"من لا اسم له لا حضور له"، كتب الروائي المصري جمال الغيطاني في رواية "رن"، ولا ينطبق ذلك على الإنسان فقط، بل على كل شيء تقريباً، فالورود تحمل أسماء تميز عبير كل واحدة عن الأخرى، والشوارع تحمل أسماء لنستدلّ بها، كما يحرص الجميع على اختيار أسماء لأطفالهم يحملونها طيلة العمر، دون أن يخجلوا منها في أوراقهم الثبوتية، أو ربما كانت لهم تأشيرة الدخول لعوالم السياسة أو الفن.
أيضاً يرى بعض المصريين في اختيار أسماء أبنائهم شكلاً من أشكال الخلود، لذلك ينشب الصراع في بعض الأحيان بين الوالدين على اسم الطفل، كما يرى الحكام في أسماء مدنهم وشوارعها شكلاً آخر من أشكال السلطة، ومن ثم كثيراً ما نشبت الصراعات بين الأنظمة المتعاقبة على أسماء المدن والشوارع والميادين، ولكن أيضاً في بعض الأحيان يتطوع بعض الناس في حمل أسماء حكامه، طمعاً في بعض المكاسب.
217 فاروق غيَّروا أسماءهم
لم تقتصر أسماء الحكام في مصر على المدن والشوارع والميادين، بل زحفت إلى مكاتب السجل المدني لتحتل مكاناً في شهادة المواليد الجدد، ولعل أشهر المواقف ما جاء في الصفحات الأولى من مذكرات إسماعيل صدقي باشا، وفيها أنّه عند ولادته، أراد والده أن يكون له حظ من السلطة، فسماه باسم الخديوي إسماعيل، ولم يكفه ذلك، فجعل اسمه مركباً، ملحقاً به اسم أخي الخديوي في الرضاعة، صديق، فكان اسم مولوده "إسماعيل صديق"، ولكن، ما هي إلا أيام حتى انقلب الخديوي على أخيه، وحرض على قتله، فلم يجد أحمد شكري، والد الطفل، غير أن يهرع إلى مكتب السجل مرة أخرى ليصحح الأمر، بما يحافظ على علاقته بالسلطة، فأبقى على اسم الملك مع العدول عن اسم أخيه، فأصبح الطفل "إسماعيل صدقي"، الذي تولى رئاسة وزراء مصر مرتين، الأولى في عهد الملك فؤاد، وفي عهدها ألغي دستور 1923 وأصدر دستور 1930، والثانية في عهد الملك فاروق الأول، كانت محاولة لتشكيل وزارة قومية يشارك فيها ممثلون لجميع أطراف العمل السياسي، ولكن لم يشارك فيها إلا حزب الأحرار الدستوريين ومستقلين، بحسب أيمن عثمان الباحث في التراث المصري.
ويشير عثمان في تصريح لرصيف22 إلى واقعة أخرى حدثت في 28 سبتمبر 1952، عندما حمل مانشيت مجلة "الاثنين والدنيا"، التي كانت تصدرها "دار الهلال"، عنوان: "217 فاروق يغيرون أسماءهم"، حيث أقدم 217 شخصاً على تغيير أسمائهم من "فاروق" إلى أسماء أخرى، وكان ذلك في أعقاب ثورة يوليو، عملاً بمبدأ "مات الملك عاش الملك"، ويشدد الباحث على أن"اختيار الأسماء دائماً ما يكون من نصيب اسم الحاكم الحالي، أما اسم الحاكم السابق فيتم تجاهله، وأحيانا يتم تغييره".
"اختيار الأسماء دائماً ما يكون من نصيب اسم الحاكم الحالي، أما اسم الحاكم السابق فيتم تجاهله، وأحيانا يتم تغييره"
الفنان محمد عبد المطلب، توجه إلى وزارة الصحة ونقابة الموسيقيين، وأعلن كرهه المفاجئ لاسمه الحقيقي "محمد عبد المطلب الأحمر"، وذلك لما يحمله من رمزية "للشيوعيين المجرمين"، وأن اسمه أصبح "محمد عبد المطلب الناصر"
الصراع الذي شهدته الأسماء لم يتوقف عند شخوص الحكام، بل وصل إلى الأيديولوجيات المختلفة، سواء كانت من حاكم إلى آخر أو بين دولة وأخرى، يحكي عثمان صاحب كتاب "تراث مصري"، أن الفنان محمد عبد المطلب، وهو في الـ50 من عمره، وفي خضم الصراع بين النظامين المصري والعراقي، توجَّه إلى وزارة الصحة ونقابة الموسيقيين، وأعلن كرهه المفاجئ لاسمه الحقيقي "محمد عبد المطلب الأحمر"، وذلك لما يحمله من رمزية "للشيوعيين المجرمين"، ويؤكد دعمه لجمال عبد الناصر، وأنَّ اسمه أصبح "محمد عبد المطلب الناصر".
"ناصر، وعبد الناصر، وجمال هي الأسماء الأكثر شهرة في عصر جمال عبد الناصر".
وتابع عثمان: كانت "ناصر.. عبد الناصر.. جمال"، هي الأسماء الأكثر شهرة في عصر عبد الناصر، كما لجأ آخرون إلى تسمية أبنائهم "خالد" حتى يلقبوا بـ"أبي خالد"، إسوة بجمال عبد الناصر أيضاً، أما في عهد محمد أنور السادات "الرئيس المؤمن"، فكان لاسم "مؤمن" مكانة كبيرة في دفتر المواليد.
حسني مبارك اسم التوائم
الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، تردد اسمه في حالات ميلاد التوائم، ولاسيما من هم أكثر من اثنين، فيطلق اسمه بأركانه الثلاثة على الأطفال "محمد-حسني- مبارك"، وأيضا ظهر اسم زوجته "سوزان"، إذ كان المولود أنثى.
وبين فترة وأخرى تنشر الصحف القومية أخباراً تعلن ميلاد 3 أطفال توائم، مبشرة برعايتهم من قبل الدولة صحياً وغذائياً، فمثلاً في 29 يوليه 1998، نشرت صحيفة "الأخبار "عن "حالة ولادة نادرة لـ3 توائم"، وكانت لسيدة تدعى عبير عبد المنعم عبد الرحمن، متزوجة من هشام شعبان عمارة، سائق، وقد وضعت الأم فتاتين وولد، فأطلقت عليهم "جهاد- سوزان- مبارك"، بحسب الصحيفة، وزيادة في الإثارة، أشارت الصحيفة إلى أنَّ الأبوين رزقا بالأطفال الثلاثة بعد 6 سنوات من العقم.
وكتبت الصحفية رواية عبدالباري، خبراً في جريدة "الأخبار"، بتاريخ 26 مارس 2000، بعنوان: "أم تضع 4 توائم وكلهم بصحة جيدة"، ذكرت فيه أن سيدة في الشرقية عمرها 23 عاماً، وزوجها فلاح عمره 25 عاماً، وضعت 4 توائم، وهذه أول ولادة لها بعد زواجها منذ 3 سنوات. وبعد تأكيد أخصائي أمراض النساء والتوليد بمستشفى الحسينية العام بالشرقية، أن هذه الحالة من الحالات النادرة التي تحدث كل مليون حالة، خاصة أن السيدة لم تتناول منشطات التبويض، أشارت الصحيفة إلى كلام الأم أنها أطلقت أسماء "حسني- مبارك- سوزان- رواية"، على التوائم.
لم يتوقف الأمر عند اسم حسني مبارك وزوجته، فحسبما نشر بصحيفة "المصري اليوم" المستقلة، الأربعاء 20 أغسطس 2008، أن سيدة تدعى غزالة إبراهيم عمر وضعت سبعة توائم، وقد أطلقت عليهم أسماء أفراد أسرة الرئيس كاملة، فجاءت أسماؤهم: جمال وعلاء (ابني الرئيس المخلوع) وحسني ومبارك للذكور، وسوزان (زوجة الرئيس) وخديجة (زوجة جمال)، وجيهان (زوجة الرئيس الراحل أنور السادات) للإناث.
وأوضح والد الأطفال فراج علي البرقي، للصحيفة، أن القبائل البدوية التي ينتمي إليها تمنح كل مولود اسمين، أحدهما للشهرة والثاني للتدوين في الأوراق الرسمية، مشيراً إلى أن أسماءهم الرسمية ستكون: "محمد وكريم وبلال وياسين للأولاد، وحبيبة وإسراء ودعاء للبنات".
"جمهورية" و"هدية" و"عربية"
في 7 فبراير 1958، أي في نفس الشهر الذي أعلنت فيه الوحدة بين مصر وسوريا، تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، نشرت مجلة المصور قصة "نعيمة السيد" زوجة "السيد مصطفى الشيخ"، المزارع بناحية المنتزه في ضواحي الإسكندرية، والتي وضعت ثلاثة توائم بالمستشفى الجامعي في الشاطبي.
ذكرت المجلة في شكل قصة صحفية، أنه عندما أنجبت نعيمة توائمها الثلاثة، سألها مدير المستشفى عن الأسماء التي ترغب بإطلاقها على أطفالها، لتجيبه أنها كانت تنوي أن تسمي أحدهم "جمال عبد الناصر" ليسألها عن أسماء الولد والبنت الآخرين، فتوكل له تلك المهمة، ليشير الطبيب بدوره إلى أن اليوم "عيد الوحدة بن مصر وسوريا"، مقترحاً أن يكون اسم الولد الثاني "القوتلي" نسبة إلى الرئيس السوري شكري القوتلي، وأن يكون اسم البنت "وحدة"، لتجيبه الأم: "ياريت في حيل أزغرد".
لم تكتف المصور بذلك الموقف، بل أشارت إلى "عجيبة" أخرى حدثت في نفس المستشفى، ففي اليوم التالي أنجبت مهجة زوجة أحمد الكحكي، عربجي في منطقة رشيد، ثلاث توائم آخرين: ثلاث بنات، وتركت أمهم الطبيب الذي عنى بها، الدكتور مصطفى زعزوع، يسمي البنات الثلاث، ليسجل أعياد الوحدة أيضاً في تسميتهن، فسمى الأولى "جمهورية"، والثانية "هدية"، والثالثة "عربية".
مثلما ظهرت الأسماء في عهد جمال عبدالناصر شاهدة على بعض الأحداث السياسية، أيضاً كان للأسماء دور في تسجيل موقف شهير في عهد المخلوع حسني مبارك، تحديداً محاولة اغتياله الشهيرة في أديس أبابا، وقد تداولت الصحف وقتها خبراً عن ميلاد 4 توائم، بنت وثلاثة أولاد، وكانت أسماؤهم: "نجاة – محمد- حسني – مبارك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون