بعدما كان شيء لين يسند إليه رأسه في عداد أمنياته القليلة، سيتمكن عبد الرحمن الجندي أخيراً من أن يغفو بين يدي والدته أو على وسادة وثيرة.
أمور عديدة لم تعد كسابق عهدها عندما اعتقل، أشخاص رحلوا ولن يستطيع استعادة ذكرياته معهم، أبرزهم جدته.
فعلاً إن "الحرية حلال". هاتان الكلمتان اللتان عبر بهما المحامي الحقوقي المصري طارق حسين على خبر الإفراج عن الجندي (24 عاماً) الذي اعتقل نحو 6 سنوات، انتقل خلالها من طور الطفولة إلى المراهقة ثم إلى الشباب.
خبر الإفراج عن الجندي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بهجةً وتفاؤلاً وهو الذي كان قد اعتقل في 6 تشرين الأول/أكتوبر عام 2013، بينما كان يستقل ووالده سيارتهما الخاصة في نطاق ميدان رمسيس وسط العاصمة، القاهرة.
كانت التظاهرات المعارضة لانقلاب الجيش المصري استجابةً لمطالب شعبية واسعة على الرئيس المنتخب آنذاك محمد مرسي في أوجها.
لاحقاً، دانت محكمة جنايات مصرية الجندي ووالده و60 آخرين بتهم "القتل، والشروع في القتل، وإتلاف منشآت عامة وخاصة، وحيازة أسلحة وذخائر"، وحكمت في 30 أيلول/سبتمبر عام 2014 على الأب وابنه بالسجن 15 عاماً، مع استمرار المراقبة الشرطية خمس سنوات، وغرامة 20 ألف جنيه (نحو 1300 دولار أمريكي).
وفي آذار/مارس عام 2016، رفضت محكمة النقض الطعن الذي تقدم به الجندي ووالده مؤيدةً الحكم الصادر بحقهما.
مأساة إنسانية متكاملة
بينما اعتقل الجندي قبل بلوغه الـ18 من العمر، وهذا ما يعني أنه كان طفلاً بحسب القانون المصري، فقد باعتقاله منحةً لدراسة الهندسة في الجامعة الألمانية غي القاهرة، كان قد نالها بتفوقه الدراسي خلال المرحلة الثانوية. برغم ذلك، أصر على الالتحاق بكلية الهندسة في جامعة عين شمس لاستكمال تعليمه.
لكن الظروف المأسوية التي عاناها خلال اعتقاله منحت قصته مزيداً من التعاطف.
ناشطون مصريون يبتهجون بالإفراج عن المعتقل عبد الرحمن الجندي الذي "اعتقل صبياً وخرج رجلاً". فقد الشاب باعتقاله فرصة الدراسة في الجامعة الألمانية لكنه واصل دراسة الهندسة في السجن
ففي رسالة من سجنه عام 2014، لخص الجندي أحلامه الـ12، التي تمثلت في: "مخدة بدل الشبشب أسند رأسي عليها. حاجة طرية أنام عليها بدل الأرض. أفرد رجلي وأنا نايم. اتقلب. أنام وأنا مطمن إني مش هصحى على صوت بيسب الدين أو إيد بتطرقع على قفايا. أدخل الحمام من غير ما اضطر أستنى 25 واحد قدامي. مكان أذاكر فيه وحاجة أعلى من الأرض أسند عليها. أشوف أهلي أكتر من نص ساعة كل أسبوعين. أشرب مياه نظيفة. أشوف الشمس. أدخل الامتحانات. آخد نفس من غير ما أفتكر إني مسجون".
كتابات الجندي في السجن كانت فصلاً موجعاً آخر في قصته التي تألم لها كثيرون. كتب في مقال عبر موقع مدى مصر: "هل أعود يوماً ما لأرى كل تلك الأشياء كما يرونها؟ أم ستظل شِبَاك الحديد تظهر أمام عينيّ أينما وجهتهما حتى أموت؟".
"ماتت جدتي وأنا في السجن، لن نجتمع ثانية. كم من ذكريات أُخرى ستقتلها يا سجن إلى الأبد؟"، قال في مقال آخر.
حتى المناسبات السعيدة اكتست بألم إضافي لدى الجندي: "اليوم هو الأول في العيد الحادي عشر لي في السجن. يصدمني الرقم. تبدأ أرقامي في السجن في إثارة الرعب فيّ. يراودني حنين شديد القوة إلى العيد بالخارج".
وبرغم أن كل هذه الملابسات لا تتفرد بها قصة الجندي وحده، بل يعيشها المئات من المصريين المعتقلين في سجون النظام الحالي الذي يوصف بأنه "الأكثر قمعاً في تاريخ البلاد الحديث"، كانت تلك الملابسات كافية لابتهاج الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنبأ الإفراج عنه، معتبرين ذلك "أجمل خبر في هذه الحقبة المؤلمة".
قبل الجندي، اعتقل زميل له في الجامعة الألمانية في مصر يدعى أحمد عفيفي. كما اعتقل أيمن موسى بالتزامن مع أعتقال عبد الرحمن الطالب في الجامعة البريطانية في القاهرة.
وفقد هؤلاء مستقبلاً علمياً ومهنياً بسبب تعنت السلطات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا