شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"ليس كلكم إرهابيون ولا كلنا مرضى بكورونا"... صينيون يعانون من العنصرية في القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 16 مارس 202004:40 م

لم يكن الشاب الصيني سي يونغ هاي (33 سنة) مهندس بإحدى الشركات الصينية في القاهرة، يدري وهو يستقل سيارة تابعة لشركة سياحية من الفندق الذي يقيم فيه في الجيزة، إلى مناطق في "مصر الجديدة"، أنه سيتعرض لموقف عنصري في حياته على الطريق الدائري، وأن حياته ستتحول إلى كابوس نتيجة التنمر على جنسيته، عقب انتشار فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم، انطلاقاً من الصين.

وتداول عدد من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لسخرية مصريين من الشاب الصيني، في خضم أزمة انتشار فيروس كورونا.


رغم التعامل الحاسم من حكومتي البلدين مع حالة العنصرية هذه، لكن القضية تلقي بظلالها على مدى تقبل الشعب المصري لهذا الفيروس، ومحاولة الهروب من كل مشتبه به، في حين أن مصر هي أقل شعوب العالم اتخاذاً للإجراءات الوقائية.

وتمكَّنت الشرطة المصرية سريعاً من القبض على أطراف واقعة التنمر على الطريق الدائري، متمثلة في السائق عبد الناصر عبد الرحيم (56 سنة)، يعمل سائقاً بإحدى شركات السياحة، والذي كان يقل الشاب الصيني خلال واقعة التنمر، وتركه وحيداً أعلى الدائري، يواجه صيحات الاستهزاء من العابرين، فيما احتضنت السفارة الصينية في القاهرة الشاب الذي تعرض لهذه الواقعة، وقدمت له الدعم المعنوي للتخلص من آثار الواقعة عليه.

سي يونغ هاي: "سامحت المتورطين"

وقال سي يونغ هاي في تصريحات خاصة لرصيف22: "لم أتعرض للتنمر بمعناه الحقيقي، أتمنى من الحكومة المصرية مسامحة الأشخاص الذين تورطوا في الواقعة، بعد انتشار الفيروس في أنحاء العالم نادى بعض الشباب كورونا أمامي، كانوا يضحكون، وأعرف أن في مصر هناك شوكولا أسمها كورونا، إذاً اعتبرته مزاحاً، لكن رسالتي للشعب المصري الطيب، بأن الفيروس مرض يهدد الجميع من الأفضل ألا نمزح به".

"العنصرية ليست كلمات بذيئة يوجهها لنا الأشخاص، يمكن أن تكون العنصرية صامتة، كالمقاطعة، والعزلة التي نعيشها، أخشى أن الصينيين في مصر يعانون منذ بداية العام الحالي"

وتابع الشاب الصيني، متحدثاً عمَّا أحسّه: "شعرت ببعض الضيق وقتها، كان السائق يقلني من أحد الفنادق في الجيزة إلى القاهرة الجديدة لإنهاء بعض الأعمال، وجدت بعض سائقي السيارات المجاورة لنا على الطريق يضحكون، وينادون: كورونا، بعدها ارتبك السائق وأنا أدرك مدى شعوره بالخطر، لكنى تجاوزت الأزمة سريعاً".

وقال يونغ هاي في بيان رسمي، نشرته مواقع إخبارية محلية، شدَّد فيه على أن ما حدث معه "سلوك فردي لا يمثل الشعب المصري أبداً، وأعتقد أننا نستطيع تجنُّب وقوع حادث مثل هذا في المستقبل".

أما زاو شان هو (42 عاماً) مدير أحد فروع مطعم "مانشو ووك" في القاهرة، فيرى أن العنصرية لا تقتصر على "الكلمات البذيئة" ولكنها تمتد إلى المقاطعة والعزلة، يقول: "العنصرية ليست كلمات بذيئة يوجهها لنا الأشخاص، يمكن أن تكون العنصرية صامتة، كالمقاطعة والعزلة التي نعيشها، أخشى أن الصينيين في مصر يعانون منذ بداية العام الحالي، وزادت المخاوف بعد انتشار أول حالة إصابة في مصر، رغم أن مصر بتعدادها السكاني الذي يتجاوز 100 مليون نسمة، هي أقل دول الشرق الأوسط تضرراً حتى الآن".

"هل يمكن القول إن كل المصريين إرهابيون حتى يقال إن الصين كلها مصابة بكورونا؟!"

ويتساءل شان هاو في تصريحات لرصيف22 قائلاً: "هل يمكن القول إن كل المصريين إرهابيون حتى يقال إن الصين كلها مصابة بكورونا؟! بالطبع نقدّر مخاوف الناس كون الفيروس بدأ من الصين، لكن هذه أزمة ستمر كما مرت من قبلها عشرات ومئات الأزمات، نذكر أنه قبل مائة عام انتشرت الإنفلونزا الإسبانية وقتلت 50 مليوناً، وانتهى الفيروس وعاشت إسبانيا، وكذلك الكوليرا المميتة التي انطلقت من الهند منتصف القرن الماضي، وفي الماضي القريب كانت إنفلونزا الطيور، لن تبيد هذه الأوبئة البشرية، لذلك نرفض العزلة المفروضة علينا في مصر وباقي البلدان، يمكن أن تقدم لنا وزارة الصحة شهادات معتمدة تتيح للجمهور التعامل معنا بطرق عادية، بدلاً من الخسائر التي نتكبدها كل يوم".

ويشكو زاو شان هاو من تأثير انتشار الهلع من كورونا على المطعم الذي يديره، يقول: "يعاني المطعم في الشهرين الأخيرين، حيث لم يستقبل زبائن ما يعادل ما كان يستقبله في يوم واحد قبل انتشار الفيروس".

"العنصرية أشد فتكاً من كورونا"

فيحاء وانغ (26 سنة)، مراسلة الإذاعة الصينية في القاهرة، وتعمل في مصر منذ 4 سنوات، وتتحدث اللغة العربية بإتقان كما تتحدث الصينية، وعلى اتصال دائم بمشاكل الصينيين في مصر، عبر تواصلها المستمر مع المركز الإعلامي للسفارة الصينية بالقاهرة، تقول عن واقعة العنصرية التي انتشرت عبر السوشيال ميديا: "الحادث فردي لا يعبر عن سلوك المصريين، ونحن مهيؤون لمثل هذه المواقف، نرى ونواجه ظواهر سلبية فردية في جميع الدول، ودورنا أن نتقبلها ونحاول تصحيح المفاهيم الخاطئة".

"الآسيويين في مصر يعانون من التنمر قبل انتشار كورونا بسبب ملامحهم المتشابهة بالنسبة لنا، وأجسادهم النحيفة، ولكنها سلوكيات فردية، وفي حال انتشارها ساءلوا مؤسسات الإعلام والأمن...."

وتشدد وانغ في حديثها لرصيف22 على خطورة العنصرية، وترى تأثيرها أقسى من كورونا نفسه، تقول لرصيف22:" العنصرية ظاهرة مكروهة، يمكن أن يكون تأثيرها على الإنسان أخطر وأشد فتكاً من فيروس قاتل مثل كورونا، أتمنى أن تختفي من شتى مظاهر الحياة".

وتستبعد وانغ أن يكون الصينيون في مصر خاضعين لتنمر وعنصرية "ممنهجتين"، وترى أنها حالات فردية.

"الآسيويون يعانون قبل كورونا"

يعلّق الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس، موضحاً سلوك التنمر يقول: "هو استعراض للقوة متعدد الأشكال، سواء كان تنمراً جندرياً، دينياً، طبقياً أو عنصرياً، وهذا الأخير هو أخطر أنواع التنمر، بدليل أن الشخص المتنمر ينتابه نوع من الفخر خلال ارتكابه هذه الجريمة، فيقوم بتصوير جريمته وعرضها على أصدقائه، معتبراً أنها نوع من أنواع الفكاهة التي يتنافس الشعب المصري في إظهارها، حتى في أوقات الخطر والأزمات".

"المتنمّر يشعر بالفخر فيقوم بتصوير جريمته وعرضها على أصدقائه".

ويشدد صادق على أن معنى العنصرية يشمل ليس فقط السائق الذي تعامل بعنصرية أو الشخص الذي قام بالتصوير، لكن كل من شاهد الواقعة وصمت عنها، هو أيضاً مشارك في التنمر بسلبيته تجاه الموقف، ويرى صادق ضرورة محاربة دولة مثل مصر، لها مكانتها بين الدول الأفريقية، تلك الظاهرة.

وختم صادق بأن الآسيويين في مصر يعانون من التنمر قبل انتشار فيروس كورونا بسبب ملامحهم المتشابهة بالنسبة للمصريين، وأجسادهم النحيفة، لكنها تبقى سلوكيات فردية خاطئة لا تعبر عن ثقافة المجتمع وتوجهه، ويضيف: "في حال وجودها وانتشارها فتسأل عنها البيئات الخمس المؤثرة على العقل الجمعي للفرد، والمتسببة في هذه السلوكيات، وهي الأسرة، الإعلام، المؤسسات التعليمية، المؤسسات الدينية والمؤسسات الأمنية والقضائية، وإذا كان هناك سلوكيات خاطئة فبالتأكيد جاء الخلل من إحدى هذه المؤسسات أو كلها، سواء تمثل ذلك في تباطؤ الإجراءات القضائية لمحاسبة المسؤول، أو عدم الوعي في المدرسة والجامعة، أو غياب دور الأسرة، أو انعدام التوجيه الديني السليم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image