مع انطلاق ثورة تشرين في العراق، التي قامت ضد الحكومة العراقية الفاسدة والتدخل الإيراني في العراق، شهدنا حملات عديدة لدعم المنتج العراقي، مثل #خليها_تخيس، وهي حملة لمقاطعة المنتج الإيراني المتواجد بكثرة في السوق العراقية، والذي يعتبره البعض شكلاً من أشكال الاحتلال.
لاقت حملة "خليها تخيس"، والتي تعني "دعها تفسد"، رواجاً عند الشباب العراقي، فطوروا هذه الحملة إلى أخرى جديدة تحت مسمى "دعم المنتج الوطني".
حملة دعم المنتج الوطني جاءت بأشكال متعددة لا تتبع تنظيماً واحداً محدداً، إلا أنها مرتبطة بالثورة بشكل أساسي، وساهم وجود بازارات للمنتج الوطني في ساحات التظاهر في هذا الربط.
لاقت حملة "خليها تخيس"، والتي تعني "دعها تفسد"، رواجاً عند الشباب العراقي، فطوروا هذه الحملة إلى أخرى جديدة تحت مسمى "دعم المنتج الوطني".
هدفت هذه الحملة لترويج المنتج الوطني وتشجيع شرائه، كنوع من الإحساس الوطني المترافق مع الثورة، فدعم المنتج العراقي يساعد في إعادة المعامل المغلقة وبالتالي توفير فرص عمل، وبالطبع التخلي عن الوجود الاقتصادي الإيراني.
ساهم الكثيرون في خلق تعبيرات ونشاطات لدعم فكرة دعم المنتج الوطني، ولعل الأبرز كان الأغنية المصورة "كله عراقي"، التي أنتجها راديو الغد في العراق، على غرار أغنية كلنا العراق لحسين الجسمي. الأغنية جاءت كشكل من أشكال الدعم للحملة، فكلماتها تذكر بأنواع المنتجات العراقية التي يمكن الحصول عليها.
ولم تخلُ المدارس حتى من دعم هذه الحملة، ففي مبادرة مدرسية في مدرسة الأوائل الأهلية في الموصل، أقام المسؤول الإعلامي للمدرسة نشاطاً للتوعية بأهمية دعم المنتج العراقي عند الطلبة، وفي حوار معه لرصيف22، قال يزن توزبكي، إن الفكرة بدأت بشكل بسيط، من خلال تصميم شعار لدعم المنتج لنشره على الفيسبوك، لكنه بعد أن تفاجأ بكمية المنتجات العراقية المتوفرة قرر القيام بنشاط أوسع.
ويضيف: "حتى يكون اقتصادنا أقوى... حتى يكون المنتج بسعر مناسب ومتاح للجميع… حتى تزيد فرص عمل الشباب… حتى نضمن أن منتجنا مصنوع بأياد عراقية ولا يحوي مواد ضارة مدسوسة أجنبية، بالتالي نطالب المنتجين بتقديم بضاعة ذات جودة عالية وشكل مميز ليساعدونا في الاستمرار".
أما المبادرة التي تحمل اسم "صُنع في العراق"، فقد شارك فيها الطلبة وبمساعدة من مدرسي التربية الفنية، حيث أقاموا بازاراً يحوي منتجات عراقية بالكامل، وأفاد توزبكي أن العراق كسب الآن 300 عائلة تؤمن بوجوب دعم المنتج العراقي، ونشرت المدرسة فيديو للفعالية على اليوتيوب، تحت عنوان "حملة مجموعة مدارس الأوائل الأهلية لدعم المنتج الوطني"، ليشاركوا العالم رؤيتهم.
قرر حسن سعيد (اسم مستعار)، 22 عاماً من بابل، أن يساهم بطريقته في هذه الحملة، فاستغل امتلاكه لمتجر في بابل، ليجعله متجراً خاصاً بالمنتجات العراقية. يقول حسن في حديث لرصيف22، إنه ومع بداية المظاهرات، غيّر البضاعة الموجودة في متجره لتتحول إلى عراقية بالكامل، ويؤسفه أن العراق يستورد كل شيء حتى الصابون، لكنه يتفاءل الآن بالإقبال على المتجر، وهذا مؤشر جيد للوعي. ويضيف: "عمري 22 سنة، بس هذا يمكن أقل شي أقدر أقدمه للعراق أنو أدعم منتجنا العراقي".
من المبادرات تلك التي تحمل اسم "صُنع في العراق"، فقد شارك فيها الطلبة وبمساعدة من مدرسي التربية الفنية، حيث أقاموا بازاراً يحوي منتجات عراقية بالكامل
أيضاً شهد غروب الفيسبوك الذي يحمل اسم "دعم المنتج الوطني"، الكثير من الدعايات والتشجيع، فنشر البعض صورة لطعام الفطور مع هاشتاغ #كله_عراقي، ونشر آخرون منتجات اكتشفوا وجودها، والتعليقات على هذه المنتجات تظهر سوء توزيع المنتجات العراقية، فيستغرب مثلاً البعض وجود منتج ما لم يروه في مدينتهم أبداً، كذلك كشفت ضعف الجودة وسوء التسويق الذين ساهما بانتشار البضائع الأجنبية، ورداً على ذلك قررت مجموعة من الشباب التبرع بعمل تصاميم جميلة للمعامل العراقية للمساعدة في ترويجها أكثر.
يلاحظ أن الحملة تتفاعل مع المنتجات الغذائية أكثر من غيرها، فسألت مواطناً عراقياً عن رأيه بهذا الأمر، فرأى الضابط الشاب محمد رياض، أنه من السهل دعم المنتجات الغذائية العراقية، وقال إنه لا يشتري سوى منتجات غذائية عراقية حتى قبل الثورة، مؤكداً أن كل الأنواع متوفرة ولا يوجد نقص في هذا المجال، لكنه يشكو صعوبة دعم المنتجات الأخرى، مثل الملابس، وعلى حد قوله، فإنه برغم جودة الأقمشة هناك ذوق رديء في صناعة الملابس في العراق، ما يجبره وعائلته على شراء الملابس المستوردة، وهذا يشمل منتجات أخرى مثل الأثاث وغيره.
العقوبات الأمريكية وليس الحملة
ضمن غروب يحمل اسم "دعم المنتج الوطني"، أعلن صاحب معمل القبس للنايلون عن عودة معمله، بعد انقطاع دام 16 عاماً، لذلك سألناه عمّا إذا كانت هذه العودة متأثرة بالدعم الحاصل للمنتج العراقي، إلا أن محمد لطيف، صاحب المعمل، أنكر هذا الربط، وبرأيه فإن الحملة ما زالت غير قادرة على أن تؤثر بوقت سريع على عودة معمل، وأن أسباب عودة معمله كانت مرتبطة بالحصار الأمريكي على إيران الذي أعاق سهولة الاستيراد الرخيص منها.
يرى لطيف محمد أن توقف معمله كان بسبب أن المواد الأولية لا تنتج في العراق، فيتم استيرادها من إيران لأنها أرخص من المصدرين الآخرين، وحتى في حال استيراد المادة الأولية فإن المنتج الذي سيصنع في العراق سيكون سعره أغلى من المنتج المستورد جاهزاً من إيران، ما يجعل المستهلك يفضل شراء المنتج الإيراني، أما بعد العقوبات الأمريكية فإن الاستيراد صار مكلفاً بشكل كبير، ما أدى إلى عودة المعامل العراقية إلى العمل، ويضيف أن هذا يشمل جميع المعامل، خصوصاً معامل الألبان.
وبالعودة إلى حملة دعم المنتج الوطني والغروبات المنتشرة على الفيسبوك للدعوة لهذا الدعم، يرى محمد أن فائدة غروبات دعم المنتج الوطني بالنسبة له هي الإعلان فحسب، أي أنها تحوّلت لمساحة إعلانية يمكن استخدامها لجذب أولئك الراغبين بالمنتج الوطني فقط، وعدا ذلك فقد وصف الحملة "بأنها رومانسية شبابية بعيدة عن الواقع".
ما لا شك فيه أن لهذه الحملة، نتائج معنوية تجمع الشعب العراقي بمختلف طوائفه وانتماءاته، بشعور وطني ووعي لصنع مستقبل عراقي خالٍ من التدخل الأجنبي بمختلف أشكاله. الوعي بأن الثورة يجب أن تشمل كافة الجوانب هو أمر يدعو إلى التفاؤل، رغم كل العوائق التي يشهدها الحراك العراقي
أما عن دور الحكومة في ذلك، فنشر الدكتور مظهر محمد صالح، ورقة على شبكة الاقتصاديين العراقيين بعنوان "رؤية في حماية المنتج الوطني وتشجيع الإنتاج".
نوّه صالح في ورقته لوجوب إعادة هيكلة مؤسساتية تخص حماية المستهلك وحماية المنتج، لكون المنتجات التي تأتي إلى العراق من الخارج تفتقر لمقومات حماية المواطن، وفي الإنتاج، يرى أنه يجب تفعيل المنتج الوطني وحمايته من التعثر الذي سببته سياسة الباب المفتوح، الانفلات الحدودي والضعف الجمركي غير المسبوق. وقدم حلولاً متمثلة بالنفاذ القانوني لحماية المنتج وتوافر حراك دبلوماسي اقتصادي مع دول الجوار، واستثمارات للأراضي الزراعية العراقية المروية بمياه عراقية، بموجب قانون الاستثمار النافذ.
ما لا شك فيه أن لهذه الحملة، سواء ظهرت نتائجها المادية الآن أو لاحقاً، نتائج معنوية تجمع الشعب العراقي بمختلف طوائفه وانتماءاته، بشعور وطني ووعي لصنع مستقبل عراقي خالٍ من التدخل الأجنبي بمختلف أشكاله. الوعي بأن الثورة يجب أن تشمل كافة الجوانب هو أمر يدعو إلى التفاؤل، رغم كل العوائق التي يشهدها الحراك العراقي، من العنف ضد المتظاهرين وتغييب مشهد الحراك لصالح مشهد معركة بين إيران وأمريكا على أرض العراق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...