شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بعد 52 عاماً... حريات ثلاث ممنوعة على فلسطينيين ومستغلة ضدهم بـ

بعد 52 عاماً... حريات ثلاث ممنوعة على فلسطينيين ومستغلة ضدهم بـ"أوامر عسكرية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 17 ديسمبر 201912:07 م

قبل حوالي أربع سنوات، شارك فريد الأطرش (41 عاماً) في احتجاج في مدينة الخليل. يعمل فريد رئيساً لشعبة جنوب الضفة الغربية في "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" المكلفة مراقبة امتثال السلطة الفلسطينية لهذه الحقوق، وكان هدف الاحتجاج مطالبة الجانب الإسرائيلي بإعادة فتح "شارع الشهداء" الذي يُعدّ شرياناً حيوياً مُنع الفلسطينيون من استخدامه على مدى 19 عاماً، بغرض حماية 700 مستوطن إسرائيلي يقيمون بجواره.

تُقيّد إسرائيل حركة الفلسطينيين في الخليل من خلال نحو 100 حاجز مادي، 21 منها حواجز تفتيش بحراسة دائمة كانت قد حوّلت "شارع الشهداء" الرئيسي إلى شارع عام مهجور.

شارك في التظاهرة آنذاك حوالي 100 متظاهر منهم فريد الذي أقدم خمسة أو ستة جنود إسرائيليين على اعتقاله معصّب العينين ونقله إلى مركز احتجاز في مستوطنة كريات أربع المجاورة.

هناك جرى استجوابه بشأن مشاركته في الاحتجاج لتتهمه لاحقاً النيابة العسكرية، ومعه الناشط الفلسطيني عيسى عمرو، بخمس تهم. منها "التظاهر دون ترخيص"، و"دخول منطقة عسكرية مغلقة"، و"التحريض"، و"الاعتداء على جندي"، و"عرقلة جندي".

بعد عامين، أفرجت محكمة عوفر العسكرية عن فريد وعن عيسى بكفالة، إلا أن محاكمتهما لا تزال مستمرة إلى اليوم.

هذه القصة نقلتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" في سياق تقرير مطوّل حمل عنوان: "بلا حقوق منذ الولادة: استخدام الأوامر العسكرية الإسرائيلية الجائرة في قمع فلسطينيي الضفة الغربية".

ودرس التقرير كيف تعتمد إسرائيل بشكل غير مبرر على هذه الأوامر الشاملة لاعتقال الفلسطينيين بسبب خطابهم أو نشاطهم أو انتماءاتهم السياسية المناهضة للاحتلال وحظر المنظمات السياسية وغيرها من المنظمات غير الحكومية وإغلاق وسائل الإعلام.

"مسؤوليات بموجب قانون الاحتلال"... ماذا يعني ذلك؟

"حرم الجيش الإسرائيلي أجيالاً من فلسطينيي الضفة الغربية من حقوقهم المدنية الأساسية، بما في ذلك الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، بالاعتماد بشكل منتظم على أوامر عسكرية صادرة منذ أيام الاحتلال الأولى"، وفق التقرير.

في المقابل، وإن كانت هذه القيود مبررة في الأيام الأولى باعتبارها "حفظاً للنظام العام" و"السلامة العامة" فهي تنتفي مع استمرار الاحتلال في تعليق الحقوق الأساسية بعد أكثر من نصف قرن، من دون أي تغيير في الأفق، على حد ما ورد في التقرير. 

في السياق نفسه، قالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة سارة ليا ويتسن: "جهود إسرائيل لتبرير حرمان الفلسطينيين من الحماية الأساسية للحقوق المدنية لأكثر من نصف قرن بناء على مقتضيات احتلالها العسكري المطوّل لم تعد تنطلي على أحد".

ويفسّر التقرير هذا الواقع بأنه "انتهاك لمسؤوليات إسرائيل الأساسية بموجب قانون الاحتلال".

"مسؤوليات" و"بموجب قانون الاحتلال"… يبدو جمع هذين النقطتين في عبارة واحدة مستغرباً بعض الشيء في السياق الحالي، ولكن على مدى أكثر من ثمانين صفحة، يجيب تقرير "هيومن رايتس ووتش" عن عامل قانوني جوهري يتعلق بمسؤوليات الاحتلال إزاء الحقوق المدنية والتي- وفق القوانين الدولية- يجب أن تزداد طرداً كلما طالت مدته.

"قدر الإمكان"… خلفية تاريخية وقانونية

عندما احتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية عام 1967، أصدر إعلاناً نصّ فيه على أن قائده في الضفة الغربية له "جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية" على الأراضي المحتلة، وأن "القوانين التي كانت سارية إلى تاريخ 7 يونيو/حزيران 1967 تبقى سارية ما لم تتعارض مع الأوامر العسكرية اللاحقة". وعلى مدى الـ52 عاماً اللاحقة، أصدر الجيش مئات الأوامر العسكرية الأخرى الخاصة بالضفة الغربية.

يشير التقرير إلى أن إسرائيل بصفتها قوة احتلال تقع على عاتقها التزامات قانونية تجاه السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بموجب قانون الاحتلال الموجود أساساً في "اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949"، و"اتفاقيات لاهاي لعام 1907"، والقانون الإنساني الدولي العرفي.

وتحدد المادة 43 من اتفاقيات لاهاي لسنة 1907 أنه إذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية إلى يد قوة الاحتلال، يتعين على هذه الأخيرة أن تتخذ جميع التدابير الممكنة لإعادة النظام العام والأمن قدر الإمكان.

"حرم الجيش الإسرائيلي أجيالاً من فلسطينيي الضفة الغربية من حقوقهم المدنية الأساسية، بما في ذلك الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، بالاعتماد بشكل منتظم على أوامر عسكرية صادرة منذ أيام الاحتلال الأولى"
 10 سنوات سجن بتهمة التأثير في الرأي العام أو تجمع غير مرخص أو نشر مادة لها تأثير سياسي، هي ما يواجهه 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية بموجب "أوامر عسكرية" فضفاضة تعود للأيام الأولى للاحتلال، على عكس 400 ألف مستوطن 

فسّر الباحثون والمحاكم على السواء "النظام العام والأمن" بأنه يتجاوز مجرد ضمان الأمن ليشمل تسهيل حياة المدنيين، بما في ذلك التعليم، والاقتصاد، والرعاية الصحية وغير ذلك من مناحي الحياة اليومية.

من خلال دعوتها قوة الاحتلال إلى "تحقيق الأمن والنظام العام" قدر الإمكان، تفرض المادة 43 على المحتل استخدام جميع الوسائل العملية المتاحة لتقليص أثر أعماله على السكان المحليين. والنتيجة الطبيعية المنطقية لهذه المادة هي أن الوسائل المتاحة للمحتل تزيد مع فترة الاحتلال.

الحرمان من الحقوق المدنية

حرية التجمع

"على مدى أكثر من ثلثي الفترة منذ إنشاء دولة إسرائيل، حرمت السلطات الإسرائيلية قرابة 2.5 مليون فلسطيني خاضعين لحكمها في الضفة الغريبة من حقوقهم الأساسية –الحقوق نفسها التي يتمتع بها أكثر من 400 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في مستوطنات غير شرعية على الأراضي نفسها"، وفق تقرير المنظمة الذي رصد عدداً من الحالات التي تجسد واقع قمع الحريات الثلاث: حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير.

وكما لوحق فريد بتهمة الاحتجاج، تمت ملاحقة عبد الله أبو رحمة (48 عاماً) عام 2017 بعد عدة أسابيع من مشاركته في احتجاج في القرية ضد الانتهاكات الإسرائيلية في بلعين وخان الأحمر بصفته منسقاً لـ"اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان".

اتهمته النيابة العسكرية بدخول "منطقة عسكرية مغلقة" و"إعاقة جندي" بموجب الأمر العسكري الرقم 1651، كما وجهت النيابة العامة العسكرية في القضيتين اتهامات جنائية- فضفاضة للغاية- تتعلق بـ"تخريب منشأة تابعة لجيش الدفاع الاسرائيلي" ودخول "منطقة عسكرية مغلقة" و"إعاقة جندي".

"على ما يبدو كان ذلك لتبرير اعتقاله بسبب نشاطه ضد السياسات الإسرائيلية التقييدية"، حسب تقرير المنظمة.

ويحظر الأمر العسكري الرقم 101 أي تجمهر لأكثر من عشرة أشخاص في مكان ما "يُلقى به خطاب في موضوع سياسي أو يمكن تفسيره كسياسي…".

وفي كثير من الأحيان، يعلن الجيش الإسرائيلي فجأة مكان الاحتجاج "منطقة عسكرية مغلقة" ويُلاحق الفلسطينيين الذين لم يُغادروا فوراً بموجب الأمر العسكري الرقم 1651.

حرية تكوين الجمعيات

كما في حالة منع الاحتجاج، كذلك في حالة استخدام حجة تكوين الجمعيات أو الانتساب إليها، تلجأ إسرائيل إلى انتهاك الحقوق المدنية للفلسطينيين بموجب أوامر عسكرية وتعريفات فضفاصة.

في هذا السياق، يأتي اعتقال الفنان والناشط حافظ عمر (36 عاماً) الذي لا يزال مستمراً.

وجّه الاحتلال لعمر عدة تهم بموجب الأمر العسكري الرقم 1651، منها "العضوية والنشاط في جمعية غير مشروعة"، بسبب مزاعم انتمائه إلى مجموعة يسميها الجيش "الحراك الشبابي" التي يُزعم أنها تنشط تحت "رعاية حزب الله" اللبناني. وتتألف لائحة الاتهام، بحسب "هيومن رايتس ووتش"، من أنشطة سلمية، مثل الاجتماع مع ناشطين آخرين والمشاركة في احتجاجات، العديد منها ضد السلطة الفلسطينية.

حظر الجيش كذلك مجموعة واسعة من جماعات المجتمع المدني الأخرى. وعام 2015، اعتقلت القوات الإسرائيلية خمسة فلسطينيين على خلفية عملهم مع منظمة "قطر الخيرية"، وحُكم على المديرة الإدارية للمنظمة نجوان عودة بالسجن 18 شهراً بسبب انتمائها إلى "جمعية غير مشروعة".

ولا يحدد القانون العسكري إجراءات رسمية للاعتراض على اعتبار أي منظمة غير مشروعة أو على قرارات غلق الشركات…

وبحسب التقرير تعتمد السلطات الإسرائيلية أيضاً على أحكام فضفاضة من القانون العسكري لحظر الجمعيات باعتبارها "منظمات معادية".

حرية التعبير

في بداية عام 2018، ادعت النيابة العسكرية في لائحة اتهام موجهة إلى الناشطة ناريمان التميمي أنها "حاولت التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بشكل يمس سلامة الجمهور أو النظام العام"، و”دعت إلى العنف"، وذلك على خلفية نقل مباشر بثته على صفحتها على فيسبوك لمواجهة بين ابنتها عهد التميمي (16 عاماً آنذاك) وجنود إسرائيليين في باحة منزلها.

تضمنت اللائحة سلسلة من التهم بموجب الأمر العسكري الرقم 1651 بالاعتماد بشكل أساسي على البث المباشر، فيما "راجعت هيومن رايتس ووتش الفيديو وملف القضية، ولم تجد في كل منهما أي دعوة من ناريمان إلى العنف".

وتراقب إسرائيل عن كثب التعبير على حسابات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، مستخدمة خوارزميات استباقية لتحديد المُستهدَف.

وبحسب التقرير، شلّت القيود بشكل خاص الصحافيين الفلسطينيين الذين يتهمهم الجيش الإسرائيلي بالتحريض أو الانتماء إلى "حماس" بشكل منتظم. وعام 2018، اعتقل الجيش الإسرائيلي أربعة صحافيين في "قناة القدس"، كما وافقت المحاكم العسكرية على احتجاز الصحافي علاء الريماوي وركزت في التحقيق معه على استخدامه مصطلح "الشهداء"، كما ذكر في حديثه للمنظمة.

كذلك تتسبب الاعتقالات في ردع الآخرين عن التعبير، وهو ما قالته صحافية من رام الله، طلبت عدم الكشف عن اسمها، للمنظمة عن أن ليس لديها "أدنى فكرة" عما يعتبر تحريضاً من عدمه، وهذا ما جعلها "خائفة وحذرة جداً مما تكتبه".

في النهاية، دعت المنظمة لإلغاء الأمرين العسكريين الرقم 101 والرقم 1651 والكف عن اتهام المدعى عليهم بموجب نظام الدفاع لعام 1945.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image