شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
كيف نتكلم عن الحب من حجر منزلي في طرابلس لآخر في بيروت؟

كيف نتكلم عن الحب من حجر منزلي في طرابلس لآخر في بيروت؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 30 مارس 202001:40 م

يتزامن انتشار فيروس كورونا ومنع التجول في الشوارع والمناطق اللبنانية كافة، بعد ظهور حالات كثيرة مصابة بالفيروس، مع لقاء كان قاب قوسين أو أدنى من يدي ومن يديها، كانت تحلم مثلما كنت أحلم، بأنّنا سنلتقي في ذاك النهار المختلف، نهار الجمعة، العاشرة والنصف صباحاً بتوقيت بيروت، رسالتي الأخيرة كانت واثقة بأن النهار على ما يرام، وبأن اللقاء ما زال قائماً بيننا، وفيروس كورونا يحاصر كلَّ شيء وينتشر، لكنه بتصوّرنا أنه لن يقترب من هذا النهار، ولن يغيّر شيئاً في الوقت واللقاء الأوّل بين عاشقين.

في النهار التالي، جلست على التلفاز لكي أبحث عن أي خبر يسعفني عن حقيقة كورونا، وعن واقعية الحب الذي لم يكتمل بعد، لكنَّ انتشار الوباء كان يطغى على الشاشات جميعها، ويبدو أن لقاءنا الموعود قد اقترب من الاحتراق، لا أصدّق ما يحدث في هذا العالم، لا أريد فتح النافذة ولا أريد الخروج من البيت/ الحجْر، أكاد لا أصدّق بأنه النهار ذاته الموعود بيدين ستلتقيان وتشتبكان لأوّل مرّة، لم يحدث ذاك الملموس والمحسوس بينهما، لأنّه أمسى يوماً لشعار "خليك بالبيت" ....فبقيت في البيت، وأخبرتها في الرسالة الثالثة أن تلزم بيتها خوفاً عليها من الوباء المنتشر.

سنبقى على تواصل حتى يزول كورونا نهائيّاً من الوجود ونعود إلى ما نحلم به في الخارج، سينتهي هذا الكابوس عمّا قريب، صدقيني، ونحتفل بالحب الذي ما زال في الحجر المنزلي حتى إشعار آخر، وأعدك أننا سنلتقي، وسأبقى أرسل لك رسالة يومية كي أطمئن عليك من هذا الفيروس

اليدان الموعودتان بلقاء سحري، أصبحتا تغتسلان بالماء والمعقم كل يوم، أسأل نفسي وأحدثها عبر موقع التواصل الاجتماعي مباشرة: اغسلي يديك جيداً من هذا العالم الموبوء، تسألني: أما كنت سأغسل يدي بيديك؟ كيف لم يحدث ذلك؟ ولم تسقط يداك في يدي لأغتسل؟ أجيب: "خلّيك بالبيت"، سنبقى على تواصل حتى يزول كورونا نهائيّاً من الوجود ونعود إلى ما نحلم به في الخارج، سينتهي هذا الكابوس عمّا قريب، صدقيني، ونحتفل بالحب الذي ما زال في الحجر المنزلي حتى إشعار آخر، وأعدك أننا سنلتقي، وسأبقى أرسل لك رسالة يومية كي أطمئن عليك من هذا الفيروس المستجد، لا تخرجي من بيتك في بيروت، فعدد المصابين يزيد يوماً بعد يوم، تقول: اطمئن اشتريت كمّامة جديدة لكي أستخدمها عند الخروج، فأسألها في رسالة أخرى: هل قرأت الحب في زمن الكوليرا لماركيز؟ تقول: نعم، قرأتها وأعجبتني كثيراً، وماذا عنك؟ أقول لها: أقرؤها الآن على إيقاع رسائلنا هذه.. من محجري لمحجرك، تقول: عندما تنتهي منها سنتناقش بها كي لا تموت الرسائل، أو تصاب بالجفاف من الكلام المفترض الذي يأتيني من البعيد، انظر من النافذة إلى الخارج وأنا أكلّمها، لا أحد في الشارع، المحلات مقفلة والظلام يحيط بالأشياء، الساعة الرابعة عصراً فقط. أكاد لا أصدق هذه الرؤية التي تذهلني وكأنّنا في منتصف الليل، العالم يغرق من فيروس لا يرى بالعين، ونحن نتكلم عن موعد للحب، أفكّر: هل سينتصر هذا الحب أم سيهزم في هذا الزمن الموبوء بكورونا؟

في اليوم التالي، نقرر ألا نتكلم، لكنّني لا أستطيع، عاطفتي تسيطر على يدي، فأرسل لها من حجري المنزلي: صباح الخير يا (......) نسيت أن أقول لك: مبروك الكمّامة الجديدة، تقول: لم تشتر كمّامة أنت؟ نعم اشتريت، وبحثت عن اللون الأحمر ولم أجده، ففضلت اللون الأزرق، ما لون كمّامتك؟ تقول: بيضاء، وتصمت

في اليوم التالي، نقرر ألا نتكلم، لكنّني لا أستطيع، عاطفتي تسيطر على يدي، فأرسل لها من حجري المنزلي: صباح الخير يا (......) نسيت أن أقول لك: مبروك الكمّامة الجديدة، تقول: لم تشتر كمّامة أنت؟ نعم اشتريت، وبحثت عن اللون الأحمر ولم أجده، ففضلت اللون الأزرق، ما لون كمّامتك؟ تقول: بيضاء، وتصمت.

الكلام عن الوباء يحجب الكلام عن الحب بيننا، ما شكل روما اليوم؟ روما القديمة قد غرقت، فكيف نتكلم عن الحب من حجر منزلي في طرابلس لحجر منزلي في بيروت، لا أستغرب، فقط أخاف أن نكون روما ثانية، تغلي ركوة القهوة وتفيض على يدي، النار تنطفأ من سرعة الانسكاب المفاجئ واليد ترتجف، الأخبار اليوم كما الأمس لكنني لا أدري كيف ستكون غداً، "الله يستر من الآتي"، أسمع مكبرات الصوت من الخارج تدعونا أن نبقى في البيت، أبحث عن أمل ما كي أستعيد عافيتي وأعيش لغد أفضل، أستطيع أن أعيش يومياتي العادية. وأنا أفكر....

الكلام عن الوباء يحجب الكلام عن الحب بيننا، ما شكل روما اليوم؟ 

ترسل لي رسالة جديدة، يفرح قلبي، أقفز كي أمسك الهاتف، وصلت، تقول: أين أنت؟ لم ترسل لي أيّ شيء منذ يومين، ما الذي حصل لك؟ أنا بخير وأشتاق لك كثيراً.... لكنني مصاب بصداع خفيف.... تخاف كثيراً، يمكن كورونا؟ أضحك.. لا لا هذا صداع القلق، ساعة وينتهي.. ما هذا الهوس؟ هل تريدينني أن أموت؟ لا أريد أن أموت قبل أن نلتقي، تقول: لا... لكنك أخفتني كثيراً عليك، حسبتك مصاب بكورونا يا حبيبي، أضحك أكثر، وأجيبها: اطمئني أنا بخير وأشتاق لك كثيراً، متى سنصحو من هذا الكابوس كي نلتقي؟

السماء ملبدة بالغيوم السوداء، وتقبض على أعناقنا مثلما تقبض يد جلاد على عنق ضحيته، لا صراخ في الخارج ولا بكاء طفل من نافذة الجيران، صوت المذيعة الصاخب يردد كلمة واحدة هي: "كورونا" والكرة الأرضية، أغلق التلفاز، ما الجديد في هذا العالم؟ الصين، إيران، إيطاليا، أمريكا، أوروبا، العالم العربي والكون، أطفال والشيوخ النساء والرجال... أنا وأنت والحب المكسور، ماذا بعد؟ أحبّك، أحبّك، لكن من الصعب أن نلتقي كي نصاب بالعدوى، ليس منك يا حبيبتي، بل من الآخرين، المقهى مقفل، والمطعم مقفل، والأمكنة فارغة من سكّانها، أين سنلتقي؟ سوى بهذا العالم المفترض الذي أمامنا، فالعالم الآخر كله مقفل.

أفضّل أن أبقى في حجري المنزلي كي أكون أكثر أماناً، وأنصحك بذلك، لا مفرّ منه، فالموسيقى والكتب وحدها تنقذنا في هذه العزلة الإلزامية، من الحب في زمن الكوليرا لماركيز إلى الطاعون لألبير كامو، ورسائل الحب اليومية التي تصلني منك، تكفيني كي أنتصر على الفيروس، وأحبّك أكثر في زمن كورونا، وأحبّك أكثر من حجر المنزلي الذي أرغمني على فهم الحب أكثر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image