شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مشترك The Voice يروي للمرة الأولى كيف

مشترك The Voice يروي للمرة الأولى كيف "حطّمه" جهاز الأمن السوداني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 9 مارس 202002:46 م

بلداننا سجون كبيرة. تُمارس فيها شتّى أنواع القمع لإطفاء تلك الشعلة التي تقع في الأعماق، فما إن انطفأت، حتى تحققت "المصلحة الوطنية". 

مورس هذا القمع على مشترك النسخة العربية من The Voice (الموسم الثالث)، الشاب السوداني محمد الطيّب. قد ننسى الأسماء أحياناً، ولكن متابعي البرنامج سيذكرون حتماً الطاقة التي ملأ بها المسرح في المرة الأولى التي واجه فيها لجنة التحكيم وأقنع شيرين وصابر الرباعي وكاظم الساهر بأدائه الذي يمكننا وصفه بـ"المشاكس".

"كُسر شيء ما" في محمد الطيّب عقب مغادرته البرنامج وبيروت عائداً إلى الخرطوم. هذا ما قاله لرصيف22 راوياً للمرة الأولى كيف حقق جهاز الأمن السوداني مبتغاه بـ"تحطيمه نفسياً، وجعله سجين نفسه". 

محاولة ضمّه إلى صفوف النظام

بدايةً، أوضح الطيّب أن السياسة لطالما كانت "جزءاً من فكره"، وأن دراسته في جامعة حكومية "طوّرت نظرته للانتهاكات"، لافتاً إلى إيمانه بأن "جميع مشاكل السودان هي لأسباب إثنية ودينية". فاستغل مشاركته في The Voice لـ"الترويج والتنبيه إلى الوحدة بين السودانيين، وهذا ما لفت نظر جهاز الأمن والمخابرات إليه"، على حد تعبيره. 

وروى تفاصيل ما جرى: "عندما وصلت إلى الخرطوم بعد خروجي من البرنامج، حُجز جواز سفري 'لإجراءات أمنية'. طُلب مني الحضور إلى موقف شندي، مركز جهاز الأمن المعروف في الخرطوم، لتسلم الجواز والحديث قليلاً". 

في المركز استُقبل بعبارات مثل "شرفتنا" و"رفعت راسنا"، حسب وصفه، مشيراً إلى أنه أقتيد إلى الطابق الثالث حيث قابل ضابطاً وشخصاً آخر عرّف عن نفسه بأنه منتج فني في قناة ساهور الفضائية.

أضاف الطيب موضحاً: "قال لي إنه يريد إنتاج فيديو كليبات سودانية وتقديمي إلى كبار الشعراء والقنوات التلفزيونية، ورعايتي والاهتمام بموهبتي". 

"موقفي السياسي والأخلاقي تجاه الحكومة الإسلاموية يثنيني عن التعامل مع أجهزتها لتحقيق أجندتها وتلميع صورتها".

وفي شهادته لرصيف22، تابع: "حاولت أن أبدو مسروراً بعرضه حتى أستطيع أن آخذ جواز سفري. طلبت منهم أن يمنحوني فرصة للتفكير وأن يطلقوا سراحي، قالوا إنهم استدعوني للدردشة. أطلقوا سراحي بعد نحو ساعتين، خرجت من هناك على أمل التواصل معهم ولكنني تجاهلتهم. كنت بأشد الحاجة إلى هذه العروض ولكن ليس عن طريقهم. السودانيون يعرفون جميع الفنانين الذين يؤيدون النظام، وهذا لم يكن خياري. وموقفي السياسي والأخلاقي تجاه الحكومة الإسلاموية يثنيني عن التعامل مع أجهزتها لتحقيق أجندتها وتلميع صورتها". 

ولفت إلى أن الطريقة التي تم اتباعها بهدف ضمّه إلى صفوف النظام قولهم له إن الأغنية التي أداها في البرنامج هي الأعلى مشاهدة بين الفنانين السودانيين، "فهذا شرف للدولة ولا بد لها أن ترعاه". 

ولفت الطيّب إلى أن قناة ساهور الفضائية كانت تتلقى دعماً مادياً من أحد أشقاء الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير، وكانت كثيراً ما تمدح الرئيس المخلوع حالياً.

عدا هذا الجانب، قال الطيّب إن الموسيقى أسيرة في السودان لأن القيود الاجتماعية المرتكزة على أساس ديني، طوال فترة حكم الإسلاميين في السودان منذ 1983، غيّرت نظرة المجتمع إلى الفن، وبات الفنان مصدر تهديد للسلطة. وأضاف: "سياسة السلفيين في السودان هي تكفير الفكرة. يتعاملون مع الفنان كما لو أنه كافر ينشر الشرك بالله والضلال".

"قُبض عليّ من الشارع كأني مجرم خطير وأخذوني إلى سجن كوبر. باب الزنزانة لم يكن يُفتح إلا للصلاة أو للحمام"... مشترك The Voice محمد الطيب يروي للمرة الأولى كيف "حطّمه" جهاز الأمن السوداني

"سنجعلك مثل الكلاب الضالة"

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، دعا الطيب متابعيه إلى عصيان مدني. قال: "الفكرة أن يحتجّ السودانيون سلمياً على سياسة الحكومة عن طريق البقاء في المنازل أيام العصيان. نجح العصيان الأول وخرج البشير مهدداً 'لن أسقط بالواتساب والكيبورد'، حينذاك تطورت الحملة لتضمّ المجموعة على فيسبوك أكثر من نصف مليون متابع". 

وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 2016، استُدعي الطيب إلى مكتب جهاز الأمن بسبب منشورات على فيسبوك نبّه فيها إلى العصيان المدني وانفصال الجنوب. من هذه المنشورات: "ح أمشي الجنوب بدون فيزا" وقصيدة للشاعر الثوري محمد طه القدال تقول "شوارع الخير، تقوم مرات وتتوقع وفجأة تهب على طولها تقوم من نهده الوقيع وتدي المعنى للطقيع" (تعني الشوارع الخيرة تثور، وعندما تقف اليوم، لن تهدأ مره أخرى، وتعلّم الظالم معنى الغضب). 

قال: "سُئلت خلال التحقيق عن علاقتي بالجنوبيين ومصدر أموالي، سألوني عن فيديو كليب كنت أريد تصويره عن انفصال الجنوب في المدرسة التي كنت أعمل فيها (مدرس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT)، خرجت من هناك لأجد نفسي مفصولاً من عملي وبدأت أتصرف على أساس أن كل خطواتي مراقبة".

بعدها، ألغي حفلٌ له مع الشاب خالد. قال: "من باب التوضيح، يتدخل جهاز الأمن في الحفلات التي يكون الحضور فيها كبيراً في السودان حتى بعد إعطاء التصاريح". 

وتابع: "بعد إعلان اسمي في المسرح، وكانت فرقتي الموسيقية تختبر الصوت، طُلب منها النزول من المسرح، وأخبروني أنه لا يمكنني الصعود إليه من دون أن يذكروا أسباب هذه الخطوة".

بعد ثلاثة أشهر، وفي حادثة مماثلة، تدخّل جهاز الأمن مرّة أخرى قبل مشاركته في تأبين الفنان محمد وردي، وهو ما أدّى إلى عدم مشاركته بالفعل، "وبعدها، اتصل به 'أمنجي' (ضابط يعمل لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني) وقال له حرفياً 'سنجعلك مثل الكلاب الضالة'"، حسب قوله.

"قالوا لي 'تاني بنوديك التوج طوالي'، أي سنقتلك في المرة المقبلة"... مشترك The Voice محمد الطيب يروي للمرة الأولى كيف "حطّمه" جهاز الأمن السوداني

"قُبض علي من الشارع كأني مجرم خطير"

وفي 20 يناير/كانون الثاني 2018، قبض على الطيب لمشاركته في تظاهرات جرت قبل ثلاثة أيام في مدينة أم درمان، للتنديد بموازنة عام 2018 التي كان 60% منها مخصصاً للدفاع والأمن والسلاح، وحوالى 2% للصحة والتعليم. بعد ذلك بأيام شن جهاز الأمن حملة اعتقالات شملت طلاباً ومثقفين وأفراداً يعارضون سياسات الحكومة ويطالبون بتغيير النظام في السودان.

قال الطيب: "قُبض علي من الشارع كأني مجرم خطير يوم 20 يناير/كانون الثاني 2018 وأُخِذت إلى سجن كوبر. قبعت في غرفة تضم عشرة مساجين، موسيقيين ومصورين وصحافيين ومثقفين متمردين. باب الزنزانة لا يفتح إلا للصلاة أو للحمام. كانوا يمارسون الكبت الجسدي والنفسي، يريدونك ألا تفكر في التظاهر مرة أخرى. كنت محظوظاً لأنهم أخرجوني عقب ثلاثة أيام بعدما قالوا لي 'تاني بنوديك التوج طوالي'، أي سنقتلك في المرة المقبلة. أطلقوا سراحي بعدما وقّعت على تعهد بعدم التدخل في السياسة وأخبروا الصحافة أنهم أفرجوا عن المعتقلين السياسيين، ولكن في الوقت نفسه، طلب مني ضابط يدعى محمد طارق زيارة موقف شندي بعد حوالي أسبوعين لتوقيع الحضور. كان من المفترض أن أزوره بعدها بشكل أسبوعي، كنوع من السيطرة عليّ، وللتأكد من وجودي في السودان. كانوا يأمروننا ويريدون منّا الطاعة، إلا أنني لم أذهب. اختبأت وبدأت أفكر بالهرب من السودان". 

"جعلوني سجين نفسي"

"وضعني جهاز الأمن السوداني تحت الأنظار لتحطيمي نفسياً وجعلي سجين نفسي. أرادني ألا أفكر مطلقاً في السياسة. لا يعنيه إذا خرجتُ من السودان أو بقيت. أستطيع أن أؤكد أنه حتى الآن حقق ما يريد". 

هذا ما قاله الطيب معرباً عن أسفه لإضطراره مغادرة السودان، واستقراره حالياً في هولندا. وتعدّ هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الطيب عمّا تعرّض له في السنوات الأخيرة.

قنبلة موقوتة

تحدث الطيب أيضاً عن الثورة التي أسقطت البشير. اعتبر أن وعي الشارع أهم نتاج للثورة، ولكنه أشار إلى نقطة أخرى وطرح سؤالاً مهماً: ما المصير؟

ولفت إلى أن "الجنجويد (قوات الدعم السريع التي يقودها النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي") الذين يملكون القوة والمال والسلاح هم القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة وتهدد 40 مليون سوداني". 

قال: "أنتجت عملاً بسيطاً قبل شهر، يحكي عن كل الاتفاقات الحمقاء للساسة على مر التاريخ. حاولت تسليط الضوء على نظرة السودانيين المكسورة إلى الاتفاق الأخير بين حميدتي والمدنيين في تقاسم السلطة".

"كل ذلك تصفه شعارات الثورة 'حرية'، 'سلام' و'عدالة'".

وأوضح: "المدنيون والعسكريون في السودان اتفقوا في 17 أغسطس/آب الماضي على تقاسم السلطة. الشعب السوداني كان ينظر لهذا الإتفاق بأمل مكسور قليلاً، يعلم أن الحكومة المدنية التي يريدها هي جزء من هذا الاتفاق، ولكن هناك أيضاً مجرمي الحروب، مثل محمد حمدان حميدتي ورئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان، اللذين أمرا القوات بفض اعتصام القيادة العامة وبالقتل في الثورة الأخيرة، ولديهما تاريخ دموي". 

ولا يرى الطيب سوداناً حراً سوى "عندما يُحلّ جهاز الأمن، ويذهب الجنجويد إلى الجحيم، وعندما تعاد هيكلة الجيش ويصبح مؤسسة وطنية خالية من الإسلاميين، وعندما يتقبل الجميع وجود التنوع وتتوقف الأحزاب عن سياسات الإقصاء وتتحقق العدالة لأسر الضحايا والمنكوبين". 

وختم: "كل ذلك تصفه شعارات الثورة 'حرية'، 'سلام' و'عدالة'".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard