شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"ثلاث دقائق بعد الهولوكوست"... قضية سرقة أو خطف أو اختفاء أطفال اليهود اليمنيين في إسرائيل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 23 فبراير 202011:44 ص

كان مقدراً للسنوات الأولى لقيام إسرائيل أن تكون هي نفسها سنوات انكشاف الدولة على "اليهود العرب"، وكشفها عن وجهها الداكن بشكل لم تعمل حسابه، وكان مقدراً لهذا الانكشاف أن يترك ندبة غائرة على وجه الدولة، ندبة تشتعل وتهدأ طول الوقت، سوياً مع الرغبة الرسمية الحارقة، والمستحيلة، في الإبقاء عليها كـ"ندبة سرية".

وكانت قضية بيع، أو اختطاف، أو اختفاء أطفال اليهود اليمنيين، واحدة من أقدر القضايا على كشف تعقيدات العلاقة الاستعلائية بين المستوطنين اليهود الأشكناز في فلسطين، وبين اليهود العرب الآتين من العراق والمغرب واليمن وغيرها من الدول.

البداية كانت في عملية أخذت اسماً مستوحى من التوراة، وهو "على أجنحة النسور"، وآخر مستوحى من "ألف ليلة وليلة"، وهو "البساط السحري"، وجرت بين منتصف عام 1949 حتى نهاية 1950، تلك الفترة التي هاجر فيها خمسون ألف يهودي من اليمن إلى إسرائيل.

لم تكن الدولة مستعدة جيداً لاستقبال هؤلاء، وربما لم تكن مستعدة لرؤيتهم كيهود بالأساس. يصف المتحدث العسكري وقتها عمق الارتباك، والاستعلاء، قائلاً: "آن لنا أن نفهم أن الآلاف العديدة المتكدسة في الضواحي المقفرة والعشش المهجورة، هم نفسهم شعب دولة إسرائيل، ونحن معرّضون، إنْ لم نذوبهم بداخلنا، لأن نذوب نحن بداخلهم".

وُضع المهاجرون الجدد في مخيمات شديدة الفقر في "روش هاعاين" و"عين شيمر"، و"برديس حنا" وغيرها.

إزاء رؤية النساء والكهول بملابسهم التقليدية، سادت الدولة حالة هائلة من الفوضى والارتباك. تصفهم الأفلام الدعائية وقتها بالقول: "الآن يخرجون، جوعى، وأحياناً مصابين بغثيان من الرحلة الجوية، يبدون كمخلوقات من ألف ليلة وليلة، هذا منظر ملون، ولكن يصعب أن يكون جميلاً".

ثلاث طائرات قامت وقتها بما يقارب الـ450 رحلة جوية، نقلت عبرها اليمنيين. كل يوم كانت تطير الطائرات وتحط لتخرج منها مئات من "مخلوقات ألف ليلة وليلة"، أمام المجتمع الإسرائيلي الأشقر والمرتبك.

أطفال يمنيون ملأوا المخيمات في الدولة الجديدة، في مقابل آباء أشكنازيين، غير قادرين على الإنجاب ويرغبون في الحصول على طفل بأي ثمن. قانون التبني لم يكن قد سُن بعد. بيع الأطفال وشرائهم تحوّل سريعاً إلى ظاهرة كتبت عنها هاآرتس وقتها: "تتوجه العائلات إلى السوق السوداء من أجل تبني طفل" و"يرغب الأشكنازيون في تبني أطفال شقر، لكنهم يضطرون للاكتفاء بالسود، ببساطة، لأن هذا هو الموجود".

بعض حالات تبني الأطفال اليمنيين كانت مدفوعة بدوافع تنويرية: سننقذ الأطفال من آبائهم، نمدّنهم ونجعلهم جديرين بأن يكونوا إسرائيلين.

بحسب الكثير من شهادات اليمنيين، جرى الأمر كالتالي: يأتي مبعوث للمعبرة، وهو اسم المخيم الذي سُكّن فيه اليهود الشرقيون فور وصولهم، ويقول للآباء، بلهجة لا تقبل النقاش، إنهم سيأخذون ابنهم الذي لم يتعدَّ الثلاث سنوات من العمر، إلى بيت الرضع. ويذهب الطفل هناك فعلاً، وتزوره الأم يومياً، حتى تجد يوماً أناساً يصرخون فيها بعصبية: "امشي امشي. الولد مات"، ويضطر الأب أو الأم اللذين يتكلمان العبرية بلهجة يمنية مضحكة، واللذين لا يفهمان شيئاً عن البلد الجديد التي وجدا نفسهما فيها، أن يذعنا، منكسي الرؤوس، ويمضيان بلا وثيقة وفاة، بلا جنازة. رأت بعض العائلات القبر المزعوم للطفل، ولم يرَ أي منها جثته.

وُجدت هذه الصيغة، باختلافات طفيفة، في شهادات الكثير والكثير من الأهالي الذين أقلق بعضهم، ذات يوم في عام 1966، أن يصحو ليجد طلبات بالتجنيد في صناديق بريدهم، موجهة إلى الأبناء الذين جرى الزعم أنهم توفوا، لتبدأ شكوك الآباء تثور حول احتمالية بقاء الطفل على قيد الحياة، ولتبدأ القضية في الاشتعال، ولا تتوقف لحظة واحدة منذئذ، بل وتكبر، لتصبح واحدة من أهم القضايا الإسرائيلية الداخلية، حتى مع اختلافات التسمية بحسب الموقف منها: قضية خطف، أو بيع، أو اختفاء، أطفال اليمن.

صارت القضية التي جمعت الكثيرين جداً من اليهود اليمنيين، واليهود العرب عموماً، تُعرف مؤخراً باسم "قضية أبناء اليمن، الشرق والبلقان". صاحب التسمية هو الحاخام عوزي مشولام، وهو واحد من الشخصيات المفتاحية في تاريخ هذه القضية.

على مدار ثلاثين عاماً تقريباً، واستجابة للضغوط المتواصلة من أهالي الأطفال، بما استتبعها من ضجة جماهيرية، عيّنت حكومة إسرائيل ثلاث لجان لفحص الادعاءات بخطف الأطفال. كانت الأولى هي لجنة بهلول-مينكوفسكي عام 1967 والتي فحصت 342 ادعاءً، وفي الثمانينيات من القرن الماضي جاءت لجنة شلجي لتفحص 505 ادعاءً، وفي عام 1995 أقيمت لجنة القاضي يهودا كوهين.

جميع اللجان أكدت على وفاة الأغلبية الكاسحة للأطفال بالفعل، ولم تستطع إثبات حالة خطف واحدة، وهو ما كان يتسبب، مرة تلو الأخرى، في حالات غضب مستعرة في إسرائيل ضد اللجان، مع تشكيك متصاعد في آليات عملها.

عام 2017، واستجابة للضغط الشعبي، انفتح أرشيف الدولة في ما يخص عمل اللجان المختلفة في القضية، وبهذه المناسبة، استضاف برنامج "مشدار ميوحاد" الذي يعرض على قناة "كان 11"، الخبير القانوني بوعز سنجرو. يعلّق الأخير:

"ماذا تتوقع اللجنة لو كانت تشك في الموضوع؟ أن يكتب مَن يُخفي طفلاً في وثيقة ما ‘لقد خطفنا الولد’!؟ بالتأكيد سيكتب أن الولد مات، وربما دُفن أيضاً".

وللدلالة على تراخي هذه اللجان، سيستشهد سنجرو بنص فقرة من تقرير اللجنة يقول: "مع بداية عمل اللجنة، وقبل أن تُدمّر بيانات مستشفيات الولادة، طولبت مستشفى الولادة هيلل يافيه بالحفاظ على البيانات ولكن للأسف الشديد، وبسبب عقبة إدارية ما، لم يُحترم هذا الطلب، وجرى تدمير البيانات".

حقاً لم تكن تعرف أنك لقيط؟

مؤخراً، وافقت المحكمة العليا في إسرائيل، على قبول 11 طلباً من 11 عائلة بالتحقيق في اختفاء ذويهم في الخمسينيات، وعُدّ هذا انتصاراً كبيراً للأهالي اليمنيين.

بعد أن كان الادعاء العام قد رفض مطولاً قبول الطلبات إلا بوصفها طلبات متفرقة، وافقت المحكمة على قبول الطلبات الـ11 في ملف واحد، بما يعني اعترافاً ما بأن الموضوع لم يكن مجرد حالات فردية، وأن ثمة ظاهرة هنا، وهو ما ظلت المؤسسة الحكومية في إسرائيل تنكره لعقود.

بالتزامن مع ذلك، أعدّ برنامج "ماكور" مؤخراً تقريراً أثار الكثير من الجدل، فنّد فيه كثيراً من ادعاءات الأهالي اليمنيين بخطف أبنائهم. هدف البرنامج، بحسب ما صرح صناعه، كان الشكوى من "حركات الاحتيال" التي يمارسها بعض الداعين للقضية، ولكنه حمل نبرة شديدة الاستعلاء على الأبناء الذين ادعوا أنهم مخطوفون، ما أعطى الانطباع بضيق من القضية بشكل عام.

استضاف البرنامج يهودا كنتور، واحد من الأبناء اليمنيين المختفين، والذي ادعى أنه جرى اختطافه وبيعه لعائلة أخرى قبل أن يعثر مؤخراً على أبويه البيولوجيين، منهياً هذا الصراع في حياته. يواجهه المذيع: أنت ولدت في أكتوبر 1950، فيقول: صحيح.

- وبعدها بيومين نُشرت أخبار في الجرائد: عُثر على رضيع حديث الولادة متروكاً في حمام مخيم عين هاشيمر. هل تفهم عما أتكلم عنه؟

- لا أبداً. هذا مفاجئ لي.

- (بدهشة مصطنعة للغاية) لا تعرف هذا؟

- لا، لا أعرف. هذا مفاجئ جداً جداً لي، ربما كان هذا أنا.

- بعدها بشهور، نُشرت أخبار عن امرأة في حدود ما يزيد عن العشرين عاماً، وأمها، حوكما في المحكمة بسبب تركهما لطفل رضيع.

- والله؟ لم أعلم بهذا.

- أنا مصدوم من كوني أفاجئك.

يطلب منه المذيع أن يأتي باللابتوب، ليقرأ معه نص الخبر في جريدة "دافار" على الشاشة: "في 12 آذار/ مارس، 1951، القاضي الإقليمي دكتور عتسيوني لخّص الادعاء في شأن ترك طفل حديث الولادة من قبل أمه وجدته. وجدت الممرضة رضيعاً حياً مُغطى بالخرق في مخيم اليمنيين، عين شيمر... وأدينت الاثنتان بتهمة ترك طفل، وحُكم على أمه بثلاثة وثلاثين يوماً، والجدة بالحبس لستة أشهر"، يكمل الابن المصدوم القراءة، قبل أن يبدأ في التعبير عن دهشته:

"تركاني بعد الولادة هكذا؟! في الحمام. هذا يصدمني. هذا أمر يتعلق بحياتي، بكينونتي. لو كنت متّ هناك. هذا أمر يفاجئني. بالتحديد عندما تقول أنت إن هذا موثق على يد القضاء. أنا لا أحاكم أحداً، بالمناسبة، لا أحاكم أمي. يجب التأكيد على هذا. أنا فقط مصدوم من مصيري. لم أكن أعلم شيئاً عن نفسي، وظننت أنّي جزء من مخطوفي اليمن. يبدو هذا، يبدو جداً، لأن الوثائق تشهد على هذا، يبدو أنني رُميت. هذا يؤلمني، أحتاج إلى وقت لأستوعبه. هذا ليس بسيطاً".

- ببساطة لقد حوّلوك إلى ما يشبه الرمز. يختم المذيع اللقاء بأسى.

هذه النبرة الاستعلائية استفزت الكثيرين ليكتبوا ضد التقرير كاشفين تناقضاته. يكتب أفيرام تسوريف في موقع "هاعوكتس"، وقد استفزه تعبير "الترك" في الخبر الذي نشرته جريدة "دافار":

"إن مجرد القبول غير النقدي بوصف ‘الترك’ في جريدة إسرائيلية في الخمسينيات بالنص يستلزم المحاكمة في حد ذاته. يجب التذكر أن الترك، في المعجم الصهيوني الإسرائيلي في الخمسينيات، ليس مفهوماً محايداً أبداً، وإنما يستخدم كأساس للادعاء الوطني. تعريف شيء ما بوصفه ‘متروكاً’ يعطي الأساس لتحويله إلى ملك للدولة. وبالطبع، فالمعضلة الأساسية المطروحة في هذا السياق هي معضلة الأراضي والبيوت الفلسطينية، والتي وُصفت، سواء في الخطاب أو من ناحية وضعها القانوني، كممتلكات متروكة، ما أعطى الأساس لهيمنة الدولة عليها. الأراضي والبيوت، بالطبع، لم تُترك قط، وإنما مُنع عن أصحابها العودة إليها.

قضية بيع، أو اختطاف، أو اختفاء أطفال اليهود اليمنيين، هي واحدة من أقدر القضايا على كشف تعقيدات العلاقة الاستعلائية بين المستوطنين اليهود الأشكناز في فلسطين، وبين اليهود العرب الآتين من العراق والمغرب واليمن وغيرها من الدول

تحوّل ‘المتروك’ إلى رؤية شاملة للعالم. في الصحافة الإسرائيلية، وُصف الضحايا المسلمون للحرب بين الهند وباكستان باعتبارهم ‘تركوا’ بيوتهم، في مقابل الهنود الذين وُصفوا كمَن ‘طُردوا’ من بيوتهم.

وفق هذا الادعاء الهائل، والقائم على كلمة ‘الترك’ في إسرائيل الخمسينيات، وعلى خلفية ما هو معروف مما حدث في بيوت الرضع، ألا نشك في تقرير من جريدة الحركة الحاكمة التي تتهم يمنية بـ’ترك ابنها’؟".

طفل وعائلتان

في أمثولة الملك سليمان، تدخل امرأتان ومعهما رضيع واحد تتنازعان عليه، يأمر سليمان بشقّ الطفل إلى نصفين وإعطاء كل امرأة نصفاً، فترفض واحدة من الاثنتين، فيعرف سليمان أنها أمه الحقيقية.

يشبه هذا قصة الأطفال اليمنيين بعض الشيء، ولكن مع بعض التعقيد، فلا أحد من المرأتين مستعد للتخلي عن الطفل، والطفل نفسه لم يعد رضيعاً، لقد كبر وكبرت معه المعضلة. أصبح شيخاً في سبعيناته الآن.

غالباً ما يتكرر نموذج واحد في حياة الأطفال الذين جرى تبنيهم، يعيشون مع أبويهم بشكل طبيعي، ثم يكبرون ويجدون مَن يتنمّر عليهم لسواد بشرتهم، مقارنة بالمجتمع الأشكنازي الذي يعيشون ويدرسون فيه، يسألون آباءهم عن سر هذا، فيخبرهم آباؤهم بالحقيقة. يقول أوري فختل لبرنامج "مشدار ميوحاد": الأطفال كانوا يبدأون بالقول: أنت حبشي وما إلى ذلك، سألت أمي [التي تبنتني] وشرحت لي أنه لم يكن بمقدورها إنجاب أطفال، ذهبت لمؤسسة فيتسو، وقالوا لها هناك: يوجد هنا أطفال... كأننا في محل بيع كلاب، اذهبي واختاري".

ويضيف: "من شهر ركبت قسطرة، وسألني الطبيب إنْ كان لدي مرض وراثي، إنْ كان يوجد شيء في العائلة. قلت له: لا أعرف. قال: ما الذي يعنيه هذا؟ قلت: ليست لدي عائلة. لقد جرى تبنيّ. لا أنتمي لأي أحد. لا أعرف من أنا".

في أحيان كثيرة، لا يرغب "الطفل" نفسه، والذي قد يبلغ الآن ستين أو سبعين عاماً من عمره، في العودة إلى أبويه اللذين أنجباه. يحاول الناشطون في القضية تشجيعه على البحث عن أبويه البيولوجيين، ولكن يتردد، خطوة للأمام وخطوتان للوراء.

قلائل جداً فقط مَن واتتهم الجرأة للبحث عن عائلاتهم الحقيقية، وقلائل مَن رغبوا بهذا في الأساس.

استضاف برنامج "مشدار ميوحاد" تامي تسوكر كبيري، يهودية يمنية جرى تبنيها على يد روت تسوكر. يسألها المذيع إن كانت قد بحثت عن آبائها البيولوجيين، أو رغبت في البحث عنهم، فتجيب:

- لا، أعتقد... قد تكون هذه حماقة طفولية أو شيء كهذا، ولكن ما حدث لا يمكن إعادته، وليس من الممكن الاستئناف على أشياء جديدة حدثت، وإطار جديد خلق، إطار مثالي برأيي.

في نفس الوقت استضاف البرنامج روت تسوكر، أمها بالتبني، امرأة على قدر كبير من الأناقة والثقافة. بلكنة أشكنازية واضحة، تحكي أنها أدت واجبها الأخلاقي كما ينبغي، فبحثت عن الأبوين البيولوجيين للطفلة التي تبنتها، ولم تجد لديهما، بحد قولها، أي اهتمام باستعادة الطفلة.

تحكي تسوكر قصة تبنيها لتامار/ تامي، وكيف رأت فيلماً عن الحالة المتدهورة للأطفال الذين وصلوا مؤخراً من اليمن إلى إسرائيل، وكيف عرفت فوراً أن هذه هي مهمتها الأخلاقية التي يتوجب عليها تأديتها. رأت طفلة مريضة للغاية، لا أحد يهتم بها أو يسأل عنها، "مثلما في هذه الصور"، وتشير إلى صور لأطفال بؤساء من أبناء اليمنيين أيام الهجرة.

كلمت الأم طبيب الأطفال الذي يعالج ابنها، أخبرته برغبتها في تبني هذه الطفلة، وإدراكاً منه لنواياها الطيبة، حسب سرديتها، عرض عليها طفلة أخرى لديه، شقراء بعينين زرقاويتين، يتيمة لأبوين مليونيرين: "سأعطيك إياها، قال، أنا أعرف أنك امرأة طيبة، سوف أهتم بأن تتمكني من تبنيها. قلت له: أتخيل أن الناس تقف في طوابير للحصول عليها. قال لي: بالتأكيد: لديّ مَن يريدون أن يخطبونها أيضاً. قلت: ومَن يقف إذن في طابور من أجل هذه الصغيرة؟".

تختم الأم كلامها، بابتسامة مُحسنة، ومنتصرة، على مسامع ابنتها التي جرى تبنيها، فيما الأخيرة تبتسم وتهز رأسها بأدب وامتنان.

ولأن ثمة إطار مثالي هنا، في العائلة الجديدة، العائلة التي لا يعرف الطفل غيرها، فإن عبء الكشف عن القضية يقع غالباً على كاهل العائلة الأصلية، الأب أم الأم أو الإخوة اليمنيون.

ما يلفت النظر في عمل اللجان الثلاث التي تولت التحقيق في الموضوع، أن شكاوى الأهالي وشهاداتهم تتزايد على مر الزمان، في آلية تشبّهها شوشانا مدموني في موقع "هاعوكتس" بآلية عمل حركة "مي تو": شهادات كانت تُعد سابقاً هستيرية ومبالغاً فيها، ولكنها تشجّع أناساً آخرين فيدلون بشهادات جديدة متشابهة في الكثير من التفاصيل، وشيئاً فشيئاً، تتحول القضية كلها إلى جزء من الوعي العام.

"ثلاث دقائق بعد الهولوكوست، ودقيقة واحدة بعد إقامة دولة إسرائيل بوصفها ملجأ لجميع اليهود، يهود يخطفون أطفالاً من يهود آخرين على خلفية عنصرية! لا أحد يريد الاعتراف بهذا"

يحكي يغآل يوسف، الرئيس السابق لبلدية روش هاعاين، من أصول يمنية، في فيلم "مشولام" للمخرجين إيال بلحسن ونوعام شيزاف، عن اختفاء أخته الصغيرة: "الصورة المنقوشة أمام عيني حتى هذه اللحظة كأنما حدثت بالأمس، كانت صورة شرطي يمسك بيد أمي من ناحية، وبأختي باليد الثانية، يرمونها إلى الخارج وهي تصرخ بهستيريا: "اعطوني بنتي"، وأنا أقف جانباً وأبكي. كنت في الرابعة تقريباً. هكذا اختفت أختي. هكذا عرفت منذ كنت طفلاً أن لي أخت لي. كانت لي أخت ولم تعد لي أخت".

الحاخام الأسطوري وأحداث "يهود"

طول الوقت، ربما منذ الستينيات، كان ثمة كلام يتردد عن القضية، وإنْ كان بنبرة خافتة ولا يسمعها إلا مَن يقترب من الطائفة اليمنية. فقط في ربيع سنة 1994 عرف كل الإسرائيليين بالأمر، وبأقسى طريقة ممكنة، عن طريق حاخام أسطوري ظهر في مدينة "يهود" باسم "عوزي مشولام".

كان لأحداث مدينة "يهود" الفضل في تعيين لجنة كوهين عام 1995، بهدف تقصي موضوع اختفاء الأطفال اليمنيين.

تأسست شعبية الحاخام عوزي مشولام، في مدينة "يهود" الواقعة بالقرب من مطار بن غوريون. تجمع حوله مريدون من طبقات مختلفة وطوائف مختلفة. لم يكن يجمع بين مريديه الذين لا يزالون يتحدثون عنه بإيمان شديد حتى اليوم، سوى عدم تصويتهم للانتخابات. في حوار أُجري معه عن معايير حضور دروسه، يحكي الحاخام: "تفتحين بطاقة هويته، لو كان عليها ختم أنه صوّت في الانتخابات، فلا يصبح من تلاميذي. هل فهمت المعيار؟ عندما تصحّح الدولة طريقها، عندها يمكن له أن يصوّت. نحن غير مستعدين للاعتراف بدولة باعت أبناءها".

كان مشولام، في النصف الأول من الستينيات، قد بدأ في توزيع منشورات تشبّه ما حدث للأطفال اليمنيين بأفعال النازيين، وتزعم أن الأطفال اختطفوا من أجل إجراء تجارب طبية عليهم، على نمط التجارب التي أجراها الدكتور جوزيف منغلِه، الضابط النازي، على أجساد ضحاياه، محددة رقماً هائلاً للأطفال الذين جرى بيعهم: 4500 طفلاً من يهود اليمن.

تحكي القصة أن الاهتمام الكبير الذي أبداه الحاخام تجاه القضية كان مدفوعاً بوصية أوصاه بها زوج أمه، وهو الآخر حاخام وضع القضية على جدول اهتماماته وإنْ لم يسعفه كبر سنه للاهتمام بها، فأوصى ابن زوجته بالاهتمام بها، وكان هذا من جانبه يصرح دائماً أن هدفه هو توعية كل المجتمع الإسرائيلي بها، ويبدو الآن أنه نجح تماماً في تحقيق هذا الهدف.

هدف آخر تحقق بفضل نشاط الحاخام: تعيين لجنة تحقيق رسمية في الموضوع. في أحد اللقاءات المعدة معه في التليفزيون الإسرائيلي، سيدخل مشولام في شبه مناظرة مع المذيع، وسيقدر لها أن تنتزع التصفيق المدوي من الجمهور الجالس في الإستديو. يقول له المذيع:

- والآن سؤال مهم جداً، لو صحيح أنه منذ 45 عاماً خُطف أطفال يمنيون...

- (يقاطعه الحاخام) لم يُخطفوا، وإنما بيعوا.

- علينا التحقق من هذا، إن كانوا خُطفوا أم بيعوا، ولكن...

- (يقاطعه ثانية) تقول إن علينا التحقق من هذا؟ إذن لتطالب بتعيين لجنة تحقيق رسمية. أنت تقف أمام شعب إسرائيل. لتطالب إذن بتعيين لجنة تحقيق رسمية مفتوحة.

بعدها بعام، ستعيّن إسرائيل بالفعل لجنة كوهين للتحقيق في الأمر.

الحماس الكبير للحاخام، وعبادة مريديه له، والإحساس المتزايد بالشك في الدولة، كل هذا أدى بمشاجرة عادية، اندلعت وقتها بين مشولام وبين مقاول صرف صحي أراد العمل قريباً من البيت، لأن تصبح هي الشرارة التي ستفجر كل شيء. سيدّعي مشولام بعدها أن مقاول الصرف الصحي كان مبعوثاً من قبل الدولة، وستدّعي رواية الدولة أن هذا لم يكن سوى بارانويا من جانبه.

حاولت الشرطة وقتها التدخل في الشجار، فما كان من مشولام إلا أن تحصن مع مريديه، من جمعية "مشكان أوهليم" الدينية، في بيته، مسلحين تماماً، ومحيطين أنفسهم بأكياس مملوءة بالرمل والحجارة. "نَقتل أو نُقتل"، كان الهتاف المدوي بين مريدي الحاخام أثناء حصار بيته. وسيصرح أحد المريدين، ناتان شيفريس، قائلاً: السلاح الذي معنا ليس فقط للدفاع عن الذات، وإنما سينتقل هذا الدفاع عن الذات سريعاً جداً إلى مرحلة الهجوم. أنتم لا ترون هنا إلا قمة جبل جليد مجموعة "مشكان أوهليم".

سيقبض على شيفريس هذا بعدها، وسيؤلف في السجن كتاباً يحاول تتبع فيه مصير الأطفال منذ أُخذوا من آبائهم، متصيداً الأخطاء المتعمدة في ذكر عناوين المستشفيات التي أخذوا إليها، وسينشر الكتاب عام 2018، ليُعَدّ مؤرخاً متخصصاً في القضية.

انتهت القضية وقتها بما يشبه الحرب الصغيرة في المدينة. جرت مكالمة بين مشولام وقائد أركان الشرطة، آساف حيفتس، الذي طالبه بالزيارة من أجل التشاور، متعهداً بعدم القبض عليه، استجاب مشولام للطُعم، ذهب للقائه، وألقي القبض عليه، واقتحمت الشرطة بيته أخيراً، ضرب نار شديد الكثافة، توفى على إثره أحد تلاميذ الحاخام باسم شلموي أسولين.

في فيلم "مشولام" للمخرجين إيال بلحسن ونوعام شيزاف يظهر قائد أركان الشرطة، آساف حيفتس نفسه، يتكلم عن العهد الذي خرقه مع الحاخام: "فكرت في هذا مرات عديدة، ولم أتردد. حياة الناس، حياة رجال الشرطة، حياة الناس الذين معه، كانت أهم بكثير من خرق العهد أو عدم خرقه".

في الفيلم، يُجرَى حوار مع أحد الضباط، من وحدة الشرطة الخاصة التي اقتحمت بيته، ويحكي هذا أنه في خضم أحداث ربيع 1994، وبهدف فهم ظاهرة شعبية الحاخام: "وجدت نفسي راكباً في السيارة، وأنصت لخطاباته لأفهم ما هو الموضوع. بدّلت الموسيقى التي كنت أسمعها بتسجيلات لعوزي مشولام".

ويضيف: "فاجأتنا ضخامة الظاهرة، اندهشت للغاية عندما زارني محاربون من الوحدة، عدد من رجال الشرطة الكبار، وقالوا لي أنهم يعرفونه. بل وحضروا دروساً كان يقدّمها من قبل، وسمعوا خطاباته في هذا الموضوع".

كانت شعبية عوزي مشولام ظاهرة شديدة الضخامة، حتى مع الرغبة الحارقة لدولة إسرائيل، ربما حتى اليوم، في تهميشها والتكتم عليها، وهي رغبة تقابلها دعاوى قضائية تُطرح طول الوقت من أجل "تطهير اسمه".

بحسب ويكيبيديا، حاول مخرجا فيلم "مشولام" طويلاً، وبلا طائل، البحث عن إنتاج لفيلمهما، إلى أن وافقت القناة الثامنة الإسرائيلية على تمويله. وحتى نسخة اليوتيوب المرفقة هنا للفيلم، تحمل عنواناً عاطفياً وغير احترافي ويبدو أنه صيغ على يد جهود فردية لمريدي الحاخام: "قتلوا القديس مشولام كي لا يكشف عما نعرفه اليوم: الإتجار بأولادنا".

الحاخام لم يُقتل على يد الدولة، ولكنه حُبس لخمس سنوات، بعدها مُنع تماماً من الاهتمام بقضية أطفال اليمن، حتى مات عام 2013، وهاجر ابنه، عامي مشولام، إلى كندا طالباً اللجوء السياسي بعد التضييق عليه في إسرائيل.

كل هذا جعل مريدي الحاخام ينسجون قصة عن "قتل الدولة" له، قصة تُوّجت بعبارات مؤثرة كُتبت على شاهد قبره: "هنا يرقد موري أزولاي عوزي ابن الحاخام دافيد مشولام، ليثأر الرب لدمه، والذي وهب نفسه، بتعليمات جده موري حاييم سنواني، لتحرسنا روحه، لإصلاح ظلم وسرقة وخطف آلاف من أطفال إسرائيل من طوائف اليمن والشرق والبلقان، اضطُهد، عُذّب وقُتل على يد عناصر حكومية فاسدة في دولة سرقت اسم ‘إسرائيل’ وتتباهى به".

ممرضات يتكلمن أخيراً

كانت حركة عوزي مشولام متأثرة بشهادات ظهرت وقتها لممرضات في مؤسسات فيتسو وبيوت الرضع، قررن أخيراً النطق والحديث عما جرى هناك. واحدة من هذه الشاهدات قالت: "كنت آخذ رضيعين أو ثلاثة، وكانوا يرسلونني في سيارة إسعاف إلى عفولة، كنا نحافظ على الرضع أصحاء وسليمين، وفي اليوم التالي كنت أسأل: أين الرضع؟ وكانوا يقولون لي: ماتوا. ماذا يعني ماتوا؟ ولكنهم كانوا أصحاء. لم يكن لديهم أي شيء. اليوم عندما يقولون إنهم ماتوا، فهذا ليس صحيحاً. لقد قدموهم للتبني".

ربما يكون واحد من أعمدة القضية الأساسية هو شهادات الممرضات، عشرات الشهادات الصادمة تظهر بأثر رجعي، عما حدث وقتها.

تحكي شوشانا شحم، وكانت تدرس في كورس تمريض في معهد في معبرة روش هاعاين، ليديعوت أحرونوت كيف رأت بعينيها أطفالاً يمنيين يُقدَّمون لعائلات أخرى: "رأينا سيارات قادمة وخرج منها ناس، يلبسون مثل الناس، لباساً مدنياً. كانوا يتكلمون بلغة غريبة. ورأينا هؤلاء يُدخلون الرضع في السيارات. عندها قلت: لحظة. إلى أين ستأخذونهم؟ فقالوا: سنحسن وضعهم. سيعيشون في عائلات أخرى، فلا تحدث لهم حالة صحية، جفاف، نعرف أن هذا اسمه، كي لا يجفوا. سيعطونهم سوائل ويعطونهم طعاماً".

قصة هذه الشهادة بدأت عام 2013، في احتفال عائلي بمناسبة وصول شحم لسن الثمانين، مع أولادها الأربعة وأحفادها. تطلعت إلى صورة لها بالأبيض والأسود، في لباس الممرضات، تلوّح في الهواء برضيع أسود الشعر يضحك. ثم سمعتها ابنتها تقول: "قصة أطفال اليمن حقيقية. أنا شاهدة عليها".

في كورس التمريض تعلمت شحم كيفية التعامل مع الآباء البيولوجيين وكيفية تهدئتهم: "واجهتنا مواقف غير سهلة. حوادث صعبة من الهستيريا والصراخ. فعلمونا كيف نهدئ الأباء. ‘أين ولدي؟’ مات. لم نستطع معالجته. ‘أين هو مدفون؟ أين هو مدفون؟’ بكاء رهيب! مزقتنا هذه المشاهد"، تختم ليديعوت أحرونوت.

افتحوا القبور!

لا دليل واحداً ظهر، بخلاف الشهادات، على صدق قصة خطف الأطفال وبيعهم، كما أنه لا دليل واحداً على موتهم. لم يحصل أهالي الأطفال على وثيقة وفاة، ولا رأوا القبور. ثمة قبور في إسرائيل مكتوب عليها "هنا يرقد طفل يمني"، أو "هنا ترقد طفلة يمنية"، بدون أية معلومات إضافية.

معركة كبيرة تجري في إسرائيل من أجل فتح القبور المشتركة لليمنيين، لتتمكن من إجراء تحليل دي أن إيه، قد يكون طرف خيط في حل اللغز.

حفاظاً على حرمة الميت، تحرم اليهودية فتح قبور اليهود، سوى في حالات شديدة الندرة، منها مثلاً أن يوصي الميت، الذي توفى خارج إسرائيل، بأن يُدفن في "الأرض المقدسة"، أو أن يرغب ذووه في هذا، حينها يكون من المتاح نقل العظام، فقط بدقة شديدة حرصاً على عدم تكسرها.

استثناء آخر في موضوع فتح القبور هو قبور اليمنيين، والتي ينادي به كثيرون من اليهود، ومنهم شديدو التدين، مستندين إلى فتوى للحاخام عوفاديا يوسف، بفتحها، فقط لمعرفة إن كان أبناؤهم قد ماتوا فعلاً أم أنهم على قيد الحياة.

عام 2018، قدمت عضوة الكنيست عن حزب "الليكود"، نوريت كورن، مشروع قرار للكنيست، يتيح لأي عائلة معنية أن تطالب بفتح القبر الذي قيل إن ابنها مدفون فيه، بهدف إجراء تحليل الدي أن إيه على جثته. وتم التصديق على القرار، ويسمح القانون للعائلة المعنية بالتوجه إلى المحكمة التي ستصدر لها أمراً بفتح القبر وإخراج الجثة بغرض إجراء فحص جيني عليها، وقد حاز القرار على تصديق لجنة "إكرام الميت" التابعة للحاخامية الرئيسية.

ولكن بعض القبور كان قد انفتح قبلها بالفعل، وإنْ لم يكن بنص قانوني.

في برنامج "مشدار ميوحاد"، نرى أعضاء جمعية "مشكان أوهليم"، في عام 1997، وهم يفتحون بعض القبور المشتركة للأطفال، ونرى القبور خاوية، وتحتوي على جذور أشجار بلا أي شيء آخر، بما يثبت لهم أن هذه القبور كانت مجرد خدعة من الحكومة للإيهام بأن الأطفال ماتوا بالفعل.

ولكن قد لا تكون الخديعة هي التفسير الوحيد لخواء القبور. هناك أسباب علمية أيضاً.

في التسعينيات قاد المحامي رامي تسوبري، معركة قضائية تهدف إلى فتح رمزي للقبور، في محاولة لفحص مصداقية المكتوب على شواهدها من قبل جمعية "حفرا كاديشا"، وهي الجمعية التي تتولى تنظيم أمور الوفاة في إسرائيل. بعد تقديم طلب جرى رفضه على يد وزير الصحة "إفرايم سنيه"، عاد عام 1996 وقدّم طلباً آخر لوزير الصحة تساحي هانغبي، الذي وافق على الطلب هذه المرة، وصدّق على فتح عشرة قبور في مقابر سجولة.

وفق تقرير لجنة التحقيق الرسمية، لم يُعثر على بقايا جثث سوى في ثلاثة قبور فقط. بعدها طالب خبراء المعهد الباثولوجي بتوسيع الحفر إلى جانب القبور، من أجل فحص احتمال انجراف بقايا العظام للجانب، وأيضاً لتصفية التراب بمصفاة مخصصة لذلك، وذلك بسبب تفتت عظام الرضع على مر الزمن. أُرسلت النتائج لاختبار الدي أن إيه في إنكلترا. وأظهرت الفحوصات أن في كل من القبور العشرة ثمة جثة واحدة، عمرها التقريبي يوافق جيل الولد المسجل اسمه على شاهد القبر. وفي أحد القبور وجدت بقايا جثة يمكن استخراج الدي أن إيه منها لأغراض الفحص، وفي هذه الحالة وافقت النتائج تلك النتائج الخاصة بعائلة الرضيع المسجل في المكان.

غير أن القضية لن تنتهي هنا. عام 2016، سيعلن رامي تسوبري بنفسه لموقع "والا" الإسرائيلي، أنهم عندما فتحوا عشرة قبور وجدوا فيها 22 جثة لأطفال يمنيين، بما يشير إلى كذب ما هو مسجل على شواهد القبور، وبما يفتح الباب للتشكيك في عمل لجنة التحقيق الرسمية، ويعطي إشارة بمواصلة النضال من أجل فتح قبور اليمنيين المشتبه فيها في إسرائيل.

"لا أحد يريد الاعتراف بهذا"

معسكران كبيران في إسرائيل إذن. معسكر يقول: "لقد بيع الأطفال دون علم آبائهم"، سواء من أجل المال، حتى يتبناهم آباء محرومون من الإنجاب، أو حتى من أجل إجراء تجارب طبية عليهم، ومعسكر يقول: "الأطفال ماتوا بالفعل، وحتى لو وقعت حالات نادرة بيعَ فيها الأطفال، فهذا لم يكن بعلم الدولة".

وبالطبع، يحافف هذان المعسكران معسكري اليهود المزراحيم واليهود الأشكناز.

للقضية أبعاد عديدة للغاية، وتتوجه فيها أصابع الاتهام بالأساس إلى حزب مباي، الحزب الأشكنازي "اليساري" الحاكم في إسرائيل الخمسينيات، والذي لطالما تعامل مع اليهود العرب، واليمنيين بالأخص، باستخفاف واحتقار شديدين. واحد من أهم الجدالات في القضية تجاه الدولة هو: لا تطلبوا من الأهالي إثبات أين اختفى أبناؤهم، دوركم هو أن تعرفوا أنتم أين اختفى أبناؤهم.

تجيب الصحافية وعضوة جمعية "آحيم فكياميم" المعنية بقضية أطفال اليمن، ياعيل تسادوك، في برنامج "مشدار ميوحاد"، على سؤال المحاورة بخصوص المصلحة المحتملة للمحكمة العليا من إنكار هذه القصة وإخفائها، فتقول: "هذه ليست مصلحة شخصية، هذا نوع من الدفاع عن الدولة، نوع من الرغبة في إخراج دولة إسرائيل سالمة من هذه القضية. في اللحظة التي ستعترف بها دولة إسرائيل بأنه صحيح. كانت هناك حالات خطف عديدة. افهمي، ستكون هذه بقعة رهيبة على الدولة. ثلاث دقائق بعد الهولوكوست، ودقيقة واحدة بعد إقامة دولة إسرائيل بوصفها ملجأ لجميع اليهود، يهود يخطفون أطفالاً من يهود آخرين على خلفية عنصرية! لا أحد يريد الاعتراف بهذا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image