى حد لا يستهان به، وله قدرة على الأذى الصحي، الاقتصادي والاجتماعي على صعيد عالمي، بشكل لم تشهده البشرية منذ الإنفلونزا الإسبانية قبل مئة عام. لماذا لم تكن البشرية مستعدة لدرء انتشاره؟ ولماذا تأخرت استجابتها؟ وكيف ستتصرف حين يظهر فيروس مميت ومعدٍ في نفس الوقت؟
مرشّح الدكتوراه في قسم الفلسفة بجامعة إيموري، بينجامين بي دايفس، ومرشح الدكتوراه في قسم التاريخ بجامعة برينستون، جوناثان كايتلن، كتبا عن ضرورة إرفاق المتابعة عن كثب بتحليل الأحداث، عند النظر إلى المتغيّرات السريعة التي تجري في كلّ مكان، كما يحصل الآن مع فيروس كورونا المستجد، الذي تقاسيه البشرية وتحاول فهمه في نفس الوقت: "سوف نرتكب أخطاء لأن الأرض تتغير تحتنا"، لكنّ ذلك لا يكفي للتخلي عن "المفردات التي تؤطّر الحاضر"، كتب الباحثان.
وبين نقاط الانطلاق في هذا الاتجاه التي قدمها دايفس وكايتلن في مقالهما المشترك في موقع "السيمنار العام"، تساؤل حول إعلان أصحاب القوة حول العالم أننا نعيش في أزمة: "أزمة لمن؟"، حيث ناقش الباحثان أن إعلان الأزمات رسمياً يأتي عندما تقع سلطتهم ومصالح أصحاب الامتيازات ضمن نطاق التهديد: "الأزمة الاقتصادية الماضية بدأت قبل سنوات (من إعلانها) لدى أولئك الذين يبقيهم النظام في الأسفل".
لعل تعاطي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع فيروس كورونا، مثال عملي على ما أشار إليه الباحثان: في 26 شباط/ فبراير، قال ترامب إن هنالك 15 إصابة بالفيروس في الولايات المتحدة، "خلال يومين، سينخفض هذا العدد إلى ما يقارب الصفر، لقد قمنا بعمل جيد جداً"، قال ترامب، قبل أن تصبح الولايات المتحدة الأميركية موطن أكبر عدد إصابات بفيروس كورونا على الأرض بشهر واحد.
"الأزمة الاقتصادية الماضية بدأت قبل سنوات (من إعلانها) لدى أولئك الذين يبقيهم النظام في الأسفل"، تضارب المصالح العامة مع مصالح ذوي الامتيازات يعيد تعريف الطوارئ.
ترامب، الذي انتقل من القول بأن الفيروس خدعة، إلى القول بأنه سينتهي في نيسان بسبب الشمس، ثم الحديث عن الأعداد المحدودة وانخفاضها غير الواقعي، ينادي منذ الآن، هو وحلفاء له في الحزب الجمهوري، بإعادة فتح البلاد، في وقت تزيد فيه بلاد أخرى شدة العزل الإلزامي. يؤمن ترامب أن حماية الاقتصاد أهم من حماية صحة الناس، وهذا ما يشكّل الأزمة الحقيقية لديه.
بيل غيتس قال سابقاً إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لا يعرف الفرق بين العوز المناعي المكتسب HIV، وفيروس الورم الحليمي البشري HPV، رغم أن الأخير هو أكثر فيروس انتشاراً عبر الممارسات الجنسية في الولايات المتحدة الأميركية.
"بكل تأكيد، لم ننتهز الفرصة في شهر شباط/ فبراير،" قال غيتس في حديث مع بودكاست تيد كونيكتس TED Connects في 25 آذار/ مارس، "هناك نماذج مثل كوريا الجنوبية، التي انتهزت الفرصة في شهر شباط/ فبراير، وبنت كفاءات إجراء الفحوص، ما أدى إلى خفض الإصابات حتى دون إجراءات الحجر العام التي نضطر لتطبيقها (في الولايات المتحدة) لأننا متأخرون".
"خلال تفشّي إيبولا، كتب ترامب على تويتر، أنه يجب منع العمال في المجال الصحي من العودة إلى الولايات المتحدة، رغم النصائح (التي من الواضح أنها كانت صحيحة، بالنظر إليها الآن) التي قدمها خبراء أمراض في الحكومة الأميركية"، كتب كونيدينك في بوليتيكو منذ ثلاثة أعوام، "منذ ذلك الحين، أبدى الرئيس القليل من الاحترام فقط للخبرة العلمية، رافضاً الإجماع العالمي على علم المناخ ومغازلاً الحركات المناهضة للقاحات. إذا غض بصره عن علماء الولايات المتحدة عند حلول الأزمة المقبلة، سوف يقلص من قدرة إدارته على التعاطي معها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...