للمرة الأولى منذ أن بسط النظام السوري سيطرته على درعا، مهد الثورة السورية ضدّه، في تموز/ يوليو 2018، اقتحمت دبابات ومدرعات جيشه مدينة الصنمين في الريف الشمالي للمحافظة، واشتبكت مع فصائل مسلحة معارضة.
الاقتحام الذي جرى يوم الأحد في الأول من آذار /مارس، يُعَدّ خرقاً لاتفاق التسوية الذي يكاد يمرّ عامان على توقيعه بين النظام والمعارضة، إذ نصّ هذا الاتفاق على بقاء فصائل قاتلت في صفوف المعارضة في مدنها وقراها في جنوب غرب سوريا، بشرط تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة للنظام، مقابل سحب الأخير لأسلحته الثقيلة من المدن، وقصر حضوره في المنطقة على المؤسسات الحكومية.
محمد الشرع، عضو مكتب توثيق الشهداء في درعا، قال إن الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة الصنمين صباح الأحد بين النظام والفصائل الموالية له من جهة ومقاتلين معارضين من جهة أخرى، انتهت "بعد تسليم المقاتلين الأسلحة والاتفاق على نقل 21 مقاتلاً إلى شمال سوريا وتسوية وضع الباقين".
وأضاف الشرع لرصيف22: "وصل المقاتلون إلى الشمال ليلة أمس. الباقون تجري تسوية وضعهم حالياً، إذ يسلّمون أسلحتهم، وقد ينضم بعضهم إلى الفيلق الخامس".
والفيلق الخامس هو فصيل عسكري أنشأه النظام أواخر عام 2016.
عملية النظام العسكرية في محافظة درعا لم تتصاعد، فقد اضطر لإيقافها في يوم إطلاقها ذاته نتيجة الرد الذي تلقاه في باقي أنحاء المحافظة، بحسب أبو محمود الحوراني، المتحدث باسم تجمع أحرار حوران المعارض.
يقول لرصيف22: "كان هناك عدم رضى عن اقتحام النظام للصنمين في باقي مناطق درعا، ما أدّى إلى احتجاز 54 من العناصر والضباط التابعين للنظام، وهددت لجنة درعا المركزية بعدم إطلاق سراحهم إذا لم يوقف النظام العملية العسكرية باتجاه الصنمين".
ويضيف: "قوات النظام بدأت بتمشيط الأحياء الغربية من مدينة الصنمين والبحث عن المطلوبين واعتقالهم"، متابعاً: "كانت هناك اعتقالات عصر اليوم (3 آذار/ مارس) شملت مطلوبين... وما زالت حملة التمشيط مستمرة".
ما الذي يجري في درعا؟
اتفاق التسوية الذي أُبرم في درعا، بوساطة روسية، لم يشبع رغبة النظام السوري بإحكام القبضة الأمنية على جنوب غرب سوريا، حيث تقع محافظتا درعا والقنيطرة، والحدود السورية مع أراضي الجولان المحتلة.
وإثر انتقال النظام للتركيز على جبهات الشمال السوري، لم يهدأ الوضع في درعا إطلاقاً. تشهد المحافظة اغتيالات ومحاولات اغتيال تستهدف تحديداً قياديين سابقين في المعارضة المسلّحة. كما انتشرت حالات الاختطاف السياسي أو الهادف إلى كسب المال، في حين لم يتوقف النظام عن مداهمة المدن، والقرى، والبيوت، واعتقال الشباب للزج بهم إما في السجون أو على الخطوط الأمامية للمعارك.
قسم المعتقلين والمختطفين في مكتب توثيق الشهداء في درعا ذكر في بيان له أن النظام، عبر أجهزته الأمنية، اعتقل 391 شخصاً من أبناء المحافظة خلال عام 2019، بعضهم أطلق سراحه لاحقاً، والبعض الآخر لا يزال في المعتقل، فيما قضى عدد منهم تحت التعذيب.
كما وثق المكتب مقتل 44 شخصاً من أبناء درعا في معارك النظام السوري في الشمال.
يقول الشرع إن الفوضى في درعا هي "برعاية النظام" الذي "لا يحقق ولا يعتقل ولا يقوم بأي شيء" للحد منها.
"كان هناك عدم رضى عن اقتحام النظام السوري لمدينة الصنمين في باقي مناطق درعا، ما أدّى إلى احتجاز 54 من العناصر والضباط التابعين للنظام، وهددت لجنة درعا المركزية بعدم إطلاق سراحهم إذا لم يوقف النظام العملية العسكرية"
المقاومة الشعبية مستمرة
عام 2018، برزت على صفحات التواصل الاجتماعي منشورات تتحدّث عن "المقاومة الشعبية في الجنوب"، وهو تجمّع لمقاتلين سابقين في صفوف المعارضة، رفضوا السكوت عن جرائم النظام المستمرة ضدهم.
نضال (اسم مستعار) كان أحد مَن أبقوا على سلاحهم الخفيف، وهو اليوم مع عائلته في مدينة جاسم، في ريف درعا، رغم سيطرة النظام السوري عليها.
"البقاء في مدينتي كان الخيار البديهي الوحيد لي. ليس هناك مكان آخر أرغب في العيش أو الموت فيه"، قال نضال لرصيف22 عبر الهاتف، مضيفاً: "قبولي بالتسوية لا يعني حبّي للنظام، والدليل أن النظام لم يهنأ يوماً واحداً منذ اتفاق التسوية".
ويتابع نضال الذي انضمّ إلى صفوف المقاومة الشعبية: "النظام وأعوانه، بعضهم من أبناء درعا ومن أبناء الثورة للأسف، يقومون باعتقال وخطف وتعذيب الناس، وتقليبهم بعضهم ضد بعض… ما نفعله هو الرد على ذلك باستهداف رموز النظام وإجرامه، لا أكثر… النظام لم يهنأ يوماً منذ انتصاره المزعوم في الجنوب".
إلى النشاط العسكري الذي تقوم به بعض فصائل التسوية، يُضاف النشاط المدني الذي يتجلى في تظاهرات متكررة تطالب بإسقاط النظام، وتعلن تضامنها مع إدلب والصنمين وغيرها من المناطق التي تتعرض لقصف النظام وحلفائه.
تنتهي مهلة التسوية التي منحها النظام وحلفاؤه لأبناء جنوب غرب سوريا في 26 آذار/ مارس الجاري، ما يزيد من قلق أهالي درعا من الفترة المقبلة، فما الذي قد يفعله بعد انتهائها؟
حتى العشائر عجزت عن السيطرة على الموقف
عشائر محافظة درعا اجتمعت يوم الأحد، في 23 شباط/ فبراير، لتعلن توحّدها جميعها لتصبح قوّة واحدة في وجه الفوضى والاغتيالات والاختطاف، ولترفع الغطاء عن أبناء العشائر العاملين مع أجهزة النظام الأمنية. ولكن لم يغيّر ذلك شيئاً، إذ عادت حالات الخطف والاغتيال إلى المدينة بعد ساعات من الإعلان.
"إعلان العشائر هو أقرب إلى الإعلان الإعلامي، لا أكثر ولا أقل. ليس لديهم القدرة الحقيقية ولا الإمكانات لإيقاف الاغتيالات ولا الحد منها"، قال الشرع، وأضاف: "الفوضى الأمنية لا تنتهي إلا عندما يتم ضبط كل الأسلحة وحصرها بطرف واحد، وبما أن السلاح اليوم متفلت والأطراف المسلحة كثيرة، فالفوضى مستمرة، وبالتالي الاغتيالات مستمرة".
تنتهي مهلة التسوية التي منحها النظام وحلفاؤه لأبناء جنوب غرب سوريا في 26 آذار/ مارس الجاري، ما يزيد من قلق أهالي درعا من الفترة المقبلة. فإذا لم يجد النظام السوري في اتفاق التسوية رادعاً عن المداهمات الأمنية والاعتقالات التعسفية، ما الذي قد يفعله بعد انتهائها؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...