مدينة أشعل الوضع المعيشي المتردي فيها ثورة أطاحت النظام في تونس عام 2011، وانتشر صداها بحثاً عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية عبر أرجاء العالم العربي، لينطلق ما سُمي فيما بعد انتفاضة "الربيع العربي".
غير أن أحوال مدينة سيدي بوزيد التونسية لم تتغير رغم التحوّل الديمقراطي في البلاد، وتغيُّر الرؤساء والحكومات مرات عديدة، وهذا ما يعكس عُمقَ معاناة السكان فيها.
شهدت المدينة ليلة 5 كانون الأول/ ديسمبر، بحسب وسائل إعلام تونسية، مواجهات بين قوات الأمن وعدد من الشباب استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل.
وقال تلفزيون نسمة التونسي: "المدينة شهدت عمليات كر وفر بين عدد من الشباب وقوات الأمن في كل من حي أولاد شلبي، والفرايجية، والطريق الرئيسي وحي النور"، قام خلالها المحتجون بـ"حرق العجلات المطاطية، ورشق الأمن بالحجارة".
وذكر المصدر أن الأمن "اضطر إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريقهم"، كما تمّ غلق المحالّ والمقاهي تحسّباً لأي تصعيد.
في هذا الصدد، قال عضو التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية، عبدالحليم حمدي، لرصيف22، إن الذين تظاهروا مساء 4 كانون الأول/ديسمبر هم "شباب ينتمون إلى الأحياء الفقيرة، وخرجوا من أجل التنديد بتردي الوضع التنموي، والاجتماعي، والاقتصادي في المدينة".
وأضاف أن المواجهات جاءت أيضاً "تنديداً بقمع المتظاهرين في بلدة جِلمة قبل أيام".
واندلعت احتجاجات غاضبة في جِلمة، نهاية الأسبوع الماضي، إثر انتحار عبدالوهاب الحبلاني (25 سنة)، الذي أحرق نفسه احتجاجاً على عدم سداد راتبه، وندّد المتظاهرون خلالها بالفقر والتهميش اللذَين تعانيهما ضواحي سيدي بوزيد.
وعاشت المدينة ثلاث ليالٍ على وقع اشتباكات عنيفة بين الأهالي وعناصر الأمن، أسفرت، بحسب وسائل إعلام تونسية، عن توقيف 11 شخصاً، بالإضافة إلى 10 جرحى في صفوف الشرطة.
مواجهات بين قوات الأمن وعدد من الشباب في مدينة بوزيد التونسية استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، استعمل الأمن خلالها الغاز المسيّل للدموع لتفريق المحتجين
"حكومات ما بعد الثورة تستمر في التعامل مع المطالب المشروعة لأسلوب نظام بن علي نفسه: المماطلة أحياناً، والقمع الأمني والملاحقات القضائية أحياناً أخرى... وكأن حكم بن علي لم يرحل عن سيدي بوزيد"
ما هي المشكلة؟
"دعنا نقول ما الذي لا يؤرق سيدي بوزيد"، بهذه العبارة عبّر العضو في التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية عبد الحليم حمدي عن تفاقم المعاناة في "المدينة المهمشة"، وقال لرصيف22 إن "سيدي بوزيد كشبيهاتها من الجهات لم تنل حظها من التنمية".
علماً أن نِسب البطالة مرتفعة في صفوف الشباب، ولا وجود للخدمات الصحية، كما أن البنية التحتية متهرئة، يضيف حمدي، أما قطاع الزراعة الذي كان يمثل المحرك الأساسي للاقتصاد فيها، فبلغ مرحلة متقدمة من الأزمة "بسبب غياب التشجيع لصغار الفلاحين، واستنزاف الموارد المائية من قبل كبار المستثمرين".
وأشار إلى أن السلطة لطالما أعلنت مشاريع "من دون أن تباشر إنجازها في أرض الواقع".
حكم "بن علي" لم يرحل والاحتجاج متواصل
يقول حمدي لرصيف22: "تستمر حكومات ما بعد الثورة في التعامل مع المطالب المشروعة بأسلوب نظام بن علي نفسه، أي بالتسويف والمماطلة أحياناً، والقمع الأمني، والملاحقات القضائية أحياناً أخرى"، وكأن حكم بن علي لم يرحل عن سيدي بوزيد، ويضيف "سيبقى الاحتجاج ما بقيَت أسبابه".
وشهدت سيدي بوزيد، حسب حمدي، خلال 2019، مع استثناء كانون الأول/ ديسمبر الجاري "نحو 300 تحرك احتجاجي، منها تظاهرات العاطلين عن العمل، وعمال الحضائر، والفلاحين، وتظاهرات مناصرة للمرأة العاملة في الفلاحة، واحتجاجات العطش في كل مدينة وقرية وريف، واحتجاجات بسبب تردي المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى تظاهرات نددت بتردي المؤسسات الصحية".
ولفت حمدي إلى أن المدينة تُصنّف ضمن المراتب الثلاث الأولى في الاحتقان الاجتماعي حسب التقارير التي يُصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...