مرّ يوم المرأة العالمي مع احتفالات وأنشطة عربية "خجولة"، رغم أن الساحات العربية في ظل حراكاتها السياسية والنضالية بمجملها، نسوية بامتياز، كثورة 17 تشرين اللبنانية والثورة العراقية، وقبلهما حراك السودان.
وتزامن هذا اليوم، شديد الرمزية، مع مهرجان نسوي احتضنته بيروت، مع تناس كلي لقضية النساء العابرات جنسياً، ومر البعض عبر تعليقات فيسبوكية خجولة للتذكير بهن، فلماذا التقليل من أهمية هذه القضية؟ وما دور المؤسسات النسوية والجمعيات الأهلية في الإضاءة على أحوال هذه الفئة المهمشة والمقموعة والمعذبة؟
لي صديقات عابرات جنسياً لا ينمن إلا قليلاً، الخوف والقلق جزء من حياتهن، يضاف إليه الهم المعيشي. بعضهن انتقلن إلى عواصم أوروبية ويعشن في المنفى ويعانين من اضطرابات هائلة، ورغم أن ظروفهن أفضل من صديقات أخريات يعشن في بلاد كالعراق مثلاً، فإنهن في النهاية يتقاطعن بنفس المعاناة والرحلات الشاقة
معركة بقاء
مروراً على واقع العابرات جنسياً في المنطقة العربية، فإن تلك النساء، ورغم اختلاف ظروفهن وقصصهن من بلد عربي لآخر، يخضن معركة بقاء بوجه كل أنواع القمع، الاضطهاد، التمييز، التنكيل والعنف، وصولاً إلى القتل والتصفية الجسدية.
ولا توجد منظمات فعلية تقوم بدور حمائي ورعائي يضمن سلامتهن، ونسمع من وقت لآخر، شهادات موثّقة عن سجن تلك النسوة في سجون الرجال، وتعرضهن للاغتصاب والعنف على أيدي عناصر أمنية ومساجين وذكور، بوحشية تترك آثارها الدامية في نفوسهن، وتعرضهن لحالات اكتئاب تنتهي ببعضهن للانتحار، إضافة إلى واقع وصمهن بالعار وبمخالفة الطبيعة، أو معاناتهن من التمييز في أماكن العمل وفي دوائر الدولة، خصوصاً بما يتعلق بإصدار أوراق ثبوتية بعد عمليات الجراحة والعبور الطبية.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت مؤخراً تقريراً عن أحوال نساء عابرات جنسياً في لبنان، بعضهن لبنانيات وبعضهن الآخر لاجئات سوريات، فلسطينيات وعراقيات، يروين فيه معاناتهن ضمن مجتمعاتهن ومحيطهن الأسري، وقلة الموارد والعنف الذي يعانينه، وظروفهن المتعلقة قانونياً وصحياً وأمنياً.
ويثبت هذا التقرير الحالة المزرية التي تعيشها تلك النسوة، لا سيما أسوزي، أبرز العابرات جنسياً في لبنان، والتي توفيت في ظروف قاسية ومعاناة شديدة وإهمال تعرضت له من قبل حكومة بلادها، وعانت من التمييز حتى لحظة دفنها، حيث تأخر الدفن لأسباب تتعلق بهويتها الجنسية. وسوزي بهذا، قد تستحق أن تكون رمزاً لهذا اليوم، وتستحق تكريماً ولو بنشاط وحيد، قد يبرز مجدداً قضية النساء العابرات ويخرجها إلى العلن في نوع من إثبات وجودهن.
على الرغم من أن يوم المرأة العالمي صار يلحظ في أنشطته عالمياً العابرات جنسياً، فإن المنطقة العربية لا زالت متأخرة في تذكر هذه المسألة الهوياتية والإضاءة عليها، رغم الحاجة الملحة والطارئة لتأكيد حق هؤلاء النسوة في العيش بكرامة وضمن حماية القانون
تهميش متواصل في المنطقة العربية
وعلى الرغم من أن يوم المرأة العالمي صار يلحظ في أنشطته عالمياً العابرات جنسياً، فإن المنطقة العربية لا زالت متأخرة في تذكر هذه المسألة الهوياتية والإضاءة عليها، رغم الحاجة الملحة والطارئة لتأكيد حق هؤلاء النسوة في العيش بكرامة وضمن حماية القانون، ونقاش أحوالهن ضمن وقائع علمية، من خلال مجموعات الضغط والنقابات لمساعدتهن في تحقيق حقوقهن المدنية كمواطنات، مثلهن مثل النساء.
وكان إعلان بعض العابرات جنسياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا العالم الذي يمثل بعضاً من المساحة لهن، عن فخرهن بهذه الرحلة الشاقة بعد أن خلقن بأجساد رجال، نوعاً من التعبير عن وجودهن، رغم التهميش الحاصل حتى ضمن البيوت التعددية الجنسانية ومجتمعات الميم ضدهن، والقمع حتى من قبل بعض النسويات. وأظهرت بعض التعليقات شعورهن بالاغتراب في مجتمعاتنا العربية التي يواجهن فيها أقسى العذابات، بدءاً من اليوم الأول من اكتشافهن أنهن نساء خلقن محبوسات في أجساد رجال، إلى اللحظة التي بدأن فيها الحفر في الذات والرغبة، يتنقلن من ألم إلى آخر، وهن بهذا أكثر النسوة استحقاقاً للتكريم والدعم.
لي صديقات عابرات جنسياً لا ينمن إلا قليلاً، الخوف والقلق جزء من حياتهن، يضاف إليه الهم المعيشي. بعضهن انتقلن إلى عواصم أوروبية ويعشن في المنفى ويعانين من اضطرابات هائلة، ورغم أن ظروفهن أفضل من صديقات أخريات يعشن في بلاد كالعراق مثلاً، فإنهن في النهاية يتقاطعن بنفس المعاناة والرحلات الشاقة، ولا بد من استذكار قضيتهن، وهذا واجب جمعيات الميم أولاً، التي يقع على عاتقها نقاش أحوال هذه الفئة ومن ثم دور المجتمع المدني، خصوصاً جمعيات المرأة، في دعم العابرات، إضافة الى دور الإعلام في التوعية على هذه المسائل والإضاءة على شهادات العابرات ومعاناتهن، ولا ننسى الدور الحكومي وعملية الضغط عليه من قبل النخبة والنقابات الطبية والقانونية خصوصاً، لتفعيل أدوراهم في مساعدتهن لتحقيق شيء من العدالة لهن.
للعابرات جنسياً الحق في استعادة حقوقهن، هذا اليوم وكل يوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون