يطرح غياب رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان (83 عاماً) خارج البلاد، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، العديد من السيناريوهات، فيما تؤكد الرواية الرسمية على مروره بفترة نقاهة وبقائه بعيداً عن مهامه الرسمية حتى استرجاع صحته بالكامل والعودة لتأدية مهامه الرسمية.
لطالما كان خليفة بن سلمان الذي يشغل منصب رئيس الوزراء منذ استقلال البحرين، كثان أقدم رئيس وزراء في العالم بعد سلطان بروناي حسن البلقية الذي يشغل منصب رئيس الوزراء أيضاً منذ 53 عاماً، متحكماً في مفاصل الدولة والعارف بكل شاردة وواردة فيها، حدّ متابعته القصص الشخصية في الصحف اليومية التي لا تغيب عن طاولة إفطاره الصباحية.
يغيب خليفة بن سلمان منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن الحياة العامة، فكان آخر ظهور علني له في السادس من الشهر نفسه خلال افتتاح الملتقى الحكومي، فيما غاب في الرابع عشر منه عن رئاسة مجلس الوزراء حيث حلّ أحد نوابه الخمسة، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، مكانه، كما غاب عن افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس لمجلس الشورى والنواب، في اليوم ذاته.
فهل المرض هو السبب الوحيد لغياب خليفة بن سلمان؟
التيارات الثلاثة
منذ بداية الألفية الحالية، ينافس رئيس الوزراء البحريني على السلطة التي كانت مطلقة له قبل ذلك تياران آخران، هما تيار "الخوالد" الطائفي المتشدد، في إشارة إلى أحفاد خالد بن علي آل خليفة، وتيار "الشباب" بقيادة ولي العهد سلمان بن حمد.
و"الخوالد" هم أحد أفرع العائلة الحاكمة في البحرين الذين يعود تاريخهم إلى العشرينيات من القرن الماضي، عندما عارضوا الإصلاحات الإدارية التي قادتها بريطانيا في وقتها وشنوا حملة عسكرية على الشيعة الذين أيّدوا الإصلاحات، وهو ما أدى إلى محاكمة الجناة في وقت لاحق والحكم عليهم بالنفي.
رغم عودتهم لاحقاً إلا أنهم بقوا خارج دائرة صنع القرار الداخلية حتى عام 1999، إذ تسلم خالد بن أحمد وزارة الديوان الملكي وتسلم بعده خليفة بن أحمد وزارة الدفاع، حتى أحكموا اليوم سيطرتهم على العديد من مفاصل البلاد ومنها النفط والاتصالات وغيرها، وهو ما أدى إلى بدء منافسة خليفة بن سلمان في سيطرته.
يغيب خليفة بن سلمان منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن الحياة العامة، فكان آخر ظهور علني له في السادس من الشهر نفسه خلال افتتاح الملتقى الحكومي... غياب رئيس الوزراء يطرح تساؤلات عدة
بموازاة ذلك، طرح ولي العهد (سلمان بن حمد) العديد من المبادرات منذ تسلمه هذا المنصب، والتي أتت ضمن خطة للسيطرة على الاقتصاد وبسط المزيد من النفوذ داخل أروقة الحكم الذي ظل خليفة بن سلمان اللاعب الوحيد فيها خلال أكثر من 30 عاماً منذ الاستقلال.
وسعى بن حمد لتأسيس مجلس التنمية الاقتصادية، وإطلاق رؤية 2030، بالإضافة للدفع بعدد من المقربين منه إلى حمل حقائب وزارية، تحت شعار التجديد والإصلاح والانفتاح، المغطى بسياسات نيوليبرالية.
أدى تصارع التيارات الثلاثة المتنافسة على السلطة في بلد صغير، موارده النفطية محدودة، لبلوغ الدين العام قرابة 14 مليار دينار (حوالي 37 مليار دولار أمريكي) أي ما يعادل 106% من إجمالي الناتج المحلي، بالإضافة لتنامي سيطرة "الخوالد" على العديد من مفاصل الدولة، فضلاً عن التشدد في التعامل مع المعارضين والتنكيل بالرأي الآخر وتغييب دور المجتمع المدني والصحافة بشكل كامل عن الحياة السياسية في البحرين.
وبدا الصراع جلياً في مواقف عدة وقعت العام الماضي، بدأت بزيارة رئيس الوزراء لأحد رموز المعارضة وأبرز علماء الشيعة في البحرين السيد عبد الله الغريفي في منزله في الأول من أيار/ مايو، برفقة عدد من أبنائه وأحفاده بشكل مفاجئ، والتي استغلها الأخير ليحمّله رسالة للملك تحدث فيها عن "ما يعيشه بعض الناس في هذا الوطن من أبناء هذا الشعب من معاناة وحرمان وبؤس"، كما تناول الحديث شأن السجناء والمعتقلين.
أحدثت هذه الزيارة بلبلة داخل أروقة الحكم، وأدت وبسرعة لإصدار تنويه رسمي بـ"أنها (الزيارة) تأتي ضمن زيارات سموه للتواصل مع مختلف شرائح المجتمع"، لتجريدها من أي تفسير قد يُفهم على أنه تواصل مع المعارضة أو القيادات الدينية الشيعية أو حتى إبقاء الباب مفتوحاً للحوار.
وبعد أسبوعين من هذه الحادثة تقريباً، قام خليفة بن سلمان في خطوة تعتبر الأولى منذ أكثر من عامين على المقاطعة الخليجية لدولة قطر بالاتصال بأمير قطر تميم آل ثاني، مهنئاً إياه بحلول شهر رمضان، كما أعلنت وكالة الأنباء القطرية، وهو ما سارع بيان بحريني رسمي لتداركه بالتوضيح بأن "الاتصال بين سمو رئيس الوزراء وأمير قطر ارتكز فحواه على البعد الاجتماعي بتبادل التهاني بشهر رمضان فقط".
ظهور خجول
أكمل رئيس الوزراء مهامه الرسمية ووجوده على الساحة العامة دون أن تمس صلاحياته العلنية على الأقل، ولكن أحد السيناريوهات المطروحة لغيابه اليوم هو استغلال مرضه لإبعاده عن البلاد، والحد من سلطته.
اقتصر ذكر خليفة بن سلمان على نشر أخبار زيارة الملك له في مستشفى قوة الدفاع دون صور، تلاها إعلان ديوان الأمير بأنه غادر أرض الوطن في إجازة خاصة... غياب رئيس الوزراء يطرح تساؤلات حول إبعاد قسري في ظل صراع تيارات ثلاثة في البحرين
ما يثير الاستغراب كذلك هو تجاهل الصحافة المحلية التابعة بشكل تام للسلطة ووسائل التواصل الاجتماعي القريبة من السلطة هذا الغياب، عدا حالات يتيمة تدعو له بالشفاء والعودة إلى أرض الوطن سالماً غانماً.
واقتصر ذكر خليفة بن سلمان على نشر أخبار زيارة الملك له في مستشفى قوة الدفاع في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر دون صور، تلاها إعلان ديوان الأمير بأنه غادر أرض الوطن متجهاً إلى الخارج في إجازة خاصة، واستكمال بعض الفحوصات الطبية في اليوم التالي، وهو أمر يثير التساؤل حول ما إذا كان بانتظار الضوء الأخضر للمغادرة للعلاج في الخارج أم أن الملك والديوان الملكي وراء إبعاده.
ظلت الرواية الرسمية تؤكد على "نجاح الفحوصات الطبية" لرئيس الوزراء دون ذكر مرضه وماهيته وظروفه، ما عدا الحديث عن تواجده في جمهورية ألمانيا الاتحادية منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، وزيارة الملك له في مقر إقامته هناك، حيث ظهر للمرة الأولى في الصور أنيقاً كعادته، شاحب الوجه، برفقة أبنائه وأحفاده.
ما أثار تساؤلات إضافية هو زيارة رئيس الوزراء الكويتي خالد الحمد الصباح لنظيره البحريني خلال رحلته للمشاركة في الدورة الـ56 لمؤتمر ميونخ للأمن، والتي أتت بعد أيام من زيارة قام بها الصباح للسعودية.
تلا ذلك زيارة ولي العهد له لعدة ساعات على هامش زيارته الرسمية لإيطاليا، وعبّرت الصورة الرسمية عن لقاء فصيلين ببعضهما البعض، بينما ضمّت أبناء وأحفاد رئيس الوزراء إلى يساره فيما جلس وزراء وحاشية ولي العهد إلى يسار الأخير.
إلا أن ما أثار تساؤلات إضافية هو زيارة رئيس الوزراء الكويتي خالد الحمد الصباح لنظيره البحريني خلال رحلته إلى ميونخ للمشاركة في الدورة الـ56 لمؤتمر ميونخ للأمن، والتي أتت بعد أيام من زيارة قام بها الصباح للسعودية.
هل حمل النظير الكويتي رسالة من السعودية لرئيس الوزراء البحريني، خصوصاً وأن الكويت معروفة بأدوار الوساطة التي تقوم بها على المستوى الخليجي؟
وهل تقتصر هذه الزيارات على الجانب الاجتماعي أم تفوقه للتفاوض حول الصلاحيات وتوزيع السلطة والثروة، خصوصاً وأن أبناء وأحفاد الأمير خليفة لم يعد لديهم مناصب عليا يلعبون من خلالها دوراً في البلاد اليوم؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع