"تلقيت خبر مقتل سليماني بصدمة. لم أكن أتوقع حدوث ذلك. لم يخِفني الخبر، ولكنه ينذر بشيء مجهول قادم قد يحرف الأوضاع عن مسارها الصحيح، فثمة أمور تحصل بين ليلة وضحاها وبشكل متسارع لا يعلم به الشعب ولا حتى الحكومة العراقية".
هكذا يعلّق الناشط المدني العراقي أحمد الخطيب (26 عاماً) على قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بغارة جوية أمريكية، فجر الثالث من كانون الثاني/ يناير، بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قضى فيها معه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وآخرون. الخبر لم يفاجئ فقط العراقيين بل فاجأ العالم.
يضيف الخطيب، ابن مدينة الناصرية، في محافظة ذي قار، في جنوب العراق لرصيف22: "هناك شيء يخيفنا، هو أن الأحزاب المسيطرة على المشهد السياسي في العراق تقوم بصناعة الأحداث، مستغلةً ما يحدث لحرف الأمور نحو اتجاهات تثير فتنة وتقود إلى خلق نزاع بين المتظاهرين، وهذا ما لاحظناه بعد مقتل قاسم سليماني. لقد حصل انشقاق بين الناس، منهم مَن يؤيد أمريكا، ومنهم مَن ينحاز لصالح إيران، وقسم آخر يعارض الطرفين".
منذ اللحظات الأولى كان واضحاً أثر قتل سليماني في إحداث انقسامات في صفوف المتظاهرين. بعضهم رأوا فيه نصراً لانتفاضتهم التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ضد الطبقة السياسية الحاكمة والنفوذ الإيراني، وبعضهم الآخر عدّه انتهاكاً لسيادة العراق وخسارة لرمز من رموز الشيعة في العراق وإيران على حد سواء.
ولكن الخوف والقلق من المستقبل هو ما سيطر على العدد الأكبر من المتظاهرين الذين يخشون من التأثيرات السلبية للتصعيد بين الولايات المتحدة وإيران على العراق وشعبه.
"تظاهراتنا مستمرة"
بدوره، تلقى ابن البصرة، الناشط المدني علي كريم (24 عاماً) خبر مقتل سليماني بصدمة. يقول لرصيف22: "لم أكن أتوقع أن شخصية بحجم سليماني يُقتل بهذا المكان والزمان. الخبر لم يُخِفنا، لأنه صراع أمريكي-إيراني وهو ليس أمراً جديداً"، مضيفاً أن "الأمر لن يؤثر على تظاهراتنا، فإنها مستمرة قبل وبعد مقتله".
امتعضت شريحة غير قليلة من المتظاهرين العراقيين من الاعتداء على سيادة بلدهم. تستنكر ابنة بغداد، الناشطة المدنية خيرية الصالح (39 عاماً)، بشدة "جريمة قتل مواطن في بلد له سيادة".
ليس قتل سليماني فقط ما يثير امتعاضها بل كل عملية عسكرية أمريكية ترى فيها انتهاكاً لسيادة العراق. تقول: "كنّا قد عبّرنا عن استنكارنا لما يحصل من هجمات تنفذها القوات الأمريكية ضد قطاعات الحشد الشعبي، وطالبنا بإلغاء الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا".
برأيها، "أنْ يريد ترامب تصفيه حساباته مع إيران في أراضينا هو أمر مرفوض تماماً. نحن بلد لنا سيادة ولن نسمح بتكرار العمل الإجرامي".
وقبل مقتل سليماني، وبالتحديد في 31 كانون الأول/ ديسمبر، شنّ أنصار الحشد الشعبي هجوماً على مبنى السفارة الأمريكية في بغداد ألحق أضراراً بالمبنى، رداً على غارات جوية شنّها الجيش الأمريكي في 29 كانون الثاني/ ديسمبر على قاعدة عسكرية تابعة لكتائب حزب الله العراقية، في محافظة الأنبار غربي العراق، أسفرت عن مقتل 28 شخصاً وجرح 48.
"تشييع سليماني قرب خيم الاعتصام أزعجنا"
شهدت محافظة البصرة تشييعاً رمزياً لقاسم سليماني جال المشاركون فيه في شوارع المدينة، وصولاً إلى ساحات الاعتصام. يروي علي كريم ما شاهده ويقول: "كان هناك تشييع رمزي لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. جاء المعزون باتجاه خيم التظاهرات. طلبنا منهم عدم رفع صور قاسم سليماني كونه شخصية إيرانية غير عراقية، وعدم رفع الأعلام الإيرانية، لكنهم رفضوا، ما أثار جدلاً بين المتظاهرين والمعزين، فقاموا بحرق عدد من الخيم، والدراجات النارية، وإطلاق الرصاص الحي الذي أسفر عن إصابة أربعة متظاهرين".
يعتبر كريم أن "المعزّين كانوا يخططون لإنهاء ثورتنا"، ويضيف: "هم يعرفون جيداً أن لا علاقة للتشييع بخيم الاعتصام، غير أنهم تعمدوا استفزازنا".
يتحدث عن تأثير قتل سليماني على زخم التظاهرات، ويقول: "لم ننسحب من ساحات التظاهر. صحيح أن زخم التظاهرات قلّ في الآونة الأخيرة، ولكن ذلك جرى قبل مقتل سليماني، فالصراعات السياسية منذ أول أيامها أثّرت بشكل أو بآخر على سير التظاهرات، ولكن في ساحات الاعتصام، نتعامل مع الأحداث بحنكة وذكاء. مهما حاولت الحكومة والأحزاب كبح تظاهراتنا، فإنها ستفشل في النهاية".
وعمّا جرى في ساحة الاعتصام في البصرة، يروي عبد الله الصالح (31 عاماً)، وهو صاحب خيمة للكتب، لرصيف22: "رفضنا تشييع سليماني في ساحة الاعتصام لأن ذلك يُعتبر تدخلاً إيرانياً واضحاً في تظاهراتنا، فسليماني شخصية إيرانية، وتشييعه بقربنا يُعتبر استفزازاً لنا، لكنّ المعزّين اتجهوا نحو خيمنا. رفعنا شعارات مثل: ‘لا أمريكا ولا إيران’، من أجل منعهم من الاقتراب أكثر منّا، ورفعنا الأعلام العراقية، لكن المشيعين رفعوا صور قاسم سليماني بشكل مستفز، وبدأوا بإطلاق النار لتفريق المتظاهرين، على الرغم من وجود القوات الأمنية العراقية التي كانت ترافقهم في مسيرتهم داخل المدينة".
"الأحزاب المسيطرة على المشهد السياسي في العراق تقوم بصناعة الأحداث، مستغلةً ما يحدث لحرف الأمور نحو اتجاهات تثير فتنة وتقود إلى خلق نزاع بين المتظاهرين، وبعد مقتل قاسم سليماني، حصل انشقاق"
"مقتل سليماني أدى إلى انقسام بين المواطنين، بين مَن يؤيد مقتله، ومَن يرفضه. المؤيدون يرون في ذلك خطوة لإنهاء النفوذ الإيراني في العراق، والرافضون يرونه رمزاً شيعياً شارك في تحرير أراضٍ عراقية من داعش"
ويضيف: "بعد إطلاق النار، انسحبنا من ساحات الاعتصام حفاظاً على حياتنا وحياة مَن معنا، وقام المعزّون (وهم من مؤيدي الأحزاب الموالية لإيران) بحرق عدة خيم، كما قاموا بتكسير الكراسي وأشياء أخرى".
خوف من الفتنة
يعبّر أحمد الخطيب عن خشيته من أي حدث "غير متوقع" تقوم به الميليشيات، ويصبح "بذرة لزرع حدث جديد يؤدي إلى إثارة الفتنة".
يقول إن "الأحزاب حاولت بشتى الطرق إنهاء ثورتنا، ولكننا من خلال الوعي، حاولنا لملمة الأمور وإرجاعها إلى مسارها الصحيح، وإرجاع المتظاهرين إلى ساحات الاعتصام بعد أن شهدت مدينتنا (الناصرية)، اشتباكاً مع الميليشيات أثناء التشييع الرمزي لجثمان المهندس".
وعن هذه الحادثة، يروي أن "المعزّين كانوا ينوون الدخول إلى ساحة الحبوبي، فطلبنا منهم عدم دخولها، لكنهم لم يحترموا طلبنا، وردوا بإطلاق الرصاص علينا، ما أودى بحياة أحد المتظاهرين وجرح شخص آخر توفي في ما بعد".
ويضيف: "جرت سابقاً عمليات خطف واعتقال وإلقاء قنابل صوتية عند أبواب الناشطين، لكنها لم تخِفنا أبداً".
انشقاقات في صفوف المتظاهرين
"مقتل سليماني أدى إلى انقسام في الرأي في صفوف المواطنين، بين مَن يؤيد مقتله، ومَن يرفضه. المؤيدون يرون في ذلك خطوة لإنهاء النفوذ الإيراني في العراق، والرافضون يرونه رمزاً شيعياً شارك في تحرير بعض الأراضي العراقية من تنظيم داعش"، يشرح الخطيب.
يقدّر ابن الناصرية أن "مقتل سليماني ضعّف من أوج التظاهرات نسبياً"، ولكنه يلفت إلى أنه "بشكل عام قلّ زخم التظاهرات بسبب الأحزاب الحاكمة والميليشيات التي يزعجها وجودنا في الساحات، والتي كانت تبث شائعات عن أن العام الدراسي سيضيع على الطلبة، في خطة منهم لإرجاع هؤلاء إلى بيوتهم، إذ يدركون خطورة تواجد الطلبة في ساحات التظاهر".
لكن خيرية الصالح تعتبر أن لا أثر لمقتل سليماني على التظاهرات. تقول: "تظاهراتنا سلمية، ومستمرة. قد يبدو للإعلام أن عدد المتظاهرين قلّ، ولكن هذا يعود إلى برودة الطقس"، مضيفةً أن "ساحات التظاهر ستشهد في الأيام القادمة أعداداً مليونية للضغط على الحكومة من أجل التسريع بتحقيق مطالبنا".
"إيران تتدخّل أكثر من أمريكا"
يعتبر علي كريم أن "إيران تتدخل منذ عام 2003 في شؤون العراق، أكثر مما تتدخل أمريكا، فلديها لوبي سياسي داخل جسم الحكومة العراقية، ولها أجندتها وأحزابها الفاعلة في الساحة، ومقتل سليماني دفع بالبرلمان العراقي إلى التصويت على انسحاب القوات الأمريكية، وهي خطوة كشفت الغطاء الحقيقي عن وجوه الساسة وولاءهم الحقيقي لإيران".
وكان مجلس النواب العراقي قد عقد جلسة في الخامس من كانون الثاني/ يناير، وأصدر قراراً يطلب من الحكومة إنهاء أي تواجد للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية.
يعتبر كريم "أن الضربة الأمريكية أضرّت بشكل نسبي بالتظاهرات من خلال إبعاد أنظار المجتمع الدولي عنّا، بسبب مقتل سليماني الذي سرق اهتمام الإعلام الأجنبي بنا، وأخذ الحيّز الأكبر من تغطياته".
لا يخفي أحمد الخطيب خشيته "من أن يؤثر الصراع الأمريكي-الإيراني على تظاهراتنا، بشكل يوجّه ضربة قاسية للمتظاهرين الذين واظبوا على الحضور إلى ساحات الإحتجاج منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولكننا نعوّل على وعيهم، فهذا كل ما نملكه من أجل صد الفتن التي تعمل عليها الحكومة والأحزاب".
"نحن لا نقف مع إيران ولا مع أمريكا، يقول الخطيب ويتابع: "نريد أن نكون أصدقاء مع الجميع، بما يخدم مصلحة العراق وليس على حساب الشعب وأرواح الناس"، مطالباً بابتعاد إيران عن "رسم سياسات العراق الداخلية وتدخلها في اختيار رئيس للوزراء، والتحكم بمصير العراق".
قلق من العقوبات الاقتصادية
بعد قرار البرلمان العراقي المطالب بإنهاء التواجد الأجنبي في بلده، هدّد ترامب بغداد بعقوبات "لم يروا مثلها من قبل مطلقاً".
"في حال تم فرض عقوبات اقتصادية على العراق، سيؤدي ذلك إلى عجز كبير في الميزانية العامة، وهذا يضر بمصالح الشعب ويؤدي إلى هيجان شعبي ضد الحكومة، وهذا ما لا نريد أن نصل إليه"، يقول علي كريم، واصفاً تصويت البرلمان العراقي بـ"التصرف الغبي" لأنه، برأيه، "جاء بناء على رد فعل بعد مقتل سليماني، وليس بناء على قرار سياسي عراقي مستقل، ولا حتى نزولاً عند مطلب الجماهير".
أما الخطيب، فينتقد قرار البرلمان العراقي "في الوقت الذي تنتشر فيه الأحزاب الإيرانية في عموم العراق، ولم تكلف الحكومة نفسها عناء النظر إلى الشهداء الذي سقطوا نتيجة رصاصهم، وهذا يثير غضب الجماهير أكثر". فبرأيه، "إيران انتهكت السيادة العراقية عندما تدخل سليماني في شؤوننا السياسية" و"أمريكا انتهكت سيادة العراق من خلال قتلها سليماني داخل أراضينا".
"أهلاً وسهلاً بمَن يريد أن يكون صديقا لنا. بإمكان إيران أن تطورّ العلاقات التجارية والسياحية مع العراق وتتخلى عن تدخلها في شؤونه السياسة، نحن قادرون على تحديد مصيرنا من خلال استمرارنا في التظاهر، والعراق ليس مسرحاً لاستعراض القوة"، يضيف الخطيب.
أما خيرية الصالح فتقول: "نطلب من الولايات المتحدة أن تكون أكثر إدراكاً بأننا شعب يحب الحياة لا الموت والقتال والصراع. عليها أن تدعم العراق الذي احتلته ونهبت خيراته".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون