في وقت عبّر الكثيرون عن غضبهم لمقتل الفلسطينية إسراء غريب، التي أثارت قضيتها جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعادت تسليط الضوء على "جرائم الشرف" في البلدان العربية، اختار البعض تبرير ما حدث لإسراء، من خلال تغريدات كان بطلها رابطٌ خبر من موقع إذاعة مونت كارلو الدولية نشر قبل عام يتحدث عن أن هناك "امرأة فرنسية تموت كل ثلاثة أيام نتيجة العنف الأسري".
متلازمة “وماذا عن الباقين؟” تلك العبارة التي يكتبها أو يقولها البعض في كل مرة جدت فيها كارثة في قُطر عربي ما، تكاد تكون سِمة تيار بعينه يظهر مع كل مصيبة اجتماعية أو سياسية، وكأنها منافسة بين العرب وبقية الشعوب لا على المراتب الأفضل في مجالات العلوم والحقوق والابتكارات بل على من يقتل أكثر وكيف يقتل.
وجد البعض في خبر مونت كارلو الذي يعود تاريخه إلى 23 أيلول/سبتمبر من العام 2018، فرصة للتشويش على قضية غريب، وجعل المتعاطفين معها يتوقفون عن تعاطفهم بحجة أن الغرب أيضاً تحصل فيه حوادث عنف ضد المرأة وبالتالي لا داعي لأن يفضح المجتمع العربي "المثالي" أو أن “تشوه صورته أمام العالم".
يظهر هذا النوع من التغريدات كيف أن البعض يستميت في تبرير جرائم العنف ضد النساء، وكأن من حق العائلات العربية تربية أفرادها من النساء بالطريقة التي تحلو لها، حتى لو وصل الأمر للقتل، وكأن هؤلاء النساء ملكية خاصة لهذه العائلات.
ليش هيك تضرب؟
إسراء غريب فتاة فلسطينية عمرها 21 عاماً، من سكان مدينة بيت ساحور في محافظة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، توفيت بتاريخ 22 آب/ أغسطس الماضي (التاريخ المعلن عنه) في ظروف غامضة، ويتحدث الكثيرون عن احتمال مقتلها بسبب تعرّضها لعنف أسري لا سيما بعد نشر تسجيلات صوتية تشير بوضوح إلى صراخها وهي تخاطب أحدهم “اتركوني… يا شرطة… ليش هيك تضرب… شو الي خلاك تضرب... بدي أطلع وألبس شو ما بدي…” ثم صراخ يصم الآذان (صراخها) لكن أسرتها تنفي حتى اللحظة هذه الرواية.
بعد وفاتها أعلن المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في بيان أن الشرطة والنيابة العامة باشرتا التحقيق في ظروف الوفاة، وكانت الفتاة قد وصلت إلى مستشفى بيت جالا الحكومي متوفاة، مضيفاً أن النيابة العامة قررت التحفظ على الجثمان وإحالته إلى معهد الطب العدلي لتشريحه وتحديد سبب الوفاة.
وبحسب ما انتشر على وسائل التواصل، فإن شاباً تقدم لأسرة إسراء لخطبتها، ثم خرجت برفقته وشقيقتها بعلم والدتها للتعرف عليه في أحد مطاعم المدينة، والتقطت إسراء فيديو قصيراً لذلك اللقاء وكانت سعيدة، ثم نشرته عبر إنستغرام، إلا أن ابنة عمها التي شاهدت المقطع قامت بإبلاغ والدها وإخوتها (رغم علمهم بأن خطيباً تقدم لابنتهم) وحرضت على الفتاة، بحجة خروجها مع شاب قبل عقد القران.
متلازمة “وماذا عن الباقين؟” هي عبارة يقولها البعض في كل مرة جدت فيها كارثة في قُطر عربي ما، تكاد تكون سِمة تيار بعينه يظهر مع كل مصيبة... وكأنها منافسة بين العرب وبقية الشعوب، لا على المراتب الأفضل في مجالات العلوم والحقوق بل على من يقتل أكثر وكيف يقتل
تضيف روايات بعض المستخدمين على وسائل التواصل أن زوج شقيقتها وأشقاءها ضربوا إسراء بعنف شديد، وهذا ما سبب لها كدمات عديدة وإصابات في عمودها الفقري، مما استدعى نقلها للمستشفى.
ومنذ وفاتها انتشرت حملات تضامن مع قضية إسراء في وسائل التواصل الاجتماعي منددة بالعنف ضد المرأة وبما يعرف بـ “جرائم الشرف”. وتصدر وسم "كلنا إسراء غريب” تويتر بآلاف المشاركات لمستخدمين عاديين ونجوم، اتفق أغلبهم على أن ما حدث للفتاة جريمة حقيقية يجب أن لا تمر مرور الكرام.
لكن يبدو أن حالة التضامن الواسعة مع قضية إسراء، لم تعجب البعض من أنصار الحفاظ على "سمعة العالم العربي" من أي شائبة تشوه صورته أمام العالم، وهؤلاء لم يجدوا تبريراً مقنعاً سوى رابط خبر مونت كارلو الذي يتحدث عن أن "الأرقام الرسمية في فرنسا تشير إلى وفاة 123 امرأة عام 2017 وحده نتيجة العنف الممارس ضدّهن من قبل أزواجهنّ".
اللافت أن بعض من غردوا بهذا الرابط هم من النساء، على سبيل المثال بررت مستخدمة لجوءها للرابط بأنها ضد الكيل بمكيالين، إذ يضايقها أن النساء الفرنسيات يتعرضن للعنف والقتل، ولا يكتب عن ذلك النشطاء العرب المتضامنون مع إسراء أي شيء، لكن حين يحدث الأمر نفسه في الشرق الأوسط، "لازم نحكي"، على حد قولها.
ولم يحتَج بعض المستخدمين لرابط مونت كارلو الدولية لتبرير مقتل إسراء، فقد كتب بعض المستخدمين أنهم لا يرون في الأمر جريمة لأنه "دفاع عن الشرف" وكانت المطربة اليمنية بلقيس قد تعرضت لهجوم شديد بعد أن كتبت تغريدة اعتبرها الكثيرون تبريراً لمقتل إسراء، قالت فيها: "أنت يا عزيزي الرجل الشرقي لما تكتشف إن أختك خرجت سراً مع رجل غريب وتؤدبها بالبيت وتفهمها أنه خطأ وليس من عاداتنا وتستر عليها أفضل من أنك تقتلها وتفضحها والدنيا كلها تتفرج وتعرف الموضوع وتخلد اسمها بقصة تمت للشرف والعادات وإن كانت القصة تحتمل أوجهاً كثيرة الله أعلم بها”. لكن فيما بعد وبسبب الهجوم الشديد عليها اضطرت بلقيس لحذف التغريدة لكن أثرها سيبقى لبعض الوقت في تاريخ المطربة لا سيما وأنها امرأة بررت العنف ضد المرأة وسلّمت لذكور الأسرة حق “تأديب” الفتاة لكن “بالستر”.
في خدمة جرائم الشرف
وعلى عكس الدول الغربية التي غالباً ما يمكن العثور فيها على أرقام تخص قضايا قتل النساء جراء العنف الأسري، تكون المهمة أصعب في الدول العربية، لأن منظمات المجتمع المدني لا تعمل بحرية في أغلب هذه الدول ولا تصل في كثير من الأحيان إلى إحصائيات بهذه الجرائم، كما لا تصدر الدول العربية نفسها أرقاماً وإحصاءات تخص هذه القضايا.
كيف يستميت البعض في تبرير العنف ضد النساء، وكأن من حق العائلات العربية تربية النساء على الانكسار والخنوع وتقبل العنف حتى لو وصل الأمر للقتل، وكأن النساء ملكية خاصة؟ لماذا محاولة التستر على قتل إسراء غريب ومقارنتها بموت فرنسيات تحت التعذيب الأسري هي مقارنة عقيمة؟
هل تعلمون أن نحو 90% من جرائم الشرف في الشرق الأوسط تنفذ من قبل العائلات بناء على شكوك واتهامات غير موثوقة للنساء، ولم يتم التثبت من صحّتها؟ هذا ما يقوله لنا أستاذ في علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
أما القوانين العربية، فلا يزال بعضها في خدمة "جرائم الشرف"، فعلى سبيل المثال ووفقاً لقانون العقوبات المصري يتم تخفيف عقوبة الزوج الذي يقتل زوجته حال تلبسها بالزنا لفترة تراوح بين 24 ساعة وثلاث سنوات، بينما لا يتم تخفيف الحكم على الزوجة إن هي قتلت زوجها للسبب نفسه.
ولا يختلف الأمر كثيراً في الكويت، حيث يطالب الكثيرون منذ سنوات بإلغاء المادة 153 من "قانون الجزاء" وهي تنص على معاقبة من يقتل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته "حال تلبسها بمواقعة رجل لها" بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تتجاوز ما يعادل 45 دولاراً.
لكن ليست القوانين وحدها هي ما تشجع بعض الذكور على القيام بجرائم شرف، فعلى سبيل المثال، في فلسطين، حيث قُتلت إسراء، بدأت السلطة الفلسطينية منذ العام 2014 تعديل القوانين الخاصة بجرائم القتل المرتكبة ضد النساء، بما يتوافق وما جاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، فتم إلغاء العذر المخفف عن الاعتداءات ضد النساء، لدواعي الشرف، وهذا ما يعني سحب صلاحية القضاء في البحث في أسباب تخفيفية كلما كانت الضحية أنثى، بحجة ارتكاب الجريمة بدوافع ما يسمى بالشرف، وبرغم ذلك لم تتراجع جرائم الشرف في المجتمع.
ربع جرائم الشرف في العالم تحدث في الشرق الأوسط
بحسب سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن محاولة البعض تبرير مقتل إسراء غريب من خلال اللجوء لروابط تتحدث عن أن هناك حوادث مشابهة في الغرب سببها هو الثقافة الذكورية المسيطرة على الكثيرين في المجتمع، والتي ترى أن النساء ملك للذكور وبالتالي من حق الذكر أن يفعل أي شيء بالمرأة حتى لو وصل الأمر لقتلها، ما دام هدفه هو تربيتها ومنعها من القيام بأي أمر خطأ من وجهة نظره.
ويكمل صادق لرصيف22 أن ما تقوم به بعض النساء من تبرير للحادث بدلاً من التضامن مع إسراء يعود إلى إيمانهن الأعمى بما زرع فيهن طوال سنوات عديدة من أن المرأة ملك خالص للأسرة بشكل عام ولذكور الأسرة بشكل خاص.
ويقول صادق إنه توصل بعد مزيد من البحث لإحصاء يظهر أن هناك نحو 20 ألف حالة قتل ترتكب في العالم تحت مسمى جرائم الشرف، مؤكداً أن حوالى ربع هذا العدد يتم في بلدان الشرق الأوسط. لكن يكمل أستاذ علم الاجتماع أن الأرقام الحقيقية هي أكثر من ذلك، بسبب أن ما يتم الإعلان عنه أقل مما يحدث فعلاً، لأن الكثير من حالات جرائم الشرف تتم في السر وغالباً لا تصل لوسائل الإعلام باعتبارها جرائم شرف.
الكارثة، بحسب صادق ووفقاً لبحث أجراه، أن نحو 90% من جرائم الشرف في الشرق الأوسط تنفذ من قبل العائلات بناء على شكوك واتهامات غير موثوقة للنساء، ولم يتم التثبت من صحّتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...