قلْ لي من كاتبك المفضّل أقول لك من أنت، فلا يمكن الإيمان بكاتب دون أن تظهر أفكاره عليك أولاً، وإلا ما فائدة القراءة؟ والرئيس السيسي لم يعطنا فرصة للتخمين عمن هو كاتبه المفضل، لأنه أجاب أكثر من مرة واستشهد بأقواله ونبوءاته، وكان صاحب الحظوة عنده، عالم الجغرافيا الشهير، جمال حمدان، صاحب موسوعة "شخصية مصر".
كشف السيسي عن ذلك في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة 2015، فخلال كلمته أكد أن "القناة الجديدة" وما صاحبها من حزم وعمل هي تحقيق لنبوءة "جمال حمدان"، وفي مرات أخرى أكد أنه يعود لما كتبه عالم الجغرافيا الكبير من حين إلى آخر، معتبراً إياه أحد "كتّابه المفضلين".
ويمكنني القول إن قضية "تيران وصنافير" كانت سبباً في بروز اسم جمال حمدان وإحياءه بقوة في الأوساط الشعبية، بعد أن نُسب له أوراق تشير إلى أن جزيرتي "تيران وصنافير" سعوديتان، بما يوافق أهواء السلطة، ومن وقتها بات جمال حمدان اسماً يتردد كثيراً على ألسنة "أعوان نظام السيسي"، ومن وقتها أصبح فعلياً "ملطشة الكتّاب"، فكل من يريد أن يدلل على وجهة نظره يستدل به، حتى لو كانت آراء "حمدان" نفسها بعيدة كل البعد عن هذا الاستشهاد، ناهيك عن أن قليلين من قرؤوا موسوعته "شخصية مصر" وكثيرين من يستشهدون بها.
كان يمكن القول إن الدولة أخيراً قررت الاعتراف بعالم كبير، كان أكثر من نادى بالحرية والديمقراطية، وهذا ما جعلني اعتقد أن السيسي لم يقرأ جمال حمدان... فأفكار "حمدان" وأفعال "السيسي وأعوانه" لا يلتقيان أبداً
من هذا المنطلق، وفي بلد يخضع فيه كل شيء لإرادة الحاكم، لم يكن من الغريب أن يصبح جمال حمدان هو شخصية الدورة الـ51 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وللأمانة، كان يمكن أن أفرح بهذا الخبر في أي مناخ سياسي آخر، وكان يمكن القول إن الدولة أخيراً قررت الاعتراف بعالم كبير، ليس فقط لكونه صاحب موسوعة مزجت بين الأرض والتاريخ والمستقبل، ولكن لأنه أكثر من نادى بالحرية والديمقراطية، والسبب الأخير هو ما جعلني اعتقد أن السيسي لم يقرأ جمال حمدان، فأفكار "حمدان" وأفعال "السيسي وأعوانه" لا يلتقيان أبداً.
هذا الاعتقاد ليس وليد سوء نية كما يعتقد البعض، ولكن لأن جولة صغيرة داخل أفكار جمال حمدان وردود أفعال السيسي تُظهر ذلك بوضوح، بل وتكشف أن الرئيس لو عرف ما كتبه عالم الجغرافيا حقاً لما روّج له، خشية أن يتردد اسمه، ومن ثم تُقرأ كتبه التي رفضت الديكتاتورية ودعت للثورة على كل حاكم يؤمن بالفردية، من سيقرأ كتب جمال حمدان ويقتنع بها سيكون عليه الثورة على النظام الذي روّج له!
فبعيداً عن بعض المقتطفات التي تشيد بعظمة مصر تاريخياً وجغرافياً، وهي المقتطفات التي يحبذ "نظام السيسي" الاستعانة بها في نظرة شوفينية واضحة، يتحدث جمال حمدان في الجزء الثاني من موسوعته "شخصية مصر"، عن حكم الرجل الفرد: "الديكتاتورية هي تعبير مباشر وضمني عن النقص، فالحاكم الذي يعاني لأمر ما من مركب نقص شخصي أو فكري إلخ... يعوض هذا النقص بفرض إرادته ومشيئته بالبطش والقهر والتحكم ليثبت لنفسه وللآخرين أنه الرجل القوي لا الضعيف أو الصغير".
ومن بين مواقف كثيرة، فإن المشهد الأشد دلالة على ما يقوله عالم الجغرافيا هو ما حدث في 2017، حين افتتح الرئيس المرحلة الأولى من مدينة الأثاث بدمياط، وقتها طالبه نائب أن يؤجل قرارات زيادة أسعار الوقود ويقوم بزيادة الرواتب، فما كان من "السيسي" سوى الانفعال عليه قائلاً: "إنت عارف إنت بتقول إيه إنت دارس ده؟"، مع وصلة أخرى من التوبيخ... حدث هذا مع نائب مسؤول أمام شعبه وله صلاحية محاكمة الرئيس الذي لم يطق أن يسأله أحد، ليثبت أنه الوحيد "الفاهم" لكل ما يجري.
كما كتب جمال حمدان في نفس الجزء من موسوعته: "إن الديمقراطية تتناسب طردياً مع درجة التخلف الحضاري، فالديمقراطية هي الحضارة والحضارة هي الديمقراطية، كما أن الديكتاتورية هي التخلف والتخلف هو الديكتاتورية، فالفرد والمجتمع تحتها عبد للحاكم في صورة مقنعة".
ولكن إن كان جمال حمدان يرى أنه لا تقدم بدون ديمقراطية، فإن السيسي يرى عكس ذلك، فهو يؤكد أن مصر استعادت عافيتها في عصره، وأنها أصبحت "قد الدنيا" بدون ديمقراطية، فالديمقراطية عملية طويلة ويتطلب تحقيقها فترة تتراوح من 20 إلى 25 عاماً، كما أوضح في حواره لمجلة "جون افريك" الفرنسية.
إن كان جمال حمدان يرى أنه لا تقدم بدون ديمقراطية، فإن السيسي يرى عكس ذلك، فهو يؤكد أن مصر استعادت عافيتها في عصره، وأنها أصبحت "قد الدنيا" بدون ديمقراطية
ما حدث مع السيسي حدث مع كثيرين من رجاله، ولعل أبرزها مستشاره الديني أسامة الأزهري، الذي استشهد في خطبته بصلاة عيد الأضحى 2015 بجمال حمدان للدلالة على عظمة مصر وقوة الجيش المصري... وسؤالي هو: هل يعرف "الأزهري" أن جمال حمدان يرى أن الإسلام هو العلمانية والعلمانية هي ترشيد التدين، كما أن الإسلام دين دنيوي ككافة الأديان، كما كتب في كتابه "اليهود أنثربولجياً"؟
الأمثلة لن تنتهي وما ذكرته ليس انتقائياً، فعلى من يشكك العودة إلى المؤلفات الأصلية كاملة وهي متاحة، ليُدرك أن جمال حمدان عاش طوال حياته مؤمناً بالحرية وبالديمقراطية، يستنهض شعبه للعيش بكرامة، بل أن المقتطفات التي يذكرها "السيسي ونظامه"، على غرار مصر أقدم دولة ولها تاريخ مجيد، هو الانتقاء، لأن "حمدان" أكد أن ضريبة ذلك دُفعت من كد الشعب المطحون.
ليس غرض هذا المقال الدفاع عن جمال حمدان، لأن للجميع حق الاختلاف والاتفاق معه، كما أنه ليس مقرراً دراسياً على الرؤساء كي نعيب على السيسي أنه لم يقرأه، لكن تلك الكلمات من أجل كشف "ادعاء" الرئيس الذي لم يقرأ الرجل، واكتفى ببعض مقتطفات من مؤلفاته، والأهم، خوفاً أن تظن أجيال لم تقرأ جمال حمدان أن ما ينفذه السيسي هي أفكار جمال حمدان، وهذا كذب وافتراء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 10 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor