شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
“البسيس هي أكلة المسيح في طفولته“... احتفال أقباط مصر بعيد الميلاد المجيد

“البسيس هي أكلة المسيح في طفولته“... احتفال أقباط مصر بعيد الميلاد المجيد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 7 يناير 202012:08 م

جدل يدور، وخلاف يتجدد كل عام بين الطوائف المسيحية، بخصوص عيد الميلاد المجيد: هل هو في الخامس والعشرين من ديسمبر، كما تحتفل به الكنيسة الغربية الكاثوليكية، أم السابع من يناير هو الأدق، كما ترى الكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية؟

لكن في صعيد مصر، لا يعرفون سوى ما توارثوه عن الأجداد في "عيد الميلاد"، الذي يعتبر ثاني الأعياد "السيدية" الكبرى للكنيسة المصرية، بعد عيد القيامة المجيد، ورغم وجود عدد لا بأس به من الكاثوليك في الصعيد، إلا أن ذلك لا يؤثر في الطقوس الصعيدية ذات الخصوصية.

طعام المسيح في الطفولة

"بسيسة الميلاد" هي أشهر ما يختلف به الصعيد في احتفالهم بعيد الميلاد في مصر، وهي أكلة صعيدية يتم إعدادها من الدقيق والعسل الأسود المخفف بالماء، وهي الأكلة التي يحرصون على تناولها صباح يوم السادس من يناير، الذي يعتبر اليوم الأخير من صيام دام 43 يوماً بدون لحوم أو ألبان، حيث يفطر الصائمون منتصف ليل 6 يناير، وبعد انتهاء "قداس العيد".

تقول أم رجائي (65 عاماً)، ربة منزل من المنيا، لرصيف22: "مافيش عيد ميلاد من غير بسيس، دي عادة ورثناها من زمان، نصحى الفجر نفرك الدقيق بنِدعِة (نِدعة تعني القليل جداً باللهجة الصعيدية) الميه الأول لغاية ما يبقى مفتول أو مبسوس،  وبعدين نغلي نصف الحلة ميه، ونزود عليهم كوزين عسل أسود، ونقلب لغاية ما الدقيق يستوي".

تتفاخر أم رجائي أنها تعمل "البسيسة" بدقيق القمح، وليس بالأرز كما تفعل بعض السيدات، مؤكدة "أن البسيس لا يكون بسيساً إلا لو كان بالدقيق".

لا تعرف أم رجائي سوى قصة واحدة حكتها لها أمها في الماضي عن "البسيس"، ولماذا يأكله المسيحيون في عيد الميلاد، تقول: "ستنا العدرا مريم عملت للمسيح بسيس لما اتولد، واحنا بنعمل زي العدرا ما عملت".

لا تعرف أم رجائي سبب الخلاف بين الأرثوذوكس والكاثوليك في تاريخ عيد الميلاد، مشيرة إلى أن قريتها لا يوجد بها كاثوليك، لكنها تعرف أن الغربيين يحتفلون يوم 25 ديسمبر.

حسب موقع تراث الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية فإن الأقباط في مصر كانوا يحتفلون قديماً في الخامس والعشرين من ديسمبر من كل عام، حسب التقويم اليولياني، وقد تم تحديد اليوم بحيث يكون ميلاد المسيح في أطول ليلة وأقصر نهار فلكياً، وبعدها يبدأ النهار في الزيادة والليل في النقصان، لكن في عام 1582م، في زمن "البابا غريغوري" بابا روما، لاحظ العلماء أن يوم 25 ديسمبر "عيد الميلاد" ليس في موضعه، أي أنه لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا الفارق عشرة أيام، أي أنه يجب تقديم 25 ديسمبر بمقدار عشرة أيام حتى يقع في أطول ليل وأقصر نهار، وعرف العلماء أن سبب ذلك هو الخطأ في حساب طول السنة (السنة تساوي دورة كاملة للأرض حول الشمس)، إذ كانت السنة في التقويم اليوليانى تحسب على أنها 365 يوماً و6 ساعات.

لا تعرف أم رجائي سوى قصة واحدة حكتها لها أمها في الماضي عن "البسيس"، ولماذا يأكله المسيحيون في عيد الميلاد، تقول: "ستنا العدرا مريم عملت للمسيح بسيس لما اتولد، واحنا بنعمل زي العدرا ما عملت"
 "الاحتفال بالأعياد المسيحية في مصر يختلف عن أي مكان بالعالم، خصوصاً أن عيد الميلاد وعيد الغطاس تتوازى مع الأعياد المصرية القديمة، كبداية السنة المصرية وعيد الفيضان"

ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يوماً و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أي أقل من طول السنة السابق حسابها بفارق 11 دقيقة و14 ثانية، ومجموع هذا الفرق منذ "مجمع نيقية" عام 325م حتى عام 1582، كان حوالى عشرة أيام، فأمر "البابا غريغوري" بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادي اليولياني حتى يقع 25 ديسمبر في موقعه، كما كان أيام مجمع نيقية، وسمى هذا التعديل بالتقويم الغريغوري، وتم العمل بهذا التعديل في التاريخ في كافة أنحاء أوروبا، ولم يجر العمل به في مصر إلا زمن الاستعمار الإنجليزي، ومن ثم عادت الكنيسة المصرية لاستخدام التقويم القبطي الذى يعتبر 29 كيهك هو عيد الميلاد، ولم تعمل بالتقويم الغريغوري.

واعتبرت الكنيسة في مصر ذلك "حفاظ على الهوية المصرية"، بحسب القمص أنجيلوس جرجس في خطاب تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، وأنّ الخلاف هذا العام تجدد دفاعاً عن "الهوية" وليس التقويم.

إنارة وزينة وشجرة كريسماس

يحرص أيضاً الأقباط في الصعيد، على تزيين المنازل وإنارة الشموع، ووضع شجرة الكريسماس، وعمل نماذج مختلفة للمغارة التي ولد فيها المسيح أو "المزود" في المنازل والكنائس، كما يفعل كل المسيحيين حول العالم، ويسهرون أيضاً أمام "المنقد"، وهو المدفأة الصعيدية المصنوعة من الطين، لإشعال الحطب أو "قوالح الذرة" لبث الدفء في ليالي "كيهك" الباردة جداً، يتسامرون ويأكلون "اليوسفي"، والفول السوداني، و "المشبك" وهو نوع من الحلوى.

لكن جرجس بولس الشاب الصعيدي (24 عاماً) يحرص على شيء آخر، وهو عمل "مزود الميلاد" بالبوص أو عيدان الذرة الناشفة الصفراء، وصنع نماذج مصغرة من تماثيل الطفل يسوع وأمه مريم ويوسف النجار وغيرها من النماذج، بالطين، ويرى أن ذلك يجعل "المزود" أقرب للمكان الذي ولد فيه المسيح، ولا يشجع جرجس النماذج الفخمة المصنوعة من البلاستيك التي تباع في الأسواق، وأغلبها يتم استيراده من الصين، يقول جرجس لرصيف22: "الهوية أيضاً لا تتجزأ، فلو كان المسيح قد ولد في فلسطين، إلا أن المسيحية المصرية هي التي وضعت أسس المسيحية في العالم كله".

ويضيف جرجس أن الاحتفال بالأعياد في مصر يختلف عن أي مكان بالعالم، خصوصاً أن عيد الميلاد وعيد الغطاس تتوازى مع الأعياد المصرية القديمة، كبداية السنة المصرية وعيد الفيضان.

ويحتفل الأقباط في مصر حسب التقويم القبطي ليلة 29 كيهك بعيد الميلاد المجيد، كل ثلاث سنوات، وذلك في السنوات البسيطة، أي التي تقبل القسمة على 4 ويكون الباقي 3. ثم في السنة الرابعة التي تقبل القسمة على 4 بدون باقي، فالعيد يكون ليلة 28 كيهك لتكون فترة الحمل الفعلية بالسيد المسيح ثابتة وهي تسعة أشهر كاملة، من عيد البشارة 29 برمهات حتى موعد عيد الميلاد، وهي "275 يوماً" حسب التقويم القبطي، ويوافق هذا التاريخ ما يوافق من هذين التقويمين، لأن من شأن هذا الاختلاف أن يحدث يوماً كاملاً كل 128 سنة، ما يجعله يُرحَّل اليوم المقابل له في التقويم الغربي يوماً كاملاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image