شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"حبك عاملّي إدمان"... هل ندمن أحباءنا كما ندمن المخدرات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 10 يناير 202006:12 م

هل تعتبرون أن حياتكم بأسرها تتمحور حول شخص واحد، تنظرون إليه على أنه "الشريك المثالي" وسبب وجودكم؟ هل يرتفع معدل الأدرينالين بمجرد أن تلمحوا طيفه من بعيد؟ هل تشعرون بأنه سيغمى عليكم عندما تجدونه يقترب منكم؟ هل تفكرون به طوال اليوم دون انقطاع؟ هل تشعرون بأن انفصالكم عنه يعني أن بريق الدنيا قد خفت، وبأن حياتكم باتت من دون معنى، وبأنكم على استعداد لفعل أي شيء من أجل "جرعة" حب واحدة، حتى لو كلف ذلك حياتكم؟ في حال كان الأمر كذلك، فهذه المؤشرات قد ترجح فرضية وقوعكم في الإدمان على الحب.

عقار مخدّر

"الحب مثل عقار مخدر. في البداية تشعر بالمرح والغبطة بالاستسلام الكامل. وفي الغد تريد منه أكثر. هو ليس تسمماً بعد، بل إنك ترتاح للشعور وتعتقد أنك قادر على البقاء مسيطراً عليه. تفكر بأنك تحبه لدقيقتين وتنساه لثلاث ساعات. ولكنك تعتاد شيئاً فشيئاً هذا الكائن، وتصبح متعلقاً به تماماً، عندئذٍ تفكر به ثلاث ساعات وتنساه لدقيقتين. ومع أنه ليس ساماً ولكنك تعاني من الإحساس نفسه الذي يحس به المدمنون عندما يفتقدونه، وكما يفعل المدمنون، يسرقون ويُذلون النفس ليحصلوا على ما هم بحاجة إليه، كذلك أنت تكون مستعداً لأي شيء في سبيل الحب". (باولو كويلو).

يعتبر الوقوع في الحب من أجمل المشاعر التي يختبرها البشر، فالشعور بالحب يجعل العالم في نظر العشاق أكثر إشراقاً، ويخلق لديهم الشعور بالنشوة ويجعلهم يفقدون الحسّ بالوقت وبالمنطق أحياناً.

لقد غنّى الكثير من أهل الفن للحب، ووصفوه بأنه إدمان، ففي أغنية "لارميك ببلاش" يعترف الفنان السوري ناصيف زيتون، بأن حبه قد تحول إلى إدمان: "حبك عاملي إدمان، ماشي بدم الشريان، ساكن خلايا عقلي، منسيني حتى النسيان".

وسبقه على ذلك الفنان اللبناني عاصي الحلاني عندما توجه إلى حبيبته بالقول: "أدمنت هواكي... أيقنت بأنك في جسدي برق ورعود، وبأن لقائكي منذ البدأ بعمري هو اليوم الموعود".

أما كاظم الساهر فقد سأل حبيبته: "هل عندك شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدّنيا..."، وبعدها توسل إليها قائلاً: "قولي لي قولي لي كيف سأنقذ نفسي من أشواقي وأحزاني، قولي لي قولي لي ماذا أفعل فيك أنا في حالة إدمان، قولي لي قولي لي قولي ما الحلّ فأشواقي وصلت لحدود الهذيان".

وبعيداً عن الأغاني الرومانسية، يمكن القول إن إدمان الحب هو أمر حقيقي ويشبه إلى حدّ كبير الإدمان على المخدرات، فالعاشق المدمن على الحب يركز كامل طاقته على الشخص الذي اختاره، يفكر فيه، وفي الاقتراب منه، ويسعى غالباً وبشكل قسري للتواصل معه، إذ يحب أن يراه باستمرار وأن يطيل النظر إليه، يحب أن يتحدث إليه، وفي حال عدم وجوده فهو يلح في الاتصال به عبر الهاتف، المهم أن يكون الحبيب موجوداً وحاضراً بأي شكل من الأشكال، وهذا يشبه تعامل الشخص المتعاطي مع المخدرات.

"الحب مثل عقار مخدر. في البداية تشعر بالمرح والغبطة بالاستسلام الكامل. وفي الغد تريد منه أكثر. ومع أنه ليس ساماً ولكنك تعاني من الإحساس نفسه الذي يحس به المدمنون عندما يفتقدونه، وكما يفعل المدمنون، يسرقون ويُذلون النفس ليحصلوا على ما هم بحاجة إليه، كذلك أنت تكون مستعداً لأي شيء في سبيل الحب"

أوضحت د. بريندا شيفر، عالمة النفس الأميركية وصاحبة كتاب Is It Love or Is It Addiction? أن إدمان الحب يكون في كل مرة "ننظر فيها إلى خارج أنفسنا لإرضاء جوعنا من أجل الأمن، الإحساس، القوة، الهوية أو الإحساس بالانتماء".

وأشارت شيفر إلى أن المدمنين على الحب يعانون عموماً من قلق الانفصال، شارحة ذلك بالقول: "يقولون 'نعم' عندما يقصدون 'لا'، يساومون على قيمهم من أجل البقاء في العلاقة، وبعد فترة من الوقت يصاب الكثير منهم بالاكتئاب والقلق الشديد، ويعاني معظمهم من أعراض الانسحاب لمجرد التفكير بإنهاء العلاقة".

واللافت أن الخروج من العلاقة العاطفية لدى البعض قد يشبه أعراض خروج المخدر من الجسم، وهو ما كانت قد أكدته الباحثة هيلين فيشر، بالقول: "عندما تكونون في خضم الحب الرومانسي، تخرج الأمور عن سيطرتكم وتتصرفون بطريقة غير عقلانية، وعند الرفض يفكر بعض الناس بالمطاردة والقتل والانتحار"، كاشفة أن الدافع للحب الرومانسي قد يكون أقوى من الرغبة في العيش.

ما الذي يسبب إدمان الحب؟

لا شك أن الرغبة في الحب ليست مشكلة في حد ذاتها، وإقدام المرء على أن يحب بجنون لا يعني بالضرورة أنه بات مدمناً على الشخص الذي يحبه، ولكن في بعض الحالات قد يتحول الحب إلى "هوس" يؤثر سلباً على تفكير الشخص وتصرفاته.

فقد أوضحت أخصائية العلاج في Talkspace راشيل أونيل، أن إدمان الحب يمكن أن يتطور عندما يطور الشخص احتياجات مرضية لتكرار الشعور بالحب: "عندما نكون في حالة حب، نشعر بمشاعر الإيفوريا والغبطة، ويمكن لبعض الأفراد أن يجدوا أنفسهم محاصرين في حلقة من الحاجة لإعادة تجربة هذه المشاعر"، وأضافت: "يشبه الأمر إعادة مشاهدة أفضل حلقات برنامجكم المفضل، باستثناء أنكم لا تعرفون بالضبط كيف ستكون النهاية".

وعليه أشارت أونيل إلى أنه يمكن للأفراد الذين يعانون من إدمان الحب أن يجدوا أنفسهم مدمنين على الإثارة والبهجة المرتبطة بالعلاقات الجديدة.

من ناحية أخرى، قد تتمثل جذور أسباب إدمان الحب في صدمة حدثت أثناء الطفولة، والأفراد الذين يفتقرون للثقة بالنفس أو الذين لديهم طفولة خالية من الحب، قد يكبرون وهم يبحثون باستمرار عن الاطمئنان الذي يوفره الطرف الثاني.

"عندما نكون في حالة حب، نشعر بمشاعر الإيفوريا والغبطة، ويمكن لبعض الأفراد أن يجدوا أنفسهم محاصرين في حلقة من الحاجة لإعادة تجربة هذه المشاعر... يشبه الأمر إعادة مشاهدة أفضل حلقات برنامجكم المفضل، باستثناء أنكم لا تعرفون بالضبط كيف ستكون النهاية

وتعليقاً على هذه النقطة، اعتبرت بريندا شيفر لصحيفة الإندبندنت البريطانية أن الإدمان على الحب قد يكون مبنياً على الشعور بالخوف، وتحديداً "الخوف من الرفض، الخوف من الوحدة أو الخوف من التعرض للخداع"، مضيفة بأن مسألة إدمان الحب تكون في الغالب مرتبطة بصدمة معيّنة لا نتحدث عنها بما فيه الكفاية، وهي صدمة الإهمال: "هناك بعض المسارات التنموية وكلمات معينة نحتاج إلى سماعها في كل مرحلة من مراحل التنمية، ولم يحصل أي منا على كل ما نحتاجه. هناك حرفياً ثقوب في نفسنا نحاول سدها دون وعي".

من هنا أكدت بريندا شيفر أن الأشخاص الأكثر عرضة للوقوع في إدمان الحب هم الذين عانوا من صدمات نفسية، أو الذين تعرضوا في وقت سابق لأذى جنسي أو جسدي، أو أولئك الذين ترعرعوا على فكرة أنهم غير جديرين بالحب.

في حديثه مع موقع رصيف22، أوضح الأخصائي في علم النفس هاني رستم أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يسعى دوماً لأن يحظى باعتراف "الآخر" بوجوده على الصعيدين الجسدي والنفسي، غير أن العاشق قد يبالغ في تصرفاته بسبب انجذابه للمشاعر المرتبطة بمستويات أعلى من الدوبامين، وهو ناقل عصبي له تأثير على الشعور بالرضا والسعادة، فيتحول الحب في هذه الحالة إلى "تبعية مرضية" تسبب الخراب في حياة الثنائي.

وأشار هاني إلى أن الإدمان على الحب يعود بشكل رئيسي إلى نقص معيّن داخل المرء، بسبب تجارب سيئة وعلاقات مضطربة اختبرها في الماضي، وبالأخص في طفولته، وخلقت لديه "حاجة" لسدّ هذا الفراغ العاطفي، سواء كان ذلك عن طريق اللجوء إلى المخدرات أو الكحول أو الانكباب على العمل، أو من خلال الانخراط في علاقة عاطفية يطغى عليها مفهوم "الاعتمادية".

وعن هذه النقطة، كشف رستم أن الإدمان على الحب هو عبارة عن حلقة مفرغة يعيش فيها المرء آلاماً نفسية وجسدية، ويبذل جهداً كبيراً وطاقة ضخمة للحصول على "المادة" (التي هي في هذه الحالة الطرف الآخر)، غير أن الوصول إلى هدفه لا يجعله يشعر بالاكتفاء: "يعيش المدمن على الحب جنون الشك والاضطهاد، ولا تشبعه العلاقة الروتينية لكونه يبحث دائماً عن الإثارة".

كيف يمكن التعامل مع إدمان الحب؟

كل شيء يزيد عن حدّه ينقلب ضده، و"جرعة" الحب الزائدة قد تكون بدورها سبباً لتعاستكم، خاصة في حال وجدتم أنفسكم عاجزين عن السيطرة على مشاعركم وتصرفاتكم مع الطرف الآخر.

من هنا كشف موقع سيكولوجي توداي عن بعض الخطوات التي يمكنكم اتباعها لكسر حلقة إدمان الحب:

- توقَّفوا عمّا تفعلونه، وخذوا خطوة واحدة للوراء من أجل مراقبة سلوككم الخاص، تعرفوا على نمط ضعفكم في علاقاتكم الحالية والسابقة، اكتبوه، وحاولوا أن تكونوا صريحين دون لوم أي شخص آخر على اختياراتكم.

وفي حال لم تكونوا ملتزمين بعلاقة فعلية، حاوِلوا ألا تشاركوا في أي تفاعلات يحتمل أن تكون رومانسية لمدة 6 أشهر على الأقل، لا تقوموا بإرسال أي رسائل نصية أو رسائل عبر البريد الإلكتروني أو مواقع المواعدة عبر الإنترنت، توقفوا أيضاً لمدة 6 أشهر عن قبول اقتراحات العائلة والأصدقاء ذوي النوايا الحسنة حول الارتباط، وحينها ستشعرون أن الأمور عادت من جديد لنطاق سيطرتكم.

-أثناء سرد نمط علاقاتكم وكتابته، ابحثوا عن السمات الشائعة في علاقاتكم، واسألوا أنفسكم: هل يبدو أن هناك تشابهاً بين تجارب طفولتكم وخياراتكم كأشخاص بالغين؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد أن هذا ليس من قبيل الصدفة.

-إذا لم تكونوا منخرطين في علاقة الآن، فكروا في الحصول على مساعدة احترافية في التقييم الذاتي قبل البدء في البحث مرة أخرى عن علاقة، وفي حال كنتم في علاقة، لم تتعرضوا خلالها للإيذاء، فلا تتخذوا أي قرارات أو مطالب حتى تنظروا إلى نفسكم بأمانة وشفافية.

-اسألوا نفسكم كيف ستكون الحياة إذا كنتم تتحملون مسؤولية سعادتكم، نجاحاتكم، وإخفاقاتكم، وأحببتم أنفسكم بالطريقة نفسها التي تريدون أن تكونوا محبوبين بها.

-ضعوا خطة لمتابعتها بشكل يومي. لا شك أنكم ستشعرون بالوحدة والحزن والإحباط في بعض الأحيان، ولكن في النهاية، ستكون لديكم الهدية الأكثر قيمة بالنسبة للجميع، وهي معرفة نفسكم والقدرة على حبها، عندها فقط يمكنكم أن تختاروا شريككم بشكل جيد، وأن تكون لديكم علاقة حقيقية، وإن كانت تفتقر إلى كمال الروايات الخيالية المنغمسة في الرومانسية.

-كفعل من أفعال الحب الذي يدوم مدى الحياة، اقبلوا نفسكم والشخص الذي تحبوه كما هو، فالتقبل هو الشيء الذي يريده الجميع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard