من يتتبع ما ينشره أردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، ومن يدخل في عمق هذه المنشورات، يقول في نفسه وهو يقرأ: "سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال"، ثم يبتسم.
عامان إلا بضعة شهور هو عمر الحكومة الأردنية الحالية، أو ما هو متعارف عليه أردنياً "حكومة الرزاز"، فترة فشلت فيها الحكومة ببناء جسور الثقة بينها وبين الشارع الأردني، فلا القوانين التي أقرتها ولا تعاملها مع ملفات تعد محور اهتمام الأردنيين، كالملف الاقتصادي وملف الحريات، ساعدت في وضع ولو طوبة واحدة لبناء جسور الثقة مع الشعب، حكومة كانت "ساقطة" شعبياً كما اعتاد أردنيون على وصفها، أما اليوم و"بقدرة قادر" أصبحت محبوبة شعبياً.
نجح فيروس كورونا بما لم ينجح به مسؤول أردني، سواء أكان وزيراً أو نائباً، في قلب الطاولة وتغيير المشهد في العلاقة المعتادة بين الحكومة والأردنيين، فالمعارض والمتصيد والغاضب و"المخنوق" من الحكومة الأردنية أصبح اليوم، وبفضل كورونا ولا شيء غيره، راضياً عن حكومته، يتغنى بإنجازاتها بل ويقدم المبادرة لمساعدتها في أزمة مواجهة #كورونا_الأردن.
فالأردنيون، وفي ظل حالة الضغط التي يمرون بها اليوم تحت وطأة أزمة كورونا، تناسوا الأخطاء السابقة للحكومة.
ربما تغريدة الناشط عدي البطانية، الذي يعد واحداً من مغردين أردنيين كثر، ممن ينشرون باستمرار تغريدات تنم عن الاحتقان الشعبي نحو حكومتهم، ربما تكون تغريدته معبرة عن الحالة التي يمر بها مشهد العلاقة "الجديدة" بين الحكومة الأردنية والشعب، حيث قال: "مش قادر أتطمن للحكومة، يعني والله ما تعودنا عليها ولا غلطة!".
تناسوا أخطاء الحكومة
إن انقلاب الحال هذا يقرؤه الكاتب والمحلل، ماهر أبو طير، في حديثه لرصيف22، بأنه في الظروف الاستثنائية، يلوذ كل إنسان بالطرف الأقوى منه، والذي لديه إمكانيات لمساعدته أو حمايته، وهذا ينطبق على حال أي شعب، إذ يتجاوز عن أخطاء المؤسسات والمسؤولين من أجل أولوية مستجدة، مثل تجاوز وباء كورونا.
وفي الحالة الأردنية، كما يضيف أبو طير، فقد تحقق هذا الأمر بسبب الإجراءات الحكومية الجيدة، وبسبب تبدل الأولويات لدى الناس، ما جدد قوة الدولة المركزية وعلاقتها بالمواطنين، وأعاد ترميم الحبل السري بين المواطنين والدولة، والمفارقة هنا، أن يتسبب وباء باسترداد الثقة الغائبة وتحسين مستواها.
والمشهد اليوم في علاقة المواطن الأردني مع حكومته، بحسب المحلل السياسي الدكتور حسن البراري، في تصريح لرصيف22، هو حالة وطنية بامتياز، فالأردنيون، وفي ظل حالة الضغط التي يمرون بها اليوم تحت وطأة أزمة كورونا، تناسوا الأخطاء السابقة للحكومة، وعدلوا عن رصد وتتبع أخبارها، أو ربما وضعوها "على جنب"، ذلك لأن الجميع اليوم في الأردن في قارب واحد بوجه كورونا.
ويضيف، إن الأردنيين اليوم يتطلعون إلى حكومة قوية قادرة على قيادة المرحلة الحرجة من جراء كورونا، والوقت والظرف لا يسمحان لا بإسقاط حكومة ولا بتصفية حسابات سياسية، الأولوية اليوم للشعب الأردني، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، بأن ينجو الأردن من هذا الوباء.
نجح الكورونا بما لم ينجح به مسؤول أردني، سواء أكان وزيراً أو نائباً، في قلب الطاولة وتغيير المشهد في العلاقة المعتادة بين الحكومة والأردنيين، فالمعارض والمتصيد والغاضب و"المخنوق" من الحكومة الأردنية أصبح اليوم، وبفضل الفيروس، راضياً عن حكومته ويتغنى بإنجازاتها
شعور الناس بالمسؤولية
"بشكل عام، هذا يعبر عن أرقى حالات الوطنية، فالجميع يتكاتف ويقف خلف الحكومة"، يقول البراري، مؤشراً على زاوية مهمة، أنه وعندما فرضت الحكومة يوم الثلاثاء 17آذار/مارس، قانون الدفاع، لم يقابله الناشطون أو المعارضون أو الحقوقيون بالرفض، رغم أنه قانون يقيّد الحريات، بل اللافت أنه سبق فرض القانون مطالبات شعبية للحكومة بتنفيذه، واعتبر أن ما يحدث اليوم من رضا شعبي أردني للحكومة، فرصة للأخيرة لتعزيز ثقة الشارع بها بعد أن كانت تلاشت.
"نعم هناك تغير واضح في علاقة الشارع الأردني بحكومته"، يقول الخبير الحقوقي رياض صبح، ويضيف في حديثه، أن ذلك يدل على وعي الشارع نفسه وشعوره بالمسؤولية في الأزمات، هذه المسؤولية عززتها إدارة حكومة عمر الرزاز في تعاطيها مع ملف فيروس كورونا، الذي لاقى ترحيباً شعبياً.
كما أن ما يحدث، بحسب رياض صبح، يؤكد على أن الحق في الحياة والصحة أهم حقين يمسان اهتمام المواطن الأردني، وهو ما على الحكومة أن تلتقطه وأن تعزز سياستها لتحسين ظروف هذين الحقين مستقبلاً، ويختم: "التجربة الأردنية في تعاملها مع كورونا تجربة تسير بالاتجاه الصحيح".
انتقاد سياسات الحكومة هو أمر طبيعي
وشمل إعدادي للتقرير آراء من ناشطات وناشطين أردنيين، يكاد حسّهم يكون أقرب لحسّ المعارضة، حول تفسيرهم للحالة التي تمر فيها علاقة المعارضين والناشطين مع الحكومة، من بينهم الناشطة والمغردة نداء المجالي، التي قالت: "جرت العادة أن ننتقد سياسات الحكومة وهو أمر طبيعي فهدفنا هو تحقيق الإصلاح".
وتتابع: "لكن عندما يكون الجميع في خندق واحد، لا ضير من أن نمدح إيجابيات القرارات والخطوات الحكومية في مواجهتها لأزمة كورونا، لأن ذلك يمس المصلحة العامة، ولحماية الوطن والمواطن".
وتضيف: "تختفي كل المعارضة والانتقادات اليوم، وموقفنا بصف واحد مع الحكومة في مواجهة كورونا… وبالتالي، أزمة واحدة كانت كفيلة أن تجعل بوصلة الجميع نحو الوطن".
وهو ما تؤيده الناشطة ديمة الخرابشة، وتقول: "نعم ساهمت الأزمة بوقوف المعارضة قبل الموالاة مع مؤسسات الدولة، لأن معارضتهم كانت ومازالت وستبقى من أجل أن يصبح الأردن أفضل، وليس الهدف الإساءة أو تشويه صورة الأردن… لا سمح الله".
وتضيف ديمة، أنه في البداية كانت القرارات بطيئة، وللأسف البيئة الصحية غير مهيأة للأحوال الطبيعية، فكيف مع هذا الامتحان الصعب لكل المجتمع الإنساني؟! وتتابع: "لذلك ضجّ بعض المواطنين وأكدوا أن اعتراضنا ومطالباتنا المستمرة بضرورة تحسين القطاع الصحي أولوية، بعد ارتفاع عدد الحالات في الأردن، ثم خرجت الحكومة بمجموعة من القرارات الجدية والحازمة تجاه الأزمة، ما تتطلب منا، كمواطنين أردنيين، الوقوف خلف مؤسساتنا ودعمها في تخطي هذه الأزمة بأقل الأضرار، وهو واجب وطني ويجب على الجميع، معارضة وموالاة، مساندة ودعم هذه القرارات، فهذه هي الترجمة الحقيقية لمفهوم المواطنة".
"تختفي كل المعارضة والانتقادات اليوم، وموقفنا بصف واحد مع الحكومة في مواجهة كورونا… وبالتالي، أزمة واحدة كانت كفيلة أن تجعل بوصلة الجميع نحو الوطن"... ناشطون معارضون للحكومة الأردنية يتحدثون لرصيف22
هذا يُحسب للمعارضة
"تصرفوا صح بنكون معكم، تصرفوا خطأ رح نعارضكم"، قال المغرد والناشط على تويتر، محمد عدوي، ويوضح: "المواطن الأردني ليس سوداوياً أو عبثياً أو معارضاً فارغاً، كما كان يوصف سابقاً من بعض السياسيين، إنما المواطن الأردني واع ومتعطش لأي إجراءات صحيحة، وهذا ما حدث فعلاً من خلال الحكم بعقلانية".
"لا أحد يستطيع أن ينكر أن إجراءات الحكومة جيدة"، يقول الناشط مجدي السعدي، ويتابع: "أما كيف تحوّلت الأصوات المعارضة للسياسات الحكومية لأصوات تمتدحها، فأعتقد أن التعارض مع السياسات الحكومية في ظل هذه الأزمة هي عدمية وكلفتها فقط على الناس، حيث أن عدم الثقة بالإجراءات الحكومية قد يقودنا إلى المجهول".
"وبالمناسبة، هذا يُحسب للمعارضة"، يقول مجدي، ويضيف، إنها ليست معارضة خشبية تعارض لأجل المعارضة فقط، فهي تثبت الآن أنها معارضة وطنية وتستشعر الخطر الوجودي الذي يهدد الوطن.
كذلك ترى ميس حماد، فالحالة التي أصبحت عليها علاقة المعارضة مع الحكومة تحسب للمعارضة وليس للحكومة كما ترى، فالحكومة هي التي كانت تروّج بأن المواطن الأردني سلبي و"ما في شي بيرضيه وانتقاداته مش موضوعية"، واليوم وفي أزمة كورونا، أثبتت المعارضة الأردنية العكس، وهذه ليست المرة الأولى، حيث اعتادت المعارضة على الالتفاف حول كافة مؤسسات الدولة في الأزمات، مثل العمليات الإرهابية التي استهدفت الأردن في السابق، حسب تعبيرها.
"الحكومة بتدير الملف، طب ليش أنتقدها؟"، تسأل ميس، وتؤكد بأن التغيير في علاقة المواطن الأردني بالحكومة هو: "من عندهم مو عنا... إحنا زي ما إحنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...