لم تتوقف معاناتها عند وفاتها وحيدة منبوذة من مجتمعها وعائلتها، بل تعرضت للرفض من جديد وهي جثة مسجاة في تابوت، سوزي التي توقعت وفاةً "دراماتيكية" ظلت رهن مشاورات لنحو ساعتين مع المسؤولين عن مقابر حتى توارى الثرى. |
في تابوت وردي (بينك)، نزولاً عند رغبتها، خلفه أقل من 20 شخصاً، شُيّع جثمان العابرة جنسياً والناشطة الجندرية اللبنانية سوزي التي رحلت قبل أيام عن عمر ناهز 66 عاماً.
برغم وفاتها في 27 كانون الثاني/يناير، لم تدفن إلا بعد ظهر 31 كانون الثاني/يناير، والسبب "محاولة البحث عن مقبرة يقبل القائمون عليها دفن عابرة جنسياً"، وفق ما قالته منسقة لجنة الترانس في جمعية "حلم" الحقوقية نايا رجب لرصيف22.
تقول رجب إنه ما كان ينبغي أن يؤجل الدفن كل هذه المدة، مضيفةً: "ما كان ينبغي أن يحدث التأجيل. كل هذا الانتظار سببه واضح ‘ما في مقبرة كانت بترضى تستقبلها لأنها ترانس‘".
ولم يوافق القائمون على مقبرة شاتيلا على دفن الجثمان كما كان مقرراً في الواحدة بعد ظهر اليوم. وقيل إن السبب هو أنها "ترانس" أي عابرة جنسياً.
في تابوت "بينك" شيّع نحو 20 شخصاً سوزي التي كانت تحلم بجنازة ضخمة… أين ذهب جميع المتعاطفين عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
غير أن رجب أوضحت أن سبب الرفض "طائفتها لا جنسها. المقابر في لبنان تتبع الطوائف. فللشيعة مقابرهم وللسنة مقابر وهكذا. أعتقد أن مقبرة شاتيلا للسنة. لذا لم يوافقوا على دفنها لأنه من الضروري الصلاة على روحها قبل الدفن".
وعلقت الناشطة الاجتماعية والصحافية اللبنانية رانيا حمزة على ذلك عبر تويتر بالقول: "لي عم يصير مع سوزي مش مقبول وما لازم ينسكت عنو. حددولنا الدفن الساعة واحدة بمقابر شاتيلا (إجمالاً ما بينقبر لبنانية هونيك) بلعناها، عالوحدة بينبعت إنو تغير محل الدفن على مقبرة تانية صوب مستشفى الساحل. كيف يعني هالشي؟ كيف ع آخر دقيقة بيتغير محل دفن ميت. ولو انتو بتخافوا الله".
ودفنت سوزي في النهاية في مقبرة "بئر حسن" بعد نحو ساعتين من الموعد المقرر سلفاً لدفنها.
تمييز ورفض واستغلال
تعتقد رجب أن معاناة سوزي استمرت بعد وفاتها بسبب ما حدث على صعيد الدفن، وأن التمييز الذي تألمت منه و"قادها إلى الموت" لم يتوقف بوفاتها، مبيّنةً أن "لكل عائلة مقبرتها الخاصة. لكن الأشخاص المرفوضين من عائلاتهم والمجتمع والدولة، مثلنا (مجتمع الترانس في لبنان) لا يجدون مكاناً للدفن، لذا جميعنا معرضون لما تعرضت له سوزي".
"معاناة سوزي التمييز والرفض والاستغلال استمرت بعد وفاتها. رفضت مقبرة شاتيلا جثمانها بسبب طائفتها، واستغل كثيرون وفاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولم يكلفوا أنفسهم عناء المشاركة في تشييعها"… تقول لرصيف22 منسقة لجنة الترانس في "حلم" نايا رجب
وأردفت: "لحسن الحظ أن المركز اللبناني لحقوق الإنسان الذي تولى عملية الدفن، كان يتوقع هذا الرفض. لذا بادر بتجهيز بديل من البداية".
وختمت: "من دواعي الأسف أن سوزي لم تنل مراسم الدفن التي حلمت بها. كانت تتمنى جنازة كبيرة حافلة بالمشيعين المحبين لها. لا أعرف أين ذهب هؤلاء الذين أبدوا تعاطفاً معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم أر منهم أحداً سوى صديقتها جويل".
وبعد الدفن، جرى تقبل التعازي بسوزي في كنيسة مار يوسف، فيما عقد الذكر على روحها في المركز الاجتماعي لـ"حلم" مساء اليوم نفسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...