يحتفل الإيرانيون كلّ عام بعيد "نوروز"، أهمّ عيد ومناسبة لديهم، لفترة طويلة، تبدأ بالتحضيرات للعيد منذ نهاية فبراير إلى بدايات أبريل؛ يشترون فيها ملابس ومستلزمات وأثاثاً جديدة، يقضون أوقات طويلة لها في الأسواق من أجل انتقائها، أو لمجرّد عيشهم أوقات العيد الجميلة مبتهجين بالعيد، وبداية العام الجديد، ومجيء الربيع.
ولكن ملامح نوروز مختلفة هذا العام لدى الإيرانيين؛ حيث خيم عليه فيروس كورونا الذي أجبر الإيرانيين على الاحتفال بالعيد في الحجر الصحي، وإطلاق حملات "نبقى في البيت"، و"لا لرحلاتِ العيد"، دعوا من خلالها المواطنين إلى البقاء في المنزل وعدم السّفر ومعايدة الأقارب، وهي من عادات الإيرانيين في فترة العيد، حيث تُعتبر أطول إجازة رسمية في إيران، تُغلق فيها المدارس والجامعات والإدارات الحكومية لمدة تمتدّ إلى أسبوعين.
وفي حين أن نوروز فرصة للعديد من الإيرانيين لقضاء بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء والخروج من المنزل و"الرحلات النوروزية" داخل البلاد وخارجها، إلا أن أخبار كورونا أخفقت إلى حدّ كبيرٍ الحماسَ لبدء العام الجديد في إيران التي أصبحت بؤرة تفشي الفيروس في المنطقة.
وشهدت الشوارع الإيرانية صمتاً وفراغاً لا مثيل له في إيران، حيث فرضت السّلطات الحجرَ الصحيّ على غالبية المدن، وأغلقت جميع المحلّات والمراكز التجارية خلال فترة عطلة العيد، ما عدا الصيدليات ومحلّات عرض المواد الغذائية والسّلع الأساسية.
وأعلن بعض الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم لم يتمكنوا هذا العام من شراء مستلزمات مائدة "هَفتْ سين" الخاصة بالعيد، وبعضهم قالوا بأن الحزن الذي سبّبه فيروس كورونا، وإصابة ووفاة الآلاف من مواطنيهم لهذا السبب، منعهم من الاحتفال بالعيد وفرش مائدة "هفت سين".
شهدت الشوارع الإيرانية صمتاً وفراغاً لا مثيل له في إيران، حيث فرضت السّلطات الحجرَ الصحيّ على غالبية المدن، وأغلقت جميعَ المحلّات والمراكز التجارية خلال فترة عطلة العيد، ما عدا القليل منها
ونشر العاملون في المستشفيات والمراكز الطبية في إيران صوراً لهم مرتدين القفّازات والكمامات، وماسکین لافتات مكتوب عليها: "نوروز مبارك... نحن نبقى من أجلكم في المستشفى، وابقوا أنتم في البيتِ من أجلنا".
حَزنَ البعضُ على فقدِ أحبائهم بسبب فيروس كورونا، وقد احتفل الكثيرون بعيد نوروز بمفردهم خوفاً من إصابتهم بالفيروس أو نقله للآخرين، واكتفوا بمكالمات الفيديو واستخدام التطبيقات الحديثة، ليشاطروا التهاني مع عائلاتهم أو أصدقائهم عن بعد. كما قام بعضهم بإلقاء التهاني لأقربائهم وأصدقائهم من خلف الشبابيك والأبواب.
ودعا عددٌ من الشخصيات الثقافية والفنية والرياضية الإيرانية البارزة المواطنين إلى التخلّي عن رحلات نوروز هذا العام، وإنفاق أموالهم على الأعمال الخيرية.
وألغيت السّلطات الإيرانية جميع الحتفالات والبرامج الخاصة بعيد النوروز، تجنبا لتفشي فيروس كورونا، أكثر من ما هو الآن في البلاد.
وقال المتحدث باسم الحكومة الايرانية علي ربيعي: "ان كورونا لم يدعنا هذا العام أن نمزج الطعمَ العذبَ لعيد نوروز المنقوش في ذكريات أيام صِبانا، بلقاء أعزّائنا. ومن الضروريّ أن يبقى ضوءُ الأمل حيّاً في قلوبنا، وأن نذكّر أنفسنا في كلّ لحظة بمسؤوليتنا الفردية والاجتماعية لبناء إيران، وبقائها عامرة وحرّة، ومن المهمّ أن ندخل السّاحة، ونسعى بوعي لأداء دورنا في تغیير أوضاع العالم نحو الأفضل".
وعلى الرغم من تحذيرات وتوصيات المسؤولين الإيرانيين، والدعوات إلى الالتزام بالحجر الصحي، قام 3 ملايين من الإيرانيين بالسّفر إلى المدن المختلفة، دون الانتباه إلى تفشي فيروس كوورنا في البلاد، حسب ما أعلنت وزارة الصحة الإيرانية؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الإصابات منذ عشیة العيد (21 مارس) من 18407 إلى 23049 في اليوم الرابع من العيد.
وألغت غالبية شركات الطيران الإيرانية والأجنبية رحلاتها من وإلى إيران، فلم يستطع الإيرانيون السّفر إلى خارج البلاد كعادتهم في إجازة العيد، على عكس العام الماضي الذي سافر الملايين منهم إلى خارج البلاد، خاصة إلى تركيا والإمارات، وجهتا الإيرانيين الأوليان للسياحة.
يشغل بعض الإيرانيين حالياً أنفسهم بالتخطيط إلى فترة ما بعد رحيل فيروس كورونا عن بلادهم، وإبعاد شرّ هذا المرض منه، واعتبروا أن عيدهم ليس عيد نوروز، بل سيأتي بعد رحيل كورونا
واضطرت الشرطة إلى منع دخول السّيارات التي تختلف أرقامها عن أرقام سيارات مدن المقصد، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة تهريب المسافرين في بعض المناطق، منها المدن الشمالية، وجزيرتا كيش وقشم في الجنوب، أو تأجير لوحات السّيارات.
إلى جانب هذا، تضرّرت الكثير من المحلات التجارية الإيرانية خاصة الفعالة في قطاع السياحة، منها مكاتب السفريات والفنادق، وأيضاً المطاعم ومحلّات بيع الملابس والحلويات والمكسرات والمستلزمات المنزلية.
وللتعويض عن الخسائر والأضرار المادية والمعنوية للمواطنين، اقترحت بعض الشّخصيات الإيرانية منهم نوّاب في البرلمان نقل أيام عطلة نوروز إلى فترة أخرى في السنة، لكن الرئيس حسن روحاني رفض هذا المقترح، قائلاً بأنه أمر شبه مستحيل، غير قابل للتنفيذ.
وتتداول دعوات في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لاعتبار هذه الفترة كفرصة خاصة لا تكرّر، للعمل بنشاطات من الصّعب القيام بها بسهولة خلال الأيام الأخرى، كقراءة الكتب ومشاهدة الأفلام والرياضة، وتعلم لغة، أو مهارة جديدة، أو قضاء الوقت مع العائلة والأطفال.
ويشغل بعض الإيرانيين حالياً أنفسهم بالتخطيط إلى فترة ما بعد رحيل فيروس كورونا عن بلادهم، وإبعاد شرّ هذا المرض منه، واعتبروا أن عيدهم ليس عيد نوروز، بل سيأتي بعد رحيل كورونا. وقاموا بنشر وسمٍ في مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان#عيد_ما_بعد_از_شكست_كرونا: "عيدنا بعد هزيمة كورونا"، في أمل عودة الأيام الجميلة.
وسجلت إيران، الاثنين الماضي، أكبر عدد إصابات مقارنة بالأيام الماضية، يبدو أنه مرتبط بقيام ملايين من الإيرانيين بسفريات داخلية، خلال أيام النوروز، متجاهلين تحذيرات السلطات تجنباً لمنع تفشي كورونا أكثر.
وأعلن رئيس جمعية الهلال الأحمر الإيراني، كريم همتي، يوم الاثنين، وفقاً لوكالة "تسنيم" الإيرانية، أن أكثر من 8.5 ملايين إيراني خرجوا خلال الأيام الأخيرة من 19 محافظة من أصل 31 بأكثر من 2.8 مليون سيارة، كاشفاً تحديد 6500 حالة اشتباه بكورونا بينهم.
ودعا همتي المواطنين الإيرانيين إلى ضرورة تجنب السفر خلال نوروز، من أجل التصدي لسلسلة إصابات كورونا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...