شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا علينا مناصرة حقوق المثليين وإنْ لم نشاركهم الميول؟

لماذا علينا مناصرة حقوق المثليين وإنْ لم نشاركهم الميول؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 18 يناير 202005:02 م

"أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". الجميع يعرف هذه المقولة. كثيراً ما رُدّدت على لسان قوميين عرب، أو منتمين إلى الإسلام السياسي، عندما يصيب خطب ما بلداً عربياً أو إسلامياً، ويقصدون بها أن تفرُّق العرب والمسلمين كان سبباً وراء تداعي الأمم عليهم.

ترتبط هذه المقولة بقصة تراثية عن ثلاثة ثيران، واحد أبيض وآخر أحمر وثالث أسود، كانوا يعيشون متحدين، إلى أن هاجمهم ذات مرة أسد فتصدوا له، فاحتال عليهم لكسر اتحادهم واجتمع منفرداً بالثورين الأسود والأحمر، وأخبرهما بعدم نيته إيذائهما، طالباً منهما السماح له بأكل الثور الأبيض ليسد جوعه، مقابل السلام بينهم.

وافق الثوران، طمعاً بالراحة، وبعد فترة جاء الأسد إليهما وهاجمهما إلا أنهما مجتمعين نجحا في صده، لكنه احتال فجاء إلى الأسوَد وخاطبه بألا داعي للصراع معه، وعليه فقط أن يترك له الثور الأحمر، فواق الأسوَد.

وبعد فترة، جاع الأسد فجاء إلى الثور الأسود وهاجمه، فقال له الأخير: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، مضيفاً: "وقت أن وافقتك على أكل الأبيض فقد وافقت على أكلي".

تذكّرت هذه المقولة وأنا أفكّر في اضطهاد أصحاب الميول الجنسية المثلية في مصر من قِبَل السلطات السياسية والدينية والاجتماعية، وحملات التشهير الإعلامي ضدهم.

تخيّلت أنني الثور الأسود الذي غض الطرف عن ممارسات السلطة القمعية بحق المثليين لأنها جاءته قائلة: "دع لي هذا المثلي، وأنت الشخص المغاير الجنس لا خطر عليك"، فسكت طلباً للراحة، وأقصى ما فعله كان عبارات تعاطف جوفاء مع شخص اضطُهد لمجرد أنه رفع علم "الرينبو" في حفلة غنائية، بل صمت عندما سمع كثيرون يلومون هذا الشخص، ويرددون مقولات من نوع أن "علينا كعلمانيين ألا ننشغل بهذه القضايا الفرعية".

حقوق الإنسان كتلة واحدة لا تقبل التقسيم والتجزئة. هي أشبه بعقد من لؤلؤ إذا انفرطت حبة واحدة منه ستتبعها بقية الحبات. هكذا هي الحقوق، وسكوتنا عن اضطهاد المثليين هو بمثابة مباركة منّا للقمع الذي تمارسه السلطة، ورضا عن انتهاك الحريات الخاصة. والسلطة وحش لا يشبع، لا يمتلئ بطنه أبداً، ومشكلتها ليست فقط مع المثليين، بل مع الحريات بشكل عام، وعلى رأسها حرية الفكر والسلوك. وكما تتعامل مع المثليين، تُلقي بالأدباء في السجون وتصادر أعمالهم الأدبية، بحجج واهية مثل حماية الأخلاق، وتهمة ازدراء الأديان.

المثليون هم الثور الأبيض، ونحن العلمانيون الثور الأحمر، ومعظم المجتمع هو الثور الأسود.

"تخيّلت أنني الثور الأسود الذي غض الطرف عن ممارسات السلطة القمعية بحق المثليين لأنها جاءته قائلة: ‘دع لي هذا المثلي، وأنت الشخص المغاير الجنس لا خطر عليك’، فسكت طلباً للراحة، وأقصى ما فعله كان عبارات تعاطف جوفاء"

كل فرد منّا يعيش رعب الوقوع ضحية هوى شرطي ما. نتجنّب السير في شوارع منطقة وسط البلد في القاهرة التي كانت رمزاً للحراك السياسي. قبلنا بانتهاك حقوق الإنسان، ولم نقف بجانب سجناء كثيرين لأنهم لم يكونوا من معسكرنا السياسي.

وماذا حدث بعد ذلك؟ حدث كثير آخره أحداث 20 أيلول/ سبتمبر 2019، التي خرج فيها مئات الشباب للتعبير عن رفضهم للنظام المصري، فرد عليهم بعنف، وشن حملة اعتقالات موسعة، انتُهكت فيها حريات مواطنين بدرجة غير مسبوقة، ووصلت حد إيقاف أي فرد وإجباره على فتح هاتفه، واعتقاله عشوائياً إن لم تُعجب صفحته على فيسبوك "حضرة الشرطي"، أو عنصر المباحث.

فئة بعد فئة، قمعت السلطة الجميع بأشكال مختلفة. انتهكت خصوصياتهم، ألقت بأبنائهم في السجون بشكل عشوائي. بكوا وصرخوا لكن دون أن يُدركوا أنهم أُكلوا يوم أُكل الثور الأبيض المثلي، وحين باركوا قمع مخالفيهم في الرأي السياسي وهم الثور الأحمر.

سكوتنا أدى إلى نجاح السلطة في تحويل المثلية إلى وصمة عار. بتنا كمَن سلّم العدو سلاحاً يستخدمه للفتك به. فما الذي يمنع السلطة من اتهام أي فرد معارض لها بأنه مثلي، وشن حملات تشويه ضده في وسائل الإعلام؟ وقد حدث ذلك بالفعل.

"حقوق الإنسان كتلة واحدة لا تقبل التقسيم والتجزئة. هي أشبه بعقد من لؤلؤ إذا انفرطت حبة واحدة منه ستتبعها بقية الحبات. هكذا هي الحقوق، وسكوتنا عن اضطهاد المثليين هو بمثابة مباركة منّا للقمع الذي تمارسه السلطة، ورضا عن انتهاك الحريات الخاصة"

هل يستطيع أحد منّا الجهر اليوم بأن المثلية أمر طبيعي، دون أن يناله تشويه كبير، وأنها ميول طبيعية لا تختلف عن الميول المغايرة. لا يجرؤ أحد منا على ذلك، خوفاً من "تشويه" صورته، لكن ربما يكون "تشويه" صورته اليوم ضريبة صغيرة تجنّبه السجن غداً تحت أي ذريعة، وما أكثر الذرائع.

هل نقطع علاقاتنا بأصدقائنا المثليين، أو لا نقبل بهم في أحزابنا وحركاتنا السياسية، ولا نشركهم في أنشطتنا الثقافية خوفاً من أن يتهمنا أحد بتقبُّل المثلية، سواء أكان هذا الأحد السلطة أو المجتمع؟

لا يعني الدفاع عن حقوق المثليين أنك تريد أن يتحوّل كل الناس إلى مثليين، وربما لا يستلزم موقفاً إيجابياً تاماً منها، لكنه دفاع عن قيمة الحرية، التي تقوم على مبدأ "أنت حر ما لم تضر". الحرية لا تخضع لهوى شخص يحددها، وليست هبة من المجتمع، بل حق أصيل للإنسان.

الإنسان حر في ما يفعله بجسده، حر في اختيار ميوله الجنسية، حر في اختيار طريق السعادة لذاته، حر في كيف يشكل هويته، وعلينا أن نحترم ذلك، وأن ندافع عن هذا الحق، لأننا بذلك ندافع عن حقنا في أن نكون أحراراً.

علينا ألا نتهاون مع أي قمع للحريات، وأن نعرف أن أي تنازل نقدّمه في مسألة الحريات لن يجعل أعداء الحرية رفقاء بنا، بل سيشجعهم على الفتك ببقايا خطوط الدفاع عن الحرية، حتى يصلوا إلى محو كل ما يعبّر عنها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image