بيدي والدها، دفنت حيّة في حفرة بعمق متر ونصف المتر بإحدى الغرف الملحقة بمنزلها، وعندما افتضح أمر الجريمة، صار الكثيرون يبررون "مشكلة عائلية ما خصنا فيها".
لكن، لماذا لا تصبح "البيوت أسرار" من العيب تناولها إلا عندما يتعلق الأمر بجريمة قتل إحدى النساء؟
على مدار الساعات القليلة الماضية، نشط بعض المدافعون عن حقوق الإنسان وحقوق النساء في فلسطين منددين بجريمة قتل الشابة إيمان النمنم (31 عاماً) من قبل والدها وسط تواطؤ واضح وتعتيم مقصود من أسرتها الصغيرة وعائلتها الأوسع بالزعم أنها رافقت والدتها إلى الأردن في رحلة علاجية.
بدأت القصة في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، حين اختفت إيمان ابنة مدينة بيت لاهيا (شمال غزة) بشكل مفاجئ ليزعم الأب وبقية الأسرة أنها رافقت والدتها المريضة في رحلة علاجية إلى الأردن.
لم تصدق شقيقتها الصغرى (13 عاماً) القصة لاسيما عندما طال غياب شقيقتها لأكثر من شهر، فأخبرت المرشدة النفسية في مدرستها بمعاناتها بسبب عدم تصديقها هذه القصة. المرشدة بدورها أبلغت شبكة حماية الطفولة بالقطاع، التي رفعت الأمر للشرطة. بعد التحريات، وسؤال سلطات المعابر الحدودية، تأكدت الشرطة من كذب رواية العائلة وخلصت إلى أن الفتاة لم تغادر القطاع، ولم يسجل دخولها إلى أي مصحة علاجية داخله أيضاً.
وبالضغط على الأب (52 عاماً) خلال التحقيقات، اعترف بدفن ابنته حية في تمام الساعة الثالثة والنصف فجر يوم تغيبها. ولم يتضح حتى اللحظة الدافع وراء ذلك، ما دفع السلطات الأمنية في غزة باستخراج الجثة وتحويلها إلى الطب الشرعي لمعرفة سبب الوفاة.
ماذا لو لم تتشكك شقيقتها؟
كادت جريمة قتل إيمان أن تدفن معها وتنسى هي ويفلت الجاني من العقاب لولا شك شقيقتها في رواية الأهل وإبلاغها المرشدة النفسية. كان ممكناً أيضاً أن ينتهي الأمر عند المرشدة لو اكتفت بتهدئة الفتاة وطمئنتها.
لكن تحرك الفتاة ومن بعدها المرشدة النفسية ساهم في فضح الجريمة الشنعاء بحق إيمان وبدء التحقيقات فيها.
دفع هذا العديد من الفتيات الفلسطينيات والمدافعات عن حقوق المرأة الفلسطينية للتعبير عن شعورهن بـ"القهر والغضب والعجز"، داعين إلى سرعة الإبلاغ عن أي حالة اختفاء لفتاة أو سيدة.
وروى البعض منهن عن قصص اختفاء متكررة لفتيات وسط مزاعم قيامهن بالانتحار مثلاً، بينما يكن قد تعرضن للقتل في الحقيقة.
ويتوقع أن يلعب تسليط مواقع التواصل الاجتماعي الضوء على القضية أيضاً دوراً في الضغط من أجل محاكمة عادلة وعقوبة مشددة للجاني، كما حدث في حالة إسراء غريب.
دفنها والدها "حيّة" في حفرة بإحدى الغرف الملحقة بالمنزل، وتواطأت معه العائلة بالتعتيم على الجريمة… إيمان النمنم الضحية رقم 20 لجرائم قتل النساء في فلسطين هذا العام
ضحية جديدة للعنف الأُسري في فلسطين يراها البعض "مشاكل عائلية ما خصنا فيها"... لكن: لماذا لا تُستدعى "حرمات البيوت" و"تقدس الخصوصيات" إلا عندما تكون الضحية أنثى؟
وتوفت إسراء (20 عاما) في 10 آب/أغسطس الماضي، وزعمت العائلة أنها "سقطت من شرفة".
لكن صديقة لإسراء أصرت على أنها قتلت على أيدي أفراد عائلتها، وبعد ضغط هائل ومطالبة بحقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت النيابة العامة الفلسطينية، في 12 أيلول/سبتمبر، أنها "لم تسقط عن شرفة المنزل وإنما قتلت في جريمة شنعاء"، موجهةً تهمة القتل لثلاثة من أفراد أسرتها.
تبرير القتل: "ما خصنا؟"
أمر آخر أثار الناشطين الحقوقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي في قصة إيمان؛ تعليق البعض على الجريمة بالقول: "إحنا شو خصنا بهيك موضوع، الله يستر عالناس. يمكن في سبب خاص فيهم".
أعرب العديد من الناشطين عن صدمتهم الشديدة من "تبرير وتهوين إزهاق الأرواح مهما كانت الأسباب".
وتساءل الناشطون: "لماذا لا تستدعى ‘حرمات البيوت‘ و‘تقدس الخصوصية‘ إلا عندما تكون الضحية أنثى؟!".
وشدد هؤلاء على أن "جرائم قتل النساء ‘مش مشاكل عائلية ملناش دخل فيها‘" مطالبين بتغليظ العقوبات في مثل هذه الحالات التي يستغل الجاني فيها أن ضحيته تطمئن إليه وربما في كثير من الأحيان لن تقاومه.
وسبق أن ندد تحالف "أمل لمناهضة العنف ضد المرأة" ومنتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة، بجريمة وأد إيمان مطالبين بمحاسبة المتورطين في الجريمة وعدم السماح للجاني الإفلات من العقاب تحت أي ذريعة.
كما ناشدت الجهتان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالإسراع في إقرار قانون "حماية الأسرة من العنف" يتوائم مع معايير حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية النساء، وبما يضمن تجريم العنف ومحاسبة المعتدي بعقوبة رادعة.
مركز شؤون المرأة في غزة أيضاً دعا إلى عدم المماطلة في محاسبة المجرم أو تخفيف العقوبة بحقه، بل وتطبيق العقوبات المشددة لتكون رادعاً له ولمن تسول له نفسه الإقدام على نفس الجرم.
وبحسب تحالف أمل ومنتدى المنظمات الفلسطينية فإن إيمان تعد الضحية الفلسطينية رقم 20 التي يتم قتلها خلال هذا العام، 16 منهن في الضفة الغربية و4 في غزة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...