اعتدت في الفترة الأخيرة قضاء وقت لا بأس به، في مجموعة خاصة على موقع فيسبوك، تنحصر أنشطتها في طرح "استبيانات" على أعضاء المجموعة، ليختاروا من بينها ما يناسبهم في عدة مجالات: السياسة، الدين، الرياضة، الحب، الأكل، السفر والجنس، وغيرها من المواضيع التي تشغل بال الناس، والتي تحولت إلى أسئلة بلا حدود أو حرج، ما يجعل طرح أي سؤال ممكناً وكذلك أي إجابة عليه.
وعلى عكس الضجيج الذي قد يحدثه طرح سؤال يخص الدين مثلاً، فالأسئلة الجنسية أقل وطأة رغم أنها أكثر إثارة، ليس فقط الأسئلة، لكن الإجابات أيضاً، سواء تلك المكتوبة في خانات التصويت، أو تعليقات الأعضاء على المنشور ذاته، تسير في سلام، الكل يحترم اختيارات الكل، والكل أيضاً يجيب بصراحة تامة، ربما لشعور الجميع بالراحة والحرية، أو لتوقع البعض بأن إجابتهم قد تجلب لهم علاقة ما، لذا يسارعون إلى كتابة حقيقة ما يدور في خلدهم.
السؤال الأخير الذي انشغلت بقراءة تعليقاته كثيراً كان لفتاة سألت الأعضاء عن مقايضة أو صفقة أو عرض تلقته، وتحتاج لمعرفة رأيهم في هذا العرض، ألا وهو: الرجل الذي يشترط علاقة جنسية قبل الزواج، ما رأيكم فيه؟، هكذا كان السؤال، والاختيارات تعددت بين أنه حر فيما يعرضه طالما تمتلكين حق الرفض، وبين أنه رجل سيئ يسعى لعلاقة عابرة، لذا يجب ألا تعيريه اهتمامك، أما الجزء الأكبر من المصوتين فكان رافضاً.
إلا أن التعليقات هي التي توقفت كثيراً عندها، للتفكير في سبب المشكلة الحقيقية، أقصد بذلك أن أي عرض يحتوي على حرية الاختيار ليس بمشكلة، فإذا تلقى مقدم العرض نقداً وهجوماً لاذعاً اعلم حينها أن هناك سبباً آخر لهذا الهجوم، سبب قديم يتوارى خلف الكلمات الواضحة، فمثلاً عندما تُخفي إحداهن أنها مطلقة، فهي لا تُخفي عيباً فيها، والمشكلة ليست في شخصها أو حتى في طلاقها، إنما في الموروث المجتمعي تجاه المطلقة، وأداء أفراد المجتمع تجاهها، تتجسّد بتصرفات بعد الرجال الذي يعاملونها على أنها امرأة بلا غشاء بكارة، وممارسة الجنس معها "أسهل" من فتاة لم تمارس الجنس من قبل.
في هذا السياق، يبدو أن هذا مجرد مثال، لكن مشاكل عديدة نعيشها في مصر وغيرها، تتمحوّر حول "شرط الجنس قبل الزواج"، وبالتالي تقودنا إلى "الغشاء المقدس مباشرة"... كيف ذلك؟
التعليقات على سؤال الفتاة في المجموعة انقسمت بين فئتين، الأولى ترى أن العرض لا يسيء للفتاة ولكن الاشتراط يفعل ذلك، أما الثانية فافترضت أن الرجل يريد إقامة علاقة جنسية ثم يفر هارباً
التعليقات على سؤال الفتاة في المجموعة انقسمت بين فئتين، الفئة الأولى ترى أن العرض لا يسيء للفتاة ولكن الاشتراط يفعل ذلك، فلا عيب أن يرغب رجل بإقامة علاقة جنسية مع حبيبته قبل الزواج، والحديث هنا داخل إطار الرغبات والمنطق وخارج عباءة الدين بالطبع، لكن الاشتراط أمر آخر مرفوض، أما الفئة الثانية فافترضت أن الرجل يريد إقامة علاقة جنسية ثم يفر هارباً من الفتاة ومن الزيجة المنتظرة، خاصة وأنه كان صريحاً، ليس فقط في رغبته إقامة العلاقة قبل الزواج وإنما سبب تلك الرغبة: تقييم العلاقة، وعلى أساسها إما يستمر في مخططه نحو الزفاف أو يتراجع عن أي التزام مع الفتاة، ما يعني أن الفتاة لن يكون من حقها لومه على تراجعه فيما بعد، لأنه قد سبق وأخبرها أن الجنس هنا امتحان، ولكل امتحان نتيجتين، فشل أو نجاح.
كيف أرى الأمر؟
شخصياً، أعرف أن مفهوم الزواج ومتطلباته يختلف بين الناس ولا يُمكنني الحكم على أحدهم بأنه خاطئ، الحكم مرهون بالوضوح فقط، فعندما يشرع طرفان في بناء مشروع زواج، لابد وأن يطلب كل منهما ما يرتاح له من صفات وسلوك وطباع تخص الطرف الآخر، ومن ضمن تلك المتطلبات أشياء عدة تخص الجنس، والاستفسار عنها لا يجعل الرجل/ المرأة في موضع شك أو هجوم.
فكما لا يختار أحد توجهه الجنسي، فكذلك لا يختار الناس تفضيلاتهم داخل تفاصيل العلاقة الجنسية نفسها، والتي قد تصل إلى حد الضرورة، كأن يمنعك تفصيل ما عن السعادة الزوجية تماماً، والتي بدورها سوف تصنع بضع مشاكل غير محلولة في العلاقة بأسرها، وقد يكون الجنس أمراً ضرورياً معتاداً بالنسبة لك، ولكنه ليس في الصف الأول من صفوف درجات أحكامك على علاقاتك العاطفية، أي أن "عيباً صغيراً" في مسألة العلاقات الجنسية لا يُمكنه إفشال مخطط زواجك، هكذا أرى أنا، ولكن ليس بالضرورة أن يرى الجميع ما أراه طبعاً.
إذا لم كان الهجوم على صاحب العرض؟ لأنه من المحتمل أن الرجل يزيف مطلبه ويزينه بفكرة الزواج من أجل نيل ليلة واحدة سعيدة مع أنثى، ولم التزييف؟ لأنه إن طلب ذلك مباشرة، فالرفض لن يشمل فقط موقفها الشخصي، ولكنه سيأتي بقوة المجتمع المتسلط الرافض لمنح المرأة حق التصرف في جسدها إسوة بالرجل، وهنا أضم صوتي إلى صوت المتحفظين على الطلب/ العرض، لأصف صاحب العرض "بالرجل السيء"، ولكن قد يكون هناك احتمال آخر، وهو ما تحدثت عنه مسبقاً، حول الحكم على تفاصيل العلاقة الجنسية الضرورية بالنسبة لها، وفي تلك الحالة فلا أجد مبرراً للهجوم على مقدم العرض، إما القبول أو الرفض، وهو من حقّ الفتاة.
المشكلة الحقيقية والتي جعلتني أقوم بالتصويت بالرفض على السؤال، هي أن إقدام فتاة على ممارسة الجنس قبل الزواج في المطلق هو أمر إشكالي في مجتمعاتنا، نعم أنا ضد هذا التضييق، لكن في نهاية المطاف أنا رجل لن يتعرض "للخطر"، لذا فسأتفهم تماماً تخوفات المرأة التي تُترك ضحية لهذا التضييق
المشكلة الحقيقية والتي جعلتني أقوم بالتصويت بالرفض على السؤال، هي أن إقدام فتاة على ممارسة الجنس قبل الزواج في المطلق هو أمر إشكالي في مجتمعاتنا، نعم أنا ضد هذا التضييق، لكن في نهاية المطاف أنا رجل لن يتعرض "للخطر"، لذا فسأتفهم تماماً تخوفات المرأة التي تُترك ضحية لهذا التضييق، وسوف أدعم تحفظها ذلك، طالما أرادته ودافعت عنه بنفسها، تماماً كما سأدعم موقفها إن اختارت حرية التصرف في جسدها دون خوف من عقوبات المجتمع المعنوية، هي المعنية أولاً وأخيراً.
وإذا ما أردت كتابة ملخص منطقي للسؤال بإجاباته فسأقول: "من حق الرجل/المرأة أن يشترط إقامة علاقة جنسية قبل إتمام الارتباط الرسمي، طالما أن سعادته/ا وخياراته/ا مرتبطة بما سيحدث في غرفة النوم، مع الأخذ في الاعتبار ما قد تواجه وتعانيه النساء جراء هذا الاختبار، من ناحية لدغات المجتمع اللاذعة، ولأننا في مجتمع متسلط وذكوري، فالقبول والرفض لا بد وأن يبدأ وينتهي عند المرأة نفسها، التي تستطيع تقييم بيئتها المحيطة بها من أخطار، أو على العكس من حرية تتيح لها ذلك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين