الهند هي بلد المهرجانات والاحتفالات التي لا تنتهي، واحد من هذه المهرجانات وأكثرها تميزاً هو مهرجان "هولي" أو مهرجان الألوان، وهو مهرجان هندوسي تقليدي يُحتفل به كل عام بمناسبة انتهاء فصل الشتاء وقدوم فصل الربيع، وهو يوم عطلة رسمية في الهند.
قذف البودرة على أنغام الموسيقى
يأتي هذا المهرجان عادة في نهاية شهر فبراير وأوائل شهر مارس، وهو يعتبر يوم اكتمال القمر الأخير في التقويم الهندي، ولذلك، فإن المهرجان يختلف تاريخه كل عام، فالعام الماضي كان يوافق يومي 20 و21 مارس، أما هذا العام فيوافق يومي 9 و10 مارس.
في هذا المهرجان التقليدي يجتمع الرجال والنساء، الأطفال والبالغون، الأغنياء والفقراء، على حد سواء للاحتفال، وهم يقذفون بعضهم البعض في الشوارع والمعابد وفي كل مكان تقريباً، بالبودرة والماء الملون، على أنغام الموسيقى، والأغاني الشعبية.
لقد حظي "هولي" بشعبية كبيرة، ليس فقط في الهند، ولكن في البلدان الأخرى التي انتقل إليها بفضل الهنود المقيمين فيها، ولاقى قبولاً وترحاباً من غير الهنود.
في مصر مثلاً، تقيم السفارة الهندية بالقاهرة كل عام احتفالاً لمشاركة المصريين المهرجان، وسط دفقات الألوان النابضة بالحياة التي تملأ الجو بالطاقة الإيجابية، ليس في نفس يوم المهرجان إنما يختلف أيضاً كل عام، لكنه عادة ما يكون يوم جمعة، وهذا العام سوف يكون الاحتفال يوم 27 مارس.
"إذا كنت مُخلصاً للحقيقة فإن الحقيقة سوف تعتني بك، وأن الذين يعارضون الحقيقة سوف يواجهون مصير هوليكا، لهذا السبب يبدأ الناس بحرق الأخشاب، ونصب تمثال على هيئة هوليكا ثم يحرقونه"
وقد لاقى هذا المهرجان ترحيباً في الأعوام السابقة بين عدد من الشباب المصريين، والأجانب المقيمين في مصر، حتى أصبح مهرجاناً بارزاً، من بين فعاليات السفارة الهندية، إلى الدرجة التي يحضر فيها العدد الذي تستوعبه ساحة السفارة، وأرجع بعض الحضور ذلك لحب المصريين للثقافة الهندية.
يقول هاني فؤاد، سكرتير جمعية الصداقة المصرية الهندية، لرصيف22: "حضوري مهرجان الألوان وسط الجالية الهندية في مصر، يعمق أواصر الصداقة المصرية الهندية، ويشارك أعضاء الجمعية في هذا المهرجان وسط شعور بالبهجة والسعادة، بإلقاء الألوان البراقة على أصدقائنا الهنود كدليل على المحبة والأخوة بيننا، وهذا المهرجان محبب إلى نفوسنا لما له من طابع مختلف ونحن ننتظره من العام للعام".
حرب بنادق ألوان
لقد حظيت بحضور هذا الاحتفال في الهند، وتحديداً في ولاية راجستان، أكبر ولايات الهند من حيث المساحة"، حيث وجدت نفسي في الشارع محاطة بجمع كبير من الناس الذين تلطخت وجوههم بالألوان، وهم يرشون بعضهم بالمساحيق الملونة وبالماء عبر بنادق المياه، وبإطلاق البالونات المملوءة بالماء الملون من فوق أسطح المنازل، وتحولت كل المدينة الى ساحة للمرح واللعب، أنظر إلى وجوههم المبتسمة، بملابسي التي مازالت محتفظة بألوانها الأصلية، حتى صفعني أحدهم على وجهي ببودرة ملونة، ذات لون أحمر، وتوالت الصفعات، من اللون الأحمر الى الأصفر الى الأخضر، وصولاً الى ملابسي التي تغير لونها بالكامل، وأصبحت عبارة عن لوحة رُسمت بألوان قوس قزح.
لم أكن مستاءة، بل بالعكس شعرت بفرح غامر وبهجة، وتناغمت مع الناس الذين لا أعرفهم، ورحت أقذفهم أيضاً، ودخلت معهم في حرب البنادق المائية.
وحضرت هذا المهرجان كل عام أيضاً في مصر، ولم أشعر بفارق كبير بين الاحتفالين، ولكني رحت أتساءل: يا ترى ما هي الأسطورة الكامنة خلف كل هذا المرح واللهو؟
"دوندي" أمنا الغولة الهندية
هناك العديد من الروايات عن أصل احتفال "هولي" مذكورة في الأعمال الأدبية الهندية القديمة، يسترجعها الهندوس كل عام، عبر تجسيد الأحداث التي حدثت منذ آلاف السنين، أشهرها أسطورة "هوليكا وبراهلاد".
وتعود هذه الأسطورة الى الملك الشيطان "هيرانياكاشيب" الذي طلب من الناس عبادته، ولكن ابنه براهلاد رفض، لأنه كان مخلصاً للإله فيشنو، وحاول هيرانياكاشيب بشتى الطرق قتل ابنه، وأخضعه لعقوبات قاسية، وأخيراً خدعته هوليكا، أخت الملك، الذي كانت لها ميزة خاصة، وهي أنها لا تصيبها النيران، وأقنعته بالدخول معها في النيران، بينما كانت تحمي نفسها بعباءة، بقي براهلاد مكشوفاً عندما اشتعلت النار، ثم هبت الرياح وطارت العباءة من جسد هوليكا وغطت براهلاد، فاحترقت هوليكا حتى الموت، وأنقذت حياة براهلاد.
وتمثل هذه المعجزة بالنسبة للهنود الحقيقة: "إذا كنت مُخلصاً للحقيقة فإن الحقيقة سوف تعتني بك، وأن الذين يعارضون الحقيقة سوف يواجهون مصير هوليكا، لهذا السبب يبدأ الناس في الليلة التي تسبق المهرجان بجمع كمية كبيرة من الأخشاب وإشعالها، ويتم نصب تمثال على هيئة هوليكا ثم يحرقونه، و يشير هذا الطقس الى نهاية الشر وانتصار الخير".
"هولي هو مهرجان الحب والألوان، نحتفل به كل عام في الهند، ونيبال وفي الآونة الأخيرة بدأت الجالية الهندية بتنظيم الاحتفالات في بلاد أخرى، وما يميز مصر أن الاحتفالات لا تقتصر على يوم واحد، وفي أماكن عدة تشمل أندية، ومدارس"
لكن رمي المساحيق الملونة يعود الى أسطورة أخرى منفصلة تعود للإله "كريشنا"، الذي كان لدية بشرة زرقاء بسبب تسممه في صغره، وكان يحب "رادها" ذات البشرة الفاتحة حباً شديداً، وكان يخشى بسبب لون بشرته أن ترفضه "رادها"، ولذلك اقترحت عليه والدته أن يلون وجهه بالألوان المختلفة، اقترب كريشنا من رادها ولطخ وجهها بالألوان، ومن وقتها والناس تمارس اللعب بالألوان كأحد أهم الطقوس الرئيسية في المهرجان، وهم يعتقدون أيضاً أن اللعب بالألوان له تأثير على صحتنا وأجسامنا.
أما سبب لعب الأطفال لألعاب الخدع في هذا اليوم، فهو يعود أيضاً إلى أحد الأساطير وهي أسطورة "دوندي"، يقال إنه كان هناك غولة تدعى دوندي، وكانت تخيف الأطفال في مملكة بريثو، وكانت هذه الغولة لا تقهر لأنها كانت من الإله الأعظم، حتى تدخَّل اللورد شيفا، ولعنها حتى أصبحت غير محصنة، ومن وقتها وهي عرضة لمزاح الأطفال وسخريتهم منها، وفي أحد الأيام قرر صغار القرية طردها من قريتهم إلى الأبد، فظلوا يتتبعوها الى حدود القرية، واستمروا في ذلك حتى غادرت قريتهم نهائياً.
مروة قاسم (42 عاماً) خبيرة تغذية تسكن في القاهرة، ومن المترددين على فعاليات المهرجان، تقول لرصيف22: "عندما أسمع اسم مهرجان "هولي" اشعر بالسعادة، لإنه الوقت الوحيد من العام الذي أشعر فيه بالانطلاق، والحرية، والخروج عن المألوف، حيث الأجواء المليئة بالألوان والرقص والموسيقي والمأكولات الهندية المتنوعة ".
ويقول ساجد سيد، هندي مقيم في مصر، يعمل بقطاع الفنادق، لرصيف22: "هولي هو مهرجان الحب والألوان ، نحتفل به كل عام في الهند، ونيبال وفي الآونة الأخيرة بدأت الجالية الهندية بتنظيم الاحتفالات في بلاد أخرى منها مصر ، وقد ألهم المهرجان المصريين وأصبحت شعبيته تتزايد كل عام ".
وعما يميز الاحتفالات بـ"هولي" في مصر، يقول سيد: "في مصر يتم الاحتفال بالهولي في أيام مختلفة على مدار العام ، حيث إن بعض المدارس، والأندية تقيم احتفالات خاصة بها، أما في الهند فإنه يُقام مرة واحده في العام".
وبصرف النظر عن الأهمية الدينية للمهرجان لدى الهنود، فإن أجمل ما شعرت به أنا هو الاستمتاع بالحياة، والتحرر من القيود التي نخنق أنفسنا بها، أن نكون صداقات جديدة، وأن نجعل العالم بأكمله، والحياة كلّها ملوّنة، وهو ما نحتاج اليه جميعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون