السُّوس في اللغة العربية حسب معجم "لسان العرب" هو الْعُثَّةُ التي تقع في الصوف والثياب والطعام، يقولون: سَوِسَ الحب أو الخشب أو غيرهما، أي: نُخِر، بليَ وتفتَّت. والسوس جمع، مفرده سوسة.
في اللهجة المحكية السورية، يطلق الناس تسمية "سوسة" على كل عادة أو سلوك يتملك الإنسان ولا يستطيع التخلي عنه، وهي غالباً ما تصف الهوايات الغريبة، أو العادات غير المألوفة، كأن نقول مثلاً: "فلان لديه سوسة جمع أغطية القوارير الفارغة".
كما أنها غالباً ما تشير في الثقافة الشعبية إلى الأفعال التي لا يبدو لها أية منفعة، بل على الأرجح تأخذ من صحة الشخص، صاحب السوسة، أو من وقته أو من ماله.
لسبب مجهول تماماً، لطالما شعرت بالانجذاب لهؤلاء الناس ممن لديهم "سوسة"، إلى درجة التواطؤ والشعور بأنهم أصدقائي حتى قبل أن أتحدث معهم.
هذا التقرير يحكي عن "سوسة" من المفضلات بالنسبة إلي، إنها سوسة ترجمة الأفلام إلى اللغة العربية ومشاركتها على الإنترنت دون مقابل.
المعرفة للجميع
يحكي أنس زواهري، المقيم في دمشق، لرصيف22، عن قصة حبه مع السينما، التي بدأت عندما كان في العاشرة من عمره ولم تنتهِ حتى اليوم، وهو في الثالثة والثلاثين. أنس حاصل على دبلوم في العلوم السينمائية وفنونها من المؤسسة العامة للسينما في دمشق، وله في رصيد ترجماته أكثر من 106 أفلام مترجمة إلى العربية.
أنس زواهري
يقول زواهري: "بدأ حبي للسينما يظهر عندما أحضر أبي إلى المنزل جهاز Video Tape"، ويتابع: "كنت عندها في الصف الرابع الابتدائي أي بسن العاشرة تقريباً، وكان في حارتنا دكان يؤجر أفلام الممثلين بروس لي وفاندام مقابل 15 ليرة سورية، أي أقل من ربع دولار أميركي وقتها، وهو مبلغ يساوي 'خرجيّتي' الأسبوعية، أي المبلغ الذي يعطيني إياه أهلي كمصروف للجيب".
منذ ذلك الوقت صارت السينما المتعة المفضلة لأنس، واستمرت كذلك طوال فترة الطفولة والمراهقة، ومع الوقت صار يبحث عن نوع مختلف من الأفلام، غير تلك التي كانت تقدمه وتروّج له السينما الهوليوودية.
أما الفيلم الذي غيّر حياته، كما يقول، كان فيلم "برتقالة آلية A Clockwork Orange" للمخرج ستانلي كوبريك، ويتابع: "من هنا بدأت رحلتي في البحث عن الأشخاص الذين يصنعون سينما فريدة من نوعها، وأصبح الأمر بالنسبة لي كالإدمان".
ويتابع: "عام 2013 دخل الإنترنت إلى حياتي. بحر من الأفلام من كل مكان في العالم أصبح متاحاً وفي متناول يدي داخل غرفتي الصغيرة. مع الوقت لاحظت أن معظم الأفلام المهمة غير مترجمة إلى العربية، من هنا راودتني فكرة البدء بترجمة الأفلام التي أرغب بحضورها ولا تتوافر لها ترجمة عربية".
يتحدث أنس عن أول فيلم ترجمه وهو Faust للمخرج التشيكي السورياليJan Švankmajer: "ترجمته بطريقة بدائية جداً، ومنذ ذلك الحين أحببت التجربة كثيراً، وصرت أترجم لنفسي كل الأفلام التي أرغب بمشاهدتها، ومع الوقت أصبحت أكثر سرعة واحترافية، وعادةً ما تكون الأولوية بالنسبة لي للأفلام المنسية، أو الأفلام الموجودة ضمن قوائم نقاد السينما المهمين في العالم".
ويعزو أنس السبب وراء نجاحه كمترجم أفلام، إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لأنها كانت وسيلته في التعرف على مترجمين آخرين وتشكيل شبكات للعمل معاً وتبادل الخبرات، كما أنها سهلت وصول الأفلام المترجمة إلى كل من يبحث عنها.
يقول بسعادة: "بين الحين والآخر تصلني رسائل من أماكن مختلفة من العالم ومن أناس لا أعرفهم، يشكرونني فيها على الترجمة. هذه اللحظات هي التي أنتظرها وأعمل من أجلها لأنها تشعرني بقيمة عملي. لا يهمني أن تكون لدي مكتبة أفلام خاصة بي، ولا يهمني أي مردود مادي يمكن أن أحصل عليه، فالأفلام التي أترجمها غير تجارية. كل ما يهمني هو مشاركة المعرفة وإتاحة الفرصة أمام متحدثي العربية كي يتعرفوا على سينما العالم".
"لا يهمني أن تكون لدي مكتبة أفلام خاصة بي، ولا يهمني أي مردود مادي يمكن أن أحصل عليه، فالأفلام التي أترجمها غير تجارية. كل ما يهمني هو مشاركة المعرفة وإتاحة الفرصة أمام متحدثي العربية كي يتعرفوا على سينما العالم"... مترجمو أفلام يتحدثون لرصيف22
Syrian Cinematech
في تشرين الأول 2019، أطلق أنس زواهري مع مجموعة من أصدقائه مشروعاً غير ربحي، يهدف إلى دعم المكتبة السينمائية العربية، عبر زيادة عدد الأفلام المترجمة إلى العربية والمتاحة عبر شبكة الإنترنت، والتي لا تتجاوز نسبتها اليوم 5% من مجموع الأفلام، وفق تقديرات أنس وخبرته في هذا المجال.
يتولى مهمة الترجمة شباب وشابات يجيدون اللغة الإنكليزية، ويبحثون عن مصدر دخل إضافي. المقابل المادي لعملهم هو مبلغ رمزي يتم جمعه من قبل متبرعين مهتمين بالسينما. حتى الآن تُرجمت ثلاثة أفلام وأصبحت متاحة على الإنترنت بتوقيع Syrian Cinematech، ويطمح أنس وأصدقاؤه إلى تطوير هذا المشروع ودعمه كي يستمر، وذلك عبر إيجاد المزيد من المتبرعين والداعمين.
السينما كأداة للتغيير الإيجابي
نزار عز الدين، وهو رجل سوري أربعيني مهتم بالسينما منذ الصغر، يتحدث لرصيف22 عن شغفه بهذا الفن، الذي يعتبره وسيلته لرؤية الحياة خارج دائرته الضيقة.
يتذكر نزار أيام مهرجان دمشق السينمائي والتنقل بين الصالات، بنوع من الغصة. اعتادت دمشق منذ العام 1979 استضافة أفلام وسينمائيين من العالم أجمع ضمن مهرجانها السينمائي السنوي، وكان نزار وأصدقاؤه، كما يحكي، يركضون من صالة إلى أخرى لحضور أكبر عدد ممكن من الأفلام، لتكون فترة المهرجان مساحة مكثفة للمعرفة والنقاش وتبادل الأفكار. توقف المهرجان بشكل نهائي عام 2012 بسبب ما شهدته البلاد من أحداث.
حب نزار للسينما قاده لدراسة الإخراج الوثائقي في معهد الإعداد الإعلامي بدمشق، إضافة لكتابة مجموعة مراجعات نقدية للأفلام في عدد من المواقع الإلكترونية، ثم التوجه نحو ترجمة العشرات من الأفلام الأجنبية للغة العربية.
من المترجمين من يختار مواضيع شائكة بالنسبة للمشاهد العربي. لا يقتصر الأمر على السينما الإسرائيلية، وإنما أيضاً سينما حول مواضيع وقضايا المثلية الجنسية، العابرين/ات للجنس، وغيرها من قصص مجتمع الميم
ترجمة أفلام إسرائيلية
لا يستطيع نزار تذكر العدد الدقيق للأفلام التي ترجمها حتى الآن، لكنها تفوق الـ 250 فيلماً، ترجمها عن الفرنسية والإيطالية إضافةً إلى الإنكليزية، نظراً لإجادته هذه اللغات الثلاث، ووضعها على الإنترنت في متناول الناس دون مقابل. يبتعد نزار هذا العام عن الترجمة لأسباب خارجة عن إرادته، لم يرغب بالإفصاح عنها.
ويضيف: "بدأت ترجمة الأفلام عام 2012 بالصدفة، وبتشجيع من بعض الأصدقاء. ترجمت وقتها الفيلم الإسرائيلي الذي كان مرشحاً لجائزة الأوسكار "حاشية سفلية" من إخراج يوسيف سيدر".
كان اختيار هذا الفيلم بالنسبة لنزار مجازفةً كبيرة كما يقول، نظراً لحساسية ما يعنيه فيلم ناطق بالعبرية بالنسبة للمواطن العربي.
ويتابع: "تلقيت الكثير من ردود الأفعال الرافضة، لكن فضولي لمشاهدته دفعني إلى خوض هذه التجربة. لم ينتهِ فضولي عند هذا الفيلم، لذا ترجمت عدة أفلام أخرى من السينما العبرية. لم يكن هدفي الترويج لها، وإنما إطلاع المشاهد العربي على سينما الجانب الآخر".
نزار عز الدين
زملاء نزار يصفونه بأنه مثير للجدل، فاختياراته كثيراً ما تتطرق إلى المواضيع الشائكة بالنسبة للمشاهد العربي. لا يقتصر الأمر على السينما الإسرائيلية، وإنما أيضاً سينما حول مواضيع وقضايا المثلية الجنسية، العابرين/ات للجنس، وغيرها من قصص مجتمع الميم.
حول هذا الأمر يقول نزار إن لديه وجهة نظر مخالفة: "أنا ممن يؤمنون برسالة السينما، وبأنها ليست مجرد وسيلة للترفيه، إنما هي نافذة ننظر بها إلى العالم، لذا أترجم عادةً ما يمكن أن يحرض الناس على التساؤل والتفكير".
يختتم حديثه بالقول: "أعتقد ان السينما قادرة على صناعة التغيير الإيجابي، والذي يبدأ بنظري من فكرة معرفة الآخر، فعدم معرفتنا بالآخر لا تلغي وجوده، لذا فالسينما يجب أن تقتحم الممنوعات".
بالنسبة للكثيرين، يمكن أن يكون عمل هؤلاء المترجمين مجرد مضيعة للوقت والجهد. قد يعترض البعض على شرعية مثل هذا العمل من أساسه، وقد يراهم آخرون مجرد أشخاص لديهم هوس بالسينما، مع ذلك كله أود أن أشكرهم، باسمي وباسم جميع محبي السينما أو السينيفيل Cinefiles العرب… شكراً لأنكم جعلتم حياتنا أسهل وأجمل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...