"أي ذنب ارتكبت حتى يبتليني الله بطفل مشوه؟"... بهذه الكلمات استقبلت عائشة طفلها الأول الذي ولد بملامح قريبة من الضفدع. جعلها هذا تستعيد شريط ذكرياتها وتحاسب نفسها على ذنب اقترفته، متجاهلة أن ما حصل لطفلها يعود لأسباب أخرى.
"ولد لعائشة طفل بشكل ضفدع". انتشر الخبر بين سكان حي معسكر السواد في العاصمة صنعاء حيث تسكن عائشة التي أرهقها الواقع الجديد، ودفعها إلى نبذ طفلها باعتباره كفارة لذنب ارتكبته، لكنه مات بعد يومين من ولادته مخلصاً إياها، كما قالت، من صراع نفسي شديد.
تزايد التشوهات
بحسب مديرة "مستشفى السبعين للأمومة والطفولة" ماجدة الخطيب، فإن ولادة الطفل بشكل "ضفدع" هي من الحالات النادرة، وسببها خلل جيني على مستوى الكروموزومات.
بدورها، توضح الاختصاصية الاجتماعية في "اتحاد نساء اليمن" ريهام الحطام أن المجتمع اليمني حافل بالأفكار والمعتقدات الخاطئة، منها أن تشوهات الأجنة ناتجة من فساد الأبوين أو صلاحهما أو هي عقاب من الله، مشيرة إلى أن قلة الوعي ساهمت في ترسيخ تلك المعتقدات.
تشوه الأجنة لم يعد بالأمر الجديد في اليمن، لكن تزايد أعداد المواليد المشوهين خلقياً بات واضحاً في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية وانعدام الخدمات الصحية وارتفاع معدلات سوء تغذية والفقر وندرة الغذاء ونقص مياه الشرب الآمنة، وفقاً لمنظمات دولية، إضافة إلى ما تعرضت له اليمن من غارات منذ عام 2015.
ويشير الناطق الرسمي في وزارة الصحة العامة والسكان في حكومة صنعاء يوسف الحاضري إلى أنه لا توجد إحصاءات لعدد المواليد المشوهين، برغم ارتفاع عدد التشوهات في اليمن، خصوصاً في المحافظات التي تم استهدافها بالقنابل والأسلحة المحرمة دولياً كصنعاء وصعدة والحديدة.
"ولد لعائشة طفل بشكل ضفدع". انتشر الخبر بين سكان حي معسكر السواد في صنعاء حيث تسكن عائشة التي أرهقها الواقع الجديد، ودفعها إلى نبذ طفلها... تشوه الأجنة ليس بالأمر الجديد في اليمن لكنه بات أكثر وضوحاً مع تفاقم الكارثة الإنسانية
وبحسب تقرير لوزارة حقوق الانسان في حكومة صنعاء، لا يوجد إحصاء رقمي لآثار الحرب على الأم وجنينها منذ بدء الحرب عام 2015، لكن كثيراً من الأطباء في المستشفيات أكدوا ازدياد حالات تشوهات الأجنة خلال سنوات الحرب بنسبة 3%.
دراسة يمنية
تعزو دراسة يمنية بإشراف كل من جيهان عبد المغني ونجلاء السنبلي وعبد الواحد السروري شملت مستشفيات، "الثورة" و"السبعين" و"الجمهوري" و"الأم" و"48" و"العلوم والتكنولوجيا" في صنعاء، السبب الكامن وراء عدم تشخيص أسباب إصابة المواليد بأعراض التشوهات الخلقية التي تصيب الأجنة إلى غياب نظام رصد لحالات عيوب الولادة وقلة الاهتمام بالتسجيل والتوثيق في المرافق الصحية، وغياب قاعدة بيانات لمعرفة الحجم الأصلي للمشكلة واتجاهاتها خلال السنوات السابقة ولمقارنتها بالوضع الحالي، ناهيك بغياب دراسات متصلة بعوامل خطورة الإصابة بالتشوهات .
وتؤكد الدراسة أن التعرض للمواد الكيماوية أو الإشعاعية هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التشوهات أو العيوب الولادية.
"الحرب والصواريخ هما السبب"
إنها مأساة لا تنتهي، لا سيما في المناطق التي شهدت استخداماً واسعاً للأسلحة المحرمة دولياً من قبل التحالف، ففي محافظة صعدة التى قُصفت بقنابل وأسلحة محظورة بحسب منظمات حقوقية دولية استقبلت غاية طفلها الأول مشوهاً، وقد مات بعد ساعات من ولادته.
لم تكن غاية وحدها من دفع جنينها ثمن الحرب، إذ تُقاسمها الوجع ذاته سحر التي تسكن في حي نقم في صنعاء حيث ولدت طفلاً مشوهاً يضاف الى حصيلة ضحايا الحرب التي تدفع الأمهات والأطفال ثمن ويلاتها .
واستوطن الخوف والهلع قلبَي غاية وسحر خلال فترة حملهما بسبب كثافة الغارات وقوة الانفجارات، وأرجعتا سبب تشوه جنينيهما إلى تلك الغازات المنبعثة عقب كل انفجار وإلى الصواريخ التي استخدمت خلال القصف.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإن قوات التحالف ألقت قنابل انشطارية أمريكية الصنع عام 2016 على العاصمة صنعاء، فيما تحققت هيومن رايتس ووتش مما لا يقل عن 5 هجمات استُخدم فيها هذا النوع من الذخيرة في اليمن.
وتشير الخطيب إلى أن تعرض الأم الحامل لأية مواد سامة، خصوصاً في مناطق الحروب والقصف بأسلحة محرمة، يؤدي إلى ارتفاع كبير في نسبة تشوه الأجنة.
وتتابع: "نجد كثيراً من الأجنة المشوهين في المناطق التي تعرضت للقصف بأسلحة غير معروف نوعها، كما حصل في صعدة ومنطقه عطان في صنعاء"، موضحة أن "تلك التشوهات شديدة ولا يمكن تفسير سببها لخطورتها نتيجة إصابة عدة أجهزة في الجسم".
نسبة كبيرة من الإشعاع
يلفت الناطق الرسمي للقوات المسلحة في حكومة صنعاء العميد يحيى سريع: "خلال أربع سنوات، شن التحالف أكثر من ربع مليون غارة جوية وأسقط نحو نصف مليون صاروخ وقنبلة وقذيفة كبيرة ومتوسطة، منها 6000 قنبلة عنقودية وفوسفورية على اليمن".
"تسببت تلك الأسلحة في انتشار غازات ذات تأثيرات صحية. بعض الأسلحة حمل في تركيبته غازات تدخل ضمن الصناعات النووية"... الكثير من الأجنة المشوهين ولدوا في مناطق تعرضت للقصف بأسلحة غير معروف نوعها، كما حصل في صعدة وصنعاء
بدوره، يقول رئيس "مؤسسة الشرق الأوسط للتنمية وحقوق الإنسان" في صنعاء عبدالله علاو: "كثيرة هي الأسلحة التي قصف بها اليمن، منها العنقودية والانشطارية والفوسفورية ومتفجرات تحمل رؤوس شديدة الانفجار".
ويضيف: "تسببت تلك الأسلحة في انتشار غازات ذات تأثيرات صحية. بعض الأسلحة حمل في تركيبته غازات تدخل ضمن الصناعات النووية كالقنبلة التي قصف بها حي عطان في صنعاء وكانت شديدة الانفجار وواسعة التدمير. حينذاك وصفتها الهيئة الوطنية للطاقة الذرية في صنعاء بأنها تحمل نسبة كبيرة من الإشعاع".
ويتابع علاو: "خلال سنوات الحرب تنوعت الأسلحة المستخدمة إذ قصفت مئات الآلاف من الأطنان من الأسلحة والمتفجرات والذخائر الشديدة الانفجار والتي تحتاج إلى دراسات من أجل تحديد نوعيتها".
مآسٍ لا تنتهي
تحكي جدران المستشفيات فصول مأساة لا تنتهي مع ولادة طفل مشوه، تستقبله أمه تارة بالدموع وتارة بالرفض، ومن هؤلاء الأمهات هيام التي فوجئت وهي تحتضن طفلها بوجود نتوء في قفصه الصدري وببكائه الشبيه بصوت العصفور.
تعتقد هيام أن السبب في تشوه طفلها هو عدم استخدامها حمض الفوليك أثناء فترة حملها، وهذا ما توضحه طبيبتها بالقول إن نقص بعض المواد الأساسية مثل حمض الفوليك هو أحد أسباب التشوهات، مشيرة إلى أن عدم تغذية الأم الحامل ومراجعة الطبيب خصوصاً في الأشهر الأولى من الحمل له دور كبير في التشوهات.
وأثبتت دراسات عدة أن 94% من تشوهات الأطفال والأجنة تحدث في الدول الفقيرة أو في تلك التي تنتشر فيها الحروب والعنف، لأن سوء تغذية الحامل وعدم حصولها على الكالسيوم وحمض الفوليك يسببان تشوهاً بالعمود الفقري .
وبحسب تقارير لمنظمة اليونيسف للطفولة لعام 2019، هناك 1.1 مليون امرأة حامل ومرضعة في اليمن بحاجة إلى علاج بسبب سوء التغذية الحاد، فيما يعاني 10 ملايين مواطن يمني من الجوع.
صلة القرابة
تظن نوال، وهي من محافظة أب، أن سبب ولادة أطفالها الخمسة مشوهين ناتج من القرابة بينها وبين زوجها، بينما توضح الخطيب أن أحد أسباب التشوهات وراثي يحمله الزوجان، ويظهر لدى الأطفال من خلال أعراض كالتأخر العقلي أو أمراض الدم...
تجهل إحدى الأمهات من صعدة سبب ولادة أطفالها الثلاثة مشوهين، وتقول: "لا أعلم لماذا يولد أطفالي مشوهين ثم يموتون بعد الولادة مباشرة فيدفنهم والدهم من دون البحث عن سبب التشوه".
وتفيد الاختصاصية الاجتماعية أن سبب الكامن خلف تساهل الابوين في معرفة سبب تشوه أطفالهم يعود إلى خوفهم من أن يكون أحدهما وراءه، خاصة إذا لم يخلُ التاريخ العائلي للزوج أو الزوجة من الأمراض التى تنتقل بالوراثة، فيما يعتبران الكشف عن ذلك وصمة عار.
وتبقى أسباب تشوهات الأجنة في اليمن وجعاً غائراً في قلوب أمهات مشرذمات بين مخلفات الصراع وسوء التغذية وقلة الوعي، أما الأطفال فمنهم من يبقى على قيد الحياة بتشوهات ظاهرة وتعقيدات حياتية تحاصره، ومنهم من يدفن سبب تشوهه معه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون