شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مقاهي دبي... قطعة مطرّزة بأناقة وأذواق عابرة للقارّات

مقاهي دبي... قطعة مطرّزة بأناقة وأذواق عابرة للقارّات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأحد 15 مارس 202005:09 م

يأتي هذا المقال ضمن الملفّ الذي أُطلق منذ شهر مارس/أذار 2020, في قسم "رود تريب" بـرصيف22، والمعنوَن: "داوِ الهمومَ بقهوةٍ سوداءِ... المقاهي العربية".

تقلع الطائرة بي من القاهرة في طريقها إلى دبي. تبدأ الأفكار بطَرق أبواب العقل على متنها. وأنتم مسافرون إلى هذه المدينة ستفكرون في كلّ شيء بحياتكم الجديدة، فدبي الكبيرة بكلّ شيء، ستجعلكم حتماً في عجالة للوصول إليها، وعجالة للتعرف على تفاصيلها التي تكثر كلّ يوم؛ فحياة هذه المدينة الباذخة في السّحر، تجعل من إحصاءِ ما فيها من مغرياتٍ أمراً صعباً، خصوصاً إذا كنتم من عشاق الاكتشاف والتعرف،.حينها تصير دبي محطة مهمّة لتلك الرحلة الاكتشافية التي قد تبدأ بالمقاهي، وتنتهي في أعلى نقطة من دبي.

على بعد خطوات من الفندق الذي كان محطتي الأولى في هذه الإمارة، تعثّرت بأول المقاهي، حين دعاني أحد الأصدقاء لضيافتي فيه بعد ساعات من الوصول.

للوهلة الأولى اعتقدتُ أنه سيكون مثل أيّ مقهى كنتُ قد جلستُ فيه سابقاً في القاهرة -مدينة المقاهي الشهيرة– إلا أن اعتقادي تبدّل فوراً مع الدخول إلى ذاك المقهى، حيث لا يأسركم شيء فيه أكثر من الفخامة، ودقة التفاصيل التي صنعت من أجل راحة القادمين إليه.

ترحب بنا النادلة ذات الملامح الأسيوية، بابتسامة شيقة، ولغة إنكليزية بسيطة، يمكن لأي شخص فهمها مهما كان بعيداً عن معرفتها، لتفاجئكم أيضا بأسئلة دقيقة عن مشروبكم ليكون على أفضل وجه ممكن. تمضون وقد عرفتم طلبكم. دقائق معدودة ويكون أمامكم كلُّ شيء على أكمل وجه!


متعة التنوع العالمي

لا ضجر في مقاهي هذه المدينة العالمية، فدبي بتنوعها الهائل، تمنحكم كلّ يوم قدرة على اكتشاف الجديد والمتنوع فيها، لاسيما في المقاهي التي ما إن تتعرفون عليها حتى تدركون أنكم أمام أصناف كثيرة من المذاقات والبشر، الذين، وبسبب التنافس الخدمي بينهم، يسعون دائماً لتقديم ما هو ملفت لزوّارهم، خصوصاً في ما يتعلق بالمشروبات التي يصبح أمرُ إحصائها صعباً، خاصة إن دخلتم في الشق الأسيوي الشرقي الذي ستجدون فيه أشياء كثيرة وغريبة؛ فشاي الكرَك الهندي، أو شاي الماسالا الهندي المميز بنكهته الحادة الممزوجة بالحليب والمؤلف من مجموعة من التوابل التي أحضرت من الهند خصيصاً له، فضلاً عن الشاي الصينيّ، الذي يقدم لمن يبحثون عن تخفيف الوزن أو المذاق الأخضر للشاي بعيداً عن الشاي المعروف لدينا عربياً.

الفرق شاسع بين المقاهي في البلدين، ففي دبي يجب أن يكون كلُّ شيء مقدّماً على أصوله، ما يزيد في راحة الزبائن الذين يجب أن يحبّون المكان أكثر لكي يعودوا إليه مرّات أخرى

أما بالنسبة للتنوع البشري، فأمام عدد الجنسيات المهولة في دولة الإمارات الذي يبلغ أكثر من مئتي جنسية، ستجدون أمامكم جنسيات مختلفة تعمل في هذه المقاهي، كالفلبينين والهنود والباكستانيين، فضلاً عن المصريين الذي يمكن القول إنهم يسيطرون على مهنة تقديم الشيشة التي يمتازون بتقديمها، حيث يقول وليد (27 عاماً) والذي يعمل في مقهى في دبي ، إنه عمل في عدة المقهى منذ نحو 7 سنوات ، مؤكداً أن الشيشة في دبي تتميز بالنكهات الأصلية، بعيداً عن النكهات الشعبية، وأن المقاهي تتسابق لتقديم أفضل الأنواع من المعسّلات، لأنها أهم ما يميز أي مقهى.

ويشير وليد إلى أن هناك الكثير من المصريين يعملون في هذا المجال، فضلاً عن مصريين أسّسوا مقاهيَ كثيرة في المدينة تمتاز بالأصالة المصرية والحداثة التي تتميز بها الإمارة، مؤكداً أنه كان يعمل في هذه المهنة في مصر، قبل أن يأتي لدبي، وأن الفرق شاسع بين المقاهي في البلدين، ففي دبي يجب أن يكون كلُّ شيء مقدّماً على أصوله، ما يزيد في راحة الزبائن الذين يجب أن يحبّون المكان أكثر لكي يعودوا إليه مرّات أخرى، لأنهم أمام خيارات كثيرة، والاحتفاظ بالزبائن صعب في ظلّ كلّ هذه الخيارات، ويحتاج إلى مجهود كبير في الخدمة.

ويشير وليد إلى أن هذه المهنة لها طابع خاصّ في دبي، مؤكداً أنه عمل في العديد من المقاهي، الإماراتية والسورية والهندية والمصرية، حيث أن كلّ مقهى يحاول أصحابه أن يعملوا على حسب ما تعلّموه في بلادهم، مع إضافة الإمكانيات الوفيرة التي تتيحها لهم طبيعة العمل في دبي، فضلاً عن مراعاة الجنسيات الأخرى التي سترتاد المكان، وبالتالي، انصهر الجميع في أجواء العمل العالمي، بعيداً عن المحلية الصرفة التي تعوّدوا عليها في بلدانهم.

في مقاهي دبي إن كنتم سيّاحاً ستجدون المكان الذي يقدّم لكم الخدمة المناسبة بأدقّ تفاصيلها، وإن كنتم متواجدين بقصدِ العمل، فهذه المقاهي هي المكان الأفضل للاسترخاء بعد يوم عمل طويل

ويضيف وليد أن هذا الأمر هو ما يجعل للمقاهي في دبي شكلاً آخر مختلفاً عن البلدان الأخرى، مؤكداً أن ما يقدّمه كلّ مقهى ربما يختلف في تفاصيل دقيقة، إلا أن المجمل العام يخضع دوماً لما تفرضه العالمية التي تتمتع بها دبي.

الأناقة... فنّ تتقنه مقاهي دبي

تبدو المقاهي في دبي وكأنها قطعة قماشية مشغول عليها بعناية وأناقة كاملة. لا يمكن أن تجدوا مكاناً غير مرتب أو أنيق؛ بدءاً من ألوان الجدران، الديكورات، الجلسات المريحة الخاصة بالمرتادين، الأناقة المميزة للعاملين فيها من خلال لباسهم الموحّد. لا يمكن أن تدخلوا واحداً من هذه المقاهي دون أن تجدوا جميع الموظفين قد ارتدوا الثياب الخاصة بالمكان.

كلّ ذلك يمنح تلك المقاهي وجهاً حضارياً رائعاً، يميزها عن أي مكان مشابه لها في بلدان أخرى. ولعلّ تلك الأناقة، تدخلنا في خانة صعوبة البساطة، أو حاجة الترف الملحّة في تلك الأماكن؛ فلا يمكن أن تجدوا مكاناً كهذه الأماكن من دون مغريات أو بذخ. إنه علامة فارقة فيها لأنها قائمة عليه أساساً، حيث يمكن القول إن روعة البذخ هي مقياس لجودة المكان من عدمها. وبالتالي فإن المنافسة تزيد دائماً في مقاهي دبي على فكرة أيّ الأماكن سيكون أكثر بذخاً من الآخر.

ماذا ستدفعون في مقاهي دبي؟

هو السؤال الأهمّ الذي قد يسألونه من يريدون ارتياد أيّاً من مقاهي دبي. الأمر هنا ربما يخضع لحسابات معينة تتعلّق بالدخل الخاصّ بكلّ شخص، إلا أن الأمر ليس صعباً، فالأماكن متاحة للجميع وبأسعار قد تبدو للوهلة الأولى مرتفعة؛ فمثلاً، شرب فنجان شاي في مطعم ومقهى "أرماني" في "برج خليفة" قد يكلفكم نحو 500 درهم إماراتي، بينما تقلّ التكلفة خارج مثل هذا المكان وفي المناطق الأخرى في دبي؛ فمثلاً مقهى "بيكولو موندو" القريب من شارع "الشيخ زايد" الشهير، ستكون التكلفة فيه نحو 140 درهماً للشخص الواحد، بين مشروب و شيشة.

وقد يكلفكم الأمر في مقهى "عيوش" في سيتي تاور الشهير نحو 100 درهماً للشخص الواحد. وهناك مقاه أخرى في مناطق مثل "ديسكفري" و"البرشا" على أطراف دبي، قد تكلف الشخص الواحد أقلّ من 100 درهم إماراتي.

في مقاهي دبي إن كنتم سيّاحاً ستجدون المكان الذي يقدّم لكم الخدمة المناسبة بأدقّ تفاصيلها، وإن كنتم متواجدين بقصدِ العمل، فهذه المقاهي هي المكان الأفضل للاسترخاء بعد يوم عمل طويل، قد تحتاجون في نهايته لبعض الهدوء والرفاهية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image