شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أوفسايد الخرطوم".. كيف تُقتَلع الحقوق في دولنا المقيدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 26 نوفمبر 201909:54 ص
تحاول مروة زين خلال صناعة أفلامها أن تلامس روحها وتجاربها الشخصية، وفي فيلمها الأخير "أوفسايد الخرطوم"، نجحت في إيصال صوتها وصوت الكثير من السودانيات 

تحاول مروة زين خلال صناعة أفلامها أن تلامس روحها وتجاربها الشخصية، وفي فيلمها الأخير "أوفسايد الخرطوم" نجحت في إيصال صوتها وصوت الكثير من السودانيات عبر الشاشة الكبيرة، رغبتُها في إتمام فيلمها دون خوف من مصادرة كاميرتها أو اعتقالها، ورغبتهن بامتلاك قراراتهن، بعيداً عن هيمنة الذكورة والدين والسياسة.

يحكي "أوفسايد الخرطوم" حلم فتيات بتشكيل فريق نسائي لكرة القدم في السودان يتمكن من تمثيل بلدهن في بطولات عالمية، حلم يتحقق على أرض الواقع بعد إنهاء تصوير الفيلم بعام، ففي أكتوبر الماضي أُقيمت أول بطولة للسيدات لكرة القدم في السودان، إنجازٌ تفخر به مخرجة الفيلم، خاصة أن عملها كان أحد الأصوات التي ساهمت في تحققه. لكنها تتمنى ماهو أكثر من ذلك.. تتمنى "عدالة وحرية وكرامة لشعب السودان نساء ورجال وأطفال".

"عدالة وحرية وكرامة لشعب السودان نساء ورجال وأطفال"

المخرجة السودانية مروة زين التي تخلَّت عن دراسة الهندسة الكيميائية لتجري وراء شغفها في صناعة السينما، أنجزت عدداً من الأفلام، كان لهموم النساء حضور جليّ فيها: الحب، التحرش، الحرية. انحياز لم يأت صدفة، خاصة أنها تنقلت خلال حياتها في دول عربية عديدة كمصر، السودان والسعودية، ولمست أوجاع النساء فيها: "لا يسعني عمل فيلم لا يشبهني لأني أؤمن بحريتي في الإخراج، وحريتي لها ثمن كبير.. خسرت الكثير في سبيل أن أصبح مخرجة قادرة على التعبير، قادرة على التحليق في صور وأصوات تمثلني بشكل مباشر أو غير مباشر".

حلم الفتيات السودانيات بتشكيل فريق لكرة القدم، هو سعي كل نساء السودان للخروج من سطوة السياسة والدين، اللتين قيدتا أدوارهن وحرّمتا بعض أفعالهن، كممارسة كرة القدم
"ممارسة النساء لكرة القدم أمام الرجال أمر لايشك في تحريمه لأنه يؤدي إلى انكشاف ما أمر الله بستره، كما يتنافى مع طبيعة المرأة"، قول لداعية سوداني عند انطلاق بطولة السيدات لكرة القدم في السودان

تأمل مروة زين مخرجة فيلم "أوفسايد الخرطوم" أن يكون حظ المخرجين والمخرجات القادمات أفضل وأكثر حرية، فلا يتم اعتقالهن لحمل الكاميرا، ولا يستثمرن سنين طويلة لإتمام مشروع سينمائي واحد

"أوفسايد الخرطوم".. من 5 دقائق إلى صوت كل السودانيات

يشارك "أوفسايد الخرطوم" في مسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الواحدة والأربعين المقام حالياً. جمهور الفيلم سيتلقى رسائل عدة أرادت المخرجة إيصالها، على رأسها أهمية التعبير بحرية عما نود فعله، الحرية في إخراج فيلم، حرية الفتيات في لعب كرة القدم، عيش الحياة كاملة بشغف وحرية، واقتلاع هذا الحق المستحيل في دولنا المقيدة، حسب قولها لرصيف22.

بدأت رحلة الفيلم نهاية عام 2014، عندما انتقلت المخرجة من مصر للإقامة في الخرطوم. كانت الفكرة الأولى للعمل أن يُقدَّم خلال 5 دقائق، بالتعاون مع منظمة "رؤية" المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة السودانية. عند لقاء مروة لاعبات كرة القدم أيقنت أن العمل يجب ألا يقتصر على 5 دقائق، غير أن إغلاق المنظمة جعل طريقها شاقاً، لتبدأ رحلة البحث عن منتجين في بلد "ليس لديه صناعة سينما ولا يوجد منتجين ولا أي صندوق دعم سوداني".

أسست مروة شركة إنتاج في السودان، ثم أنتجت الفيلم بالتعاون مع شراكة فرنسية دنماركية. تعتبر المخرجة أن هذه الرحلة كانت غنية وصعبة لكن الفيلم جدير بها.



ست فتيات يحاولن التسلل خارج حدود المدينة

ست فتيات قدمن من بيئات ليست متباعدة، يحاولن التسلل خارج حدود المدينة، خارج أغلالها المتجذرة في المجتمع والأسرة، وخلق مساحة خاصة لممارسة رياضة كرة القدم بشكل احترافي، من هنا كان العنوان: "أوفسايد" كلمة تعني الفعل الخاطئ في لعبة كرة القدم، وهو أيضاً المجال الوحيد الذي كان متاحاً لخروج الفيلم إلى النور، بحسب مخرجته. مضيفة أن الخرطوم هي "العاصمة الثلاثية البديعة التي كانت أرض المعارك في الفيلم".

سعي الفتيات السودانيات لتشكيل فريق لكرة القدم هو مطلب لكل نساء السودان للخروج من سطوة السياسة والدين، اللتين قيدتا أدوارهن وحرّمتا بعض أفعالهن، كممارسة كرة القدم، تلك الأصوات المعارضة تخللت الفيلم، أيضاً رافقت انطلاق بطولة السيدات لكرة القدم في السودان. يقول مضمونها إن "ممارسة النساء لكرة القدم أمام الرجال أمر لا يُشك في تحريمه لأنه يؤدي إلى انكشاف ما أمر الله بستره، كما يتنافى مع طبيعة المرأة. يمكن لها ممارسة الرياضة التي تتوافق ودينها وطبيعتها".

إلى جانب بعده النسوي، يطرح الفيلم إشكالات أخرى، سياسية، قبلية، دينية واقتصادية، تذهب بنا إلى المهمشين في السودان، القبائل غير العربية، أبناء دارفور وكردفان والنوبة المنسيين، كذلك البسطاء وغير المتعلمين، تقول صانعته لرصيف22: "الفيلم يحمل مدلولات كثيرة، ولا يمكن اختصاره في كرة القدم. بعد عرضه الفيلم لا سلطة لي عليه ولا على المتلقي، لكن سعادتي الحقيقية في إتمام العمل هي جعل ما وراء العمل يصل للجمهور".

مخاطر وجوائز

تصر مروة زين على حقها بإتمام فيلمها دون خوف من مصادرة كاميرتها أو اعتقالها، ورغبتهن بامتلاك قراراتهن... تصرّ على حق النساء في الإبداع في وجه هيمنة الذكورة والدين والسياسة

كان تصوير الفيلم مخاطرة كبيرة، في دولة كانت ضد السينما بقرار سياسي وديني واضح، تؤكد ذلك مخرجة العمل: "حمل الكاميرا والنزول للتصوير دون تصريح كان ضرباً من الجنون، غير أن شجاعة الفتيات وقوتهن منحتني طاقة أخرى، إلى جانب إصراري بألا يهزمني السودان وكان قد فعل ذلك في الجنوب بين عامي 2011 و2012. كنت عازمة على عدم السقوط في حفرة سوداء، وقد حالفني الحظ بدعم منتجين مشاركين وجهات دولية آمنت بي كمخرجة ومنتجة، وساندتني رغم كل الصعوبات التي لا أجرؤ على البوح بجميعها".

نال "أوفسايد الخرطوم" جائزة TV5 Mondeفي مهرجان قرطاج السينمائي، بداية الشهر الجاري، وتوّج كأفضل فيلم تسجيلي إفريقي 2019، في الدورة الخامسة عشرة من جوائز الأكاديمية الإفريقية (الأوسكار الإفريقي)، سبق ذلك نيله الجائزة الثانية في مهرجان مالمو للفيلم العربي أكتوبر الفائت.

صاحبة "أسبوع ويومين" تعتبر أن الجوائز أضفت على الفيلم تقديراً عالمياً مهماً وشرفياً، مؤكدة أن ذلك أعطاها المزيد من الدفع لإنجاز فيلمها القادم: "لا أفكر بالجوائز كثيراً، وأصر أن نجاح أي مخرج ومنتج في دولنا وفي عصرنا الحالي هو إتمام الفيلم".

تنتظر مروة زين أن يعبر فيلمها مزيداً من المهرجانات السينمائية، آملة أن يكون حظ المخرجين والمخرجات القادمات أفضل وأكثر حرية: "فلا يتم اعتقالهن لحمل الكاميرا، ولا يستثمرن سنين طويلة لإتمام مشروع سينمائي واحد". قبل ذلك ترجو أن يصبح السودان دولة مدنية تقدس التعليم والصحة والقانون، معللةً: "لا يمكنني أن أحلم بسينما وبصناعة سينمائية دون أن تكون هنالك قاعدة الهرم الأساسية".

مئة عام عمر السينما السودانية، تخللتها عقود من الغيبوبة وشحّ الإنتاج لأسباب كثيرة، يعيد فيلم "أوفسايد الخرطوم" لها بعض الوهج، بمشاركة تجارب لصناع سودانيين آخرين، منهم صهيب قاسم الباري وأمجد أبو العلا وحجوج كوكا. مروة زين سعيدة بهذه التجارب "رغم أنها فردية"، غير أنها تمثل البداية: "أنا سعيدة بالتغيير في السودان، أؤمن بالبدايات وأؤمن بالتغيير، وإيماني الأكبر بالشعوب التي تستحق أن تحيا قبل أن تموت".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image